الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعرفنا أيضاً أن الرأي الراجح في النجاسة الحقيقية لا الحكمية عند الحنفية: هو جواز التطهير بالمائعات الأخرى غير الماء كماء الورد والخل وعصير الفواكه والنباتات، وأنه يمكن التطهير بمطهرات أخرى كثيرة هي (21) مطهراً عند الحنفية وافقهم في بعضها غيرهم، وخالفهم في البعض الآخر.
وأما كيفية التطهير بالماء أو شروطه فهي ما يأتي (1):
1ً -
العدد:
اشترط الحنفية العدد في النجاسة غير المرئية وهو الغسل ثلاثاً فقالوا: إن كانت النجاسة غير مرئية كالبول وأثر لعاب الكلب ونحوهما، فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر، ولا يطهر إلا بالغسل ثلاث مرات، وإنما قدروا التكرار بالثلاث ولو في نجاسة الكلب؛ لأن غالب الظن يحصل عنده، فأقيم السبب الظاهر مُقَامه تيسيراً.
ودليلهم حديثان هما: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً» (2) و «إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده ثلاثاً قبل أن يدخلها في إنائه» (3)، فقد أمر
(1) انظر عند الحنفية: البدائع: 87/ 1 - 89، الدر المختار:303/ 1 - 310، فتح القدير:145/ 1، اللباب:57/ 1، مراقي الفلاح: ص26ومابعدها، وعند المالكية: بداية المجتهد:83/ 1، الشرح الصغير:81/ 1 - 82، القوانين الفقهية: ص35، وعند الشافعية: المجموع:188/ 1، مغني المحتاج: 83/ 1 - 85، المهذب:48/ 1 ومابعدها، وعند الحنابلة: المغني:52/ 1 - 58، كشاف القناع:208/ 1،213.
(2)
روي عن أبي هريرة من طريقين: الأول عند الدارقطني، وفيه متروك. وله رواية أخرى بإسناد صحيح، والثاني عند ابن عدي في الكامل، وابن الجوزي، وهو حديث لم يصح (نصب الراية:130/ 1 ومابعدها).
(3)
رواه مالك والشافعي وأحمد في مسنده وأصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة، وهو حديث صحيح حسن.
صلّى الله عليه وسلم بالغسل ثلاثاً، وإن كان هناك شيء غير مرئي، وأما الأمر بالغسل سبعاً من ولوغ الكلب، فكان في ابتداء الإسلام، لقلع عادة الناس بإلف الكلاب، كالأمر بكسر الدنان والنهي عن الشرب في ظروف الخمر حين حرمت الخمر.
وأما إن كانت النجاسة مرئية كالدم ونحوه، فطهارتها زوال عينها ولو بمرة على الصحيح، إلا أن يبقى من أثرها، كلون أو ريح، ما يشق إزالته، فلا يضر بقاؤه، ويغسل إلى أن يصفو الماء، على الراجح، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم للحائض إن لم يخرج أثر الدم:«يكفيك الماء، ولا يضرك أثره» (1).
وتظهر المشقة عندما يحتاج في إزالة الأثر إلى غير الماء القَرَاح كصابون أو ماء حار.
وعليه: يطهر الثوب المصبوغ بمتنجس إذا صار الماء صافياً مع بقاء اللون.
ولا يضر أثر دهن متنجس على الأصح لزوال النجاسة المجاورة بالغسل، ويطهر السمن والدهن المتنجس بصب الماء عليه ورفعه عنه ثلاثاً.
ويطهر اللبن والعسل والدبس والدهن بالغلي على النار ثلاثاً، فيصب عليه الماء، ويغلى، حتى يعلو الدهن، ويرفع بشيء ثلاث مرات.
ويطهر لحم طبخ بخمر بغلي وتبريد ثلاث مرات. وعلى هذا: الدجاج المغلي قبل إخراج أمعائها، يطهر بالغسل ثلاثاً، ويطهر ظاهره وباطنه، على المفتى به. وإذا وضع الدجاج بقدر انحلال المسام لنتف ريشه، يطهر بالغسل ثلاثاً.
(1) روى أحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة: «أن خولة بنت يسار قالت: يارسول الله، ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه؟! قال: فإذا طَهُرتِ، فاغسلي موضع الدم، ثم صلّي فيه، قالت: يارسول الله، إن لم يخرج أثره؟ قال: يكفيك الماء، ولايضرك أثره» وسنده ضعيف ـ (نيل الأوطار:40/ 1).
والحنطة المطبوخة في خمر لا تطهر أبداً، على المفتى به. أما لو انتفخت من بول، نقعت وجففت ثلاثاً. ولو عجن خبز بخمر صب فيه خل، حتى يذهب أثره، فيطهر.
وقال المالكية: لا يكفي في غسل النجاسة إمرار الماء، بل ولا بد من إزالة عين النجاسة وأثرها، بأن ينفصل الماء طاهراً، ويزول طعم النجاسة قطعاً، ويزول لونها وريحها إن تيسر زوالهما، ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله، كالمصبوغ بالنجاسة من زعفران متنجس أو نيلة ونحوهما.
ولا يشترط عدد معين للغسل أصلاً؛ لأن المفهوم من الأمر بإزالة النجاسة إزالة عينها. وأما العدد المشترط في غسل الإناء سبعاً من ولوغ الكلب، فهو عبادة لالنجاسة.
وقال الشافعية والحنابلة: ما نجس بملاقاة شيء (من لعاب أو بول، وسائر الرطوبات، والأجزاء الجافة إذا لاقت رطباً) من كلب أو خنزير، وما تولد منهما، أو من أحدهما من حيوان طاهر، يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب الطاهر، ولو غبار رمل، لقوله صلى الله عليه وسلم:«يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات، أولاهن أو أخراهن بالتراب» (1) وفي حديث عبد الله بن المغفل: «إذا ولغ الكلب في الإناء، فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب» (2).
ويقاس الخنزير على الكلب؛ لأنه أسوأ حالاً منه، وشر منه، لنص الشارع
(1) رواه الأئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة. وفي لفظ لمسلم وأبي داود: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات» ورواه مالك في الموطأ بلفظ: (إذا شرب) بدل (إذا ولغ) وغير مالك كلهم يقولون: (إذا ولغ)(نصب الراية:133/ 1).
(2)
رواه مسلم (نصب الراية:133/ 1).
على تحريمه، وتحريم اقتنائه، فثبت الحكم فيه بطريق التنبيه، وإنما لم ينص الشارع عليه؛ لأنهم لم يكونوا يعتادونه.
والغسلة الأولى أولى بجعل التراب فيها للخبر الوارد، وليأتي الماء بعده، فينظفه، ولا بد من استيعاب المحل المتنجس بالتراب، بأن يمر التراب مع الماء على جميع أجزاء المحل المتنجس.
والأظهر عند الشافعية تعين التراب، فلا يكفي غيره كأشنان وصابون.
ويقوم عند الحنابلة الأشنان والصابون والنخالة ونحوها من كل ماله قوة في الإزالة، مقام التراب، ولو مع وجوده، وعدم تضرر المحل به، لأن نصه على التراب تنبيه على ما هو أبلغ منه في التنظيف. وإذا أضر التراب بالمحل فيكفي مسماه أي أقل شيء يسمى تراباً يوضع في ماء إحدى الغسلات، للنهي عن إفساد المال، ولحديث:«إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم» (1).
وأما نجاسة غير الكلب والخنزير فتطهر عند الحنابلة بسبع مرات منقية دون تراب، لقول ابن عمر:«أمرنا أن نغسل الأنجاس سبعاً» فينصرف إلى أمره صلى الله عليه وسلم، وقد أمر به في نجاسة الكلب، فيلحق به سائر النجاسات، والحكم لا يختص بمورد النص، بدليل إلحاق البدن والثوب به، وكذلك محل الاستنجاء يغسل سبعاً كغيره. فإن لم ينق المحل المتنجس بالسبع، زاد في الغسل حتى ينقى المحل. ولايضر بقاء لون النجاسة أو ريحها أو هما معاً حالة العجز عن إزالتهما، لحديث خولة بنت يسار السابق:«يكفيك الماء، ولا يضرك أثره» . ويضر بقاء طعم النجاسة لدلالته على بقاء عينها، ولسهولة إزالته.
(1) روى أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة: «ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» وهو حديث صحيح.