الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً ـ شروط المسح على الخفين:
هناك شروط ثلاثة متفق عليها فقهاً، وشروط مختلف فيها بين الفقهاء (1)، ومن المعلوم أنها جميعاً شروط في المسح لأجل الوضوء، أما من أجل الجنابة فلا يجوز المسح، أفلا يجوز المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل، لحديث صفوان بن عسَّال المتقدم:«أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين، إذا نحن أدخلناهما على طهر، ثلاثاً إذا سافرنا، ويوماً وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم، ولا نخلعهما إلا من جنابة» .
الشروط المتفق عليها:
اتفق الفقهاء على اشتراط شروط ثلاثة في المسح على الخفين لأجل الوضوء وهي ما يأتي:
1 ً - لبسهما على طهارة كاملة: لحديث المغيرة السابق، قال:«كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما» (2)، واشترط الجمهور أن تكون تلك الطهارة بالماء، وأجاز الشافعية: أن تكون الطهارة بالماء من وضوء أو غسل، أو بالتيمم لا لفقد الماء.
وقد جعل المالكية هذا الشرط مشتملا على شروط خمسة في الماسح هي:
الأول - أن يلبس الخف على طهارة، فإن لبسه محدثاً، لم يصح المسح عليه. وأجاز الشيعة الإمامية أن يلبس الخف على طهارة أو غير طهارة.
(1) راجع الدر المختار: 241/ 1 - 245، البدائع:9/ 1 وما بعدها، مراقي الفلاح: ص 22، الشرح الصغير:154 - 156، القوانين الفقهية: ص38، مغني المحتاج:65/ 1وما بعدها، المهذب:21/ 1، المغني:282/ 1،293،294،296، كشاف القناع:124/ 1 - 133، بداية المجتهد:19/ 1 - 21.
(2)
متفق عليه.
الثاني ـ أن تكون الطهارة مائية، لا ترابية، وهذا شرط عند الجمهور غير الشافعية، فإن تيمم ثم لبس الخف، لم يكن له المسح عند الجمهور؛ لأنه لبسه على طهارة غير كاملة، ولأنها طهارة ضرورة بطلت من أصلها، ولأن التيمم لا يرفع الحدث، فقد لبسه وهو محدث. وقال الشافعية: إن كان التيمم لفقد الماء فلا يجوز المسح بعد وجود الماء، وإنما يلزمه إذا وجد الماء نزع الخف، والوضوء الكامل. أما إن كان التيمم لمرض ونحوه، فأحدث فله أن يمسح على الخف.
الثالث ـ أن تكون تلك الطهارة كاملة، بأن يلبسه بعد تمام الوضوء أو الغسل، الذي لم ينتقض فيه وضوءه. فإن أحدث قبل غسل الرجل، لم يجز له المسح؛ لأن الرِجْل حدثت في مقرها، وهو محدث، فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث.
والشرط عند الشافعية والحنابلة: أن تكون الطهارة كاملة عند اللبس، أي لا بد من كمال الطهارة جميعها، وأما عند الحنفية: فالطهارة عند الحدث بعد اللبس، أي لا يشترط كمال الطهارة، وإنما المطلوب إكمال الطهارة. ويظهر أثر الخلاف فيما لو غسل المحدث رجليه أولاً، ولبس خفيه، ثم أتم الوضوء قبل أن يحدث، ثم أحدث، جاز له أن يمسح على الخفين عند الحنفية، لوجود الشرط: وهو (لبس الخفين على طهارة كاملة وقت الحدث بعد اللبس). وعند الشافعية والحنابلة: لا يجوز لعدم الطهارة الكاملة وقت اللبس؛ لأن الترتيب شرط عندهم، فكان غسل الرجلين مقدماً على الأعضاء الأُُخر، كأن لم يكن.
الرابع ـ ألا يكون الماسح مترفهاً بلبسه، كمن لبسه لخوف على حناء برجليه، أو لمجرد النوم به، أو لكونه حاكماً، أو لقصد مجرد المسح، أو لخوف برغوث مثلاً، فلا يجوز له المسح. لكن لو لبسه لحر أو برد أو وعر، أو خوف عقرب، ونحو ذلك، فيجوز له المسح.
الخامس ـ ألا يكون عاصياً بلبسه، كمُحرم بحج أو عمرة، لم يضطر للبسه، فلا يجوز له المسح. أما المضطر للبسه، والمرأة، فيجوز له المسح. والمعتمد عند المالكية والحنابلة والشافعية: أنه يجوز المسح للعاصي بالسفر كالعاق والديه وقاطع الطريق. والضابط عند المالكية: أن كل رخصة جازت في الحضر، كمسح خف وتيمم وأكل ميتة، تفعل في السفر، وكل رخصة تختص بالسفر كقصر الصلاة وفطر رمضان تجوز في السفر لغير العاصي بسفره، أما هو فلا يجوز له ذلك (1).
2 ً - أن يكون الخف طاهراً، ساتراً المحل المفروض غسله في الوضوء: وهو القدم بكعبيه من سائر الجوانب، لا من الأعلى، فلا يجوز المسح على خف غير ساتر الكعبين مع القدم، كما لا يجوز المسح على خف نجس، كجلد الميتة قبل الدباغ عند الحنفية والشافعية، وكذلك بعد الدباغ عند المالكية والحنابلة؛ لأن الدباغ عندهم غير مطهر، والنجس منهي عنه.
3 ً - إمكان متابعة المشي فيه بحسب المعتاد: وتقدير ذلك محل خلاف، فقال الحنفية: أن يكون الخف مما يمكن متابعة المشي المعتاد فيه فرسخاً (2) فأكثر، فلا يجوز المسح على خف متخذ من زجاج أو خشب أو حديد، أو خف رقيق يتخرق بالمشي. واشترطوا في الخفين: استمساكهما على الرجلين من غير شد.
والمعتبر عند المالكية: أن يمكن تتابع المشي فيه عادة، فلا يجوز المسح على خف واسع لا تستقر القدم أو أكثرها فيه، وإنما ينسلت من الرجل عند المشي فيه.
والمقرر عند الأكثرين من الشافعية: أن يمكن التردد فيه لقضاء الحاجات، للمقيم سفر يوم وليلة، وللمسافر: سفر ثلاثة أيام ولياليهن، وهو سفر القصر؛ لأنه بعد انقضاء المدة يجب نزعه.
(1) الشرح الكبير للدردير:143/ 1، كشاف القناع:128/ 1، مغني المحتاج:66/ 1.
(2)
الفرسخ: ثلاثة أميال، اثنا عشر ألف خطوة، والميل:1848م، فيكون الفرسخ مساوياً5544م.