الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجال من المخيط، والامتناع عن الطيب ونحو ذلك من محظورات الإحرام، وإحرام المرأة بكشف وجهها. ويشترط للإحرام أيضاً كونه من الميقات، ولكل جهة ميقات معين معروف عند الفقهاء والناس.
وأجاز جمهور الفقهاء إدخال الحج على العمرة وبالعكس، بشرط أن يكون الإدخال قبل الشروع في طواف العمرة، وبشرط كونه عند الحنفية قبل أداء أربعة أشواط من طواف العمرة، ولا يجوز إدخال العمرة على الحج في مذهب الحنفية.
وأجاز الحنابلة خلافاً للجمهور فسخ الحج إلى العمرة، أي تحويل النية من الإحرام بالحج إلى العمرة.
وفي الأضحية: اشترط الشافعية والحنابلة أن تكون النية عن ذبح الأضحية لأن الذبح قربة في نفسه، ويكفيه أن ينوي بقلبه، ولا يشترط أن يتلفظ بالنية بلسانه؛ لأن النية عمل القلب، والذكر باللسان دليل عليها. وقال الكاساني في البدائع: لا تتعين الأضحية إلا بالنية وتكفي النية في مذهب الحنفية عند الشراء، كما سأوضح.
تاسعاً ـ النية في العبادات: هل هي شرط أو ركن
؟ تكلمنا فيما سبق في هذا البحث عن شروط النية ومحلها وكيفيتها وزمنها وغير ذلك، ولم يبق في بحث النية في العبادات إلا الكلام عن شرطيتها وركنيتها، فهل النية في العبادات شرط أو ركن؟ علماً بأن كلاً من الشرط والركن فرض، لكن الشرط يكون خارجاً عن المشروط، كالطهارة شرط للصلاة خارجة عن الصلاة، والركن في اصطلاح الحنفية: هو ما يتوقف عليه وجود الماهية أو الشيء، ويكون جزءاً داخلاً فيها أو فيه. وهو عند الجمهور: ما به قوام الشيء الذي يتوقف وجوده عليه، سواء أكان جزءاً داخلاً فيه أم أمراً أساسياً فيه. فالركوع والسجود
ركنان للصلاة داخلان فيها؛ لأنهما جزءان من أجزائها. والإيجاب والقبول ركن العقد في اصطلاح الحنفية، ويضاف إلى الصيغة (الإيجاب والقبول) العاقدان والمعقود عليه، والثمن أو العوض في المعاوضات، تعد أركاناً في العقد في اصطلاح الجمهور.
ويحسن إيراد عبارتين لكل من ابن نجيم والسيوطي قبل تفصيل حكم النية في العبادات؛ لأنهما يمثلان اتجاهين متعارضين في شرطية النية وركنيتها.
قال ابن نجيم (1):النية شرط عندنا في كل العبادات باتفاق الأصحاب (أي الحنفية)، لا ركن، وإنما الاختلاف بينهم وقع في تكبيرة الإحرام، والمعتمد أنها شرط كالنية وقيل: بركنيتها. وكذلك قال الحنابلة والمالكية: النية شرط في العبادة لاركن ولو داخلها (2).
وقال السيوطي (3):اختلف الأصحاب (أصحاب الشافعي) هل النية ركن في العبادات أو شرط؟ فاختار الأكثرون أنها ركن؛ لأنها داخل العبادات، وذلك شأن الأركان، والشرط ما يتقدم عليها، ويجب استمراره فيها.
وأتتبع هنا حكم النية في كل عبادة على حدة (4).
1 -
الطهارة: اختلف الفقهاء في اشتراط النية للوضوء على رأيين فقال الحنفية (5): يسن للمتوضئ البداية بالنية لتحصيل الثواب، ووقتها قبل الاستنجاء
(1) الأشباه والنظائر: ص55.
(2)
القوانين الفقهية: ص 57، غاية المنتهى: 115/ 1.
(3)
الأشباه والنظائر: ص38.
(4)
سيأتي تفصيل البحث في النية في مواضعها المطلوبة أصالة.
(5)
البدائع: 17/ 1، الدر المختار: 98/ 1 ومابعدها.
ليكون جميع فعله قربة، وكيفيتها: أن ينوي رفع الحدث، أو إقامة الصلاة، أو ينوي الوضوء، أو امتثال الأمر ومحلها: القلب، فإن نطق بها ليجمع بين فعل القلب واللسان، فهو مستحب عند المشايخ.
ويترتب على قولهم بعدم فرضية النية: صحة وضوء المتبرد، والمنغمس في الماء للسباحة أو للنظافة أو لإنقاذ غريق، ونحو ذلك.
واستدلوا على رأيهم بما يأتي:
أـ عدم النص عليها في القرآن: إن آية الوضوء لم تأمر إلا بغسل الأعضاء الثلاثة والمسح بالرأس، والقول باشتراط النية بحديث آحاد زيادة على نص القرآن، والزيادة على الكتاب عندهم نسخ، لا يصح بالآحاد.
ب ـ عدم النص عليها في السنة: لم يعلِّمْها النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي مع جهله. وفرضت النية في التيمم؛ لأنه بالتراب، وليس هو مزيلاً للحدث بالأصالة، وإنما هو بدل عن الماء.
جـ ـ القياس على سائر أنواع الطهارة وغيرها: إن الوضوء طهارة بماء، فلا تشترط لها النية كإزالة النجاسة، كما لا تجب النية في شروط الصلاة الأخرى كستر العورة، ولا تجب أيضاً بغسل الذمية من حيضها لتحل لزوجها المسلم.
د ـ إن الوضوء وسيلة للصلاة، وليس مقصوداً لذاته، والنية شرط مطلوب في المقاصد، لا في الوسائل.
وقال الجمهور غير الحنفية (1): النية فرض في الوضوء، لتحقيق العبادة أو
(1) المجموع للنووي:361/ 1 ومابعدها، بداية المجتهد: 7/ 1 ومابعدها، الشرح الكبير: 93/ 1 وما بعدها، مغني المحتاج: 47/ 1 ومابعدها، المغني: 110/ 1 ومابعدها، كشاف القناع: 94/ 1 - 101
قصد القربة لله عز وجل، فلا تصح الصلاة بالوضوء لغير العبادة كالأكل والشرب والنوم ونحو ذلك، واستدلوا بما يأتي:
أـ السنة: قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الجماعة عن عمر رضي الله عنه «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى» أي إن الأعمال المعتدّ بها شرعاً تكون بالنية، والوضوء عمل، فلا يوجد شرعاً إلا بنية.
ب ـ تحقيق الإخلاص في العبادة، لقوله تعالى:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة:5/ 98]، والوضوء عبادة مأمور بها، لا يتحقق إلا بإخلاص النية فيه لله تعالى؛ لأن الإخلاص عمل القلب وهو النية.
جـ ـ القياس: تشترط النية في الوضوء، كما تشترط في الصلاة، وكما تشترط في التيمم لاستباحة الصلاة.
د ـ الوضوء وسيلة للمقصود، فله حكم ذلك المقصود، لقوله تعالى:{إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة:6/ 5]، فهذا يدل على أن الوضوء مأمور به عند القيام للصلاة، ومن أجل هذه العبادة، فالمطلوب غسل الأعضاء لأجل الصلاة، وهو معنى النية.
وبمقارنة أدلة الفريقين يتبين لي أن الحق هو القول بفرضية النية؛ لأن أحاديث الآحاد كثيراً ما أثبتت أحكاماً ليست في القرآن، بل إن حديث عمر في النية، وإن كان غريباً بالنسبة إلى أوله، فهو مشهور بالنسبة إلى آخره، فإنه اشتهر، فرواه عن عمر أكثر من مئتي إنسان، أكثرهم أئمة، ومن أعيانهم الإمام مالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك والليث بن سعد وحماد بن زيد وشعبة وابن عيينة وغيرهم، ولأن عموم الماء للأعضاء بدون قصد أصلاً، أو بقصد التبرد، ليس غسلاً للوضوء، حتى يؤدي مهمته الشرعية، ويحقق المأمور به كما أمر به، والأمور بمقاصدها باتفاق الأئمة.
2 -
التيمم: اتفق العلماء على وجوب النية في التيمم، وهي فرض عند المالكية والشافعية، والمعتمد أنها شرط في رأي الحنفية والحنابلة (1)، ودليلهم على اشتراط النية في التيمم: الحديث السابق: (إنما الأعمال بالنيات) واستدل الحنفية: بأن التراب ملوِّث، فلا يكون مطهراً إلا بالنية، أي أن التراب ليس بطهارة حقيقية، وإنما جعل طهارة عند الحاجة، والحاجة إنما تعرف بالنية، بخلاف الوضوء؛ لأنه طهارة حقيقية. فلا يشترط له الحاجة ليصير طهارة، فلا يشترط له النية.
3 -
الغسل: الخلاف فيه كالخلاف في الوضوء على قولين، فقد أوجب الجمهور غير الحنفية النية للغسل كالوضوء، للحديث المتقدم:«إنما الأعمال بالنيات» . ورأى الحنفية أن الابتداء بالنية سنة، ليكون فعله تقرباً إلى الله تعالى يثاب عليه، كالوضوء (2). وفي غسل الميت اشترط الحنابلة في الغاسل النية: نية غسل الميت، للحديث السابق:«إنما الأعمال بالنيات» .
4 -
الصلاة: النية واجبة في الصلاة باتفاق العلماء، لتتميز العبادة عن العادة، وليتحقق في الصلاة الإخلاص لله تعالى؛ لأن الصلاة عبادة والعبادة إخلاص العمل بكليته لله تعالى، قال الله تعالى:{وماأمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين، حنفاء} [البينة:5/ 98]، قال الماوردي: والإخلاص في كلامهم: النية. ودل الحديث المتقدم: «إنما الأعمال بالنيات» على إيجابها، فلا تصح الصلاة بدون النية بحال.
(1) البدائع: 45/ 1، 52، فتح القدير: 86/ 1، 89، الشرح الكبير للدردير: 154/ 1 القوانين الفقهية: ص37، بداية المجتهد: 64/ 1 ومابعدها، مغني المحتاج: 97/ 1، المهذب: 32/ 1، المغني: 251/ 1، كشاف القناع: 199/ 1 ومابعدها.
(2)
الدر المختار: 140/ 1 ومابعدها، الشرح الصغير للدردير: 166/ 1 ومابعدها، مغني المحتاج: 72/ 1 وما بعدها، كشاف القناع: 173/ 1 ومابعدها، المجموع: 370/ 1.
والنية شرط من شروط الصلاة عند الحنفية والحنابلة، وكذا عند المالكية على الراجح، وهي من أركان الصلاة عند الشافعية وبعض المالكية؛ لأنها واجبة في بعض الصلاة، وهو أولها، لا في جميعها، فكانت ركناً كالتكبير والركوع (1).
وهل يجب على الإمام أن ينوي الإمامة أو لا؟ ذهب قوم إلى أنه ليس ذلك بواجب عليه، لحديث ابن عباس أنه قام إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد دخوله في الصلاة.
ورأى قوم أن هذا محتمل، وأنه لابد من ذلك؛ لأن الإمام يحمل بعض أفعال الصلاة عن المأمومين (2).
أما الجمهور فيرون عدم اشتراط نية الإمام الإمامة، بل تستحب ليحوز فضيلة الجماعة، فإن لم ينو لم تحصل؛ لأنه ليس للمرء من عمله إلا ما نوى. واستثنى الشافعية والمالكية الصلاة التي تتوقف صحتها على الجماعة كالجمعة والمجموعة للمطر، والمعادة، وصلاة الخوف، والاستخلاف فلا بد فيها من نية الإمام الإمامة.
واستثنى الحنفية اقتداء النساء بالرجل، فإنه يشترط نية الإمامة، لصحة اقتداء النساء به.
وقال الحنابلة: تشترط نية الإمامة مطلقاً، فينوي الإمام أنه إمام، والمأموم أنه مأموم، وإلا فسدت الصلاة، لكن لو أحرم الشخص منفرداً، ثم جاء آخر، فصلى
(1) تبيين الحقائق: 99/ 1، الأشباه لابن نجيم: ص 14، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 233/ 1، 520، الشرح الصغير: 305/ 1، المجموع: 148/ 1 ومابعدها، الأشباه للسيوطي: ص11، 38، مغني المحتاج: 148/ 1، حاشية الباجوري: 149/ 1، المغني: 464/ 1 وما بعدها، غاية المنتهى: 115/ 1، كشاف القناع: 364/ 1 ومابعدها.
(2)
الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص15، القوانين الفقهية: ص 57، 68 ومابعدها، مغني المحتاج: 252/ 2 - 258، كشاف القناع: 565/ 1 وما بعدها.
معه، فنوى إمامة صح في النفل، عملاً بحديث ابن عباس، وهو أنه قال:«بتُّ عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم متطوعاً من الليل، فقام إلى القربة، فتوضأ، فقام، فصلى، فقمت لما رأيته صنع ذلك، فتوضأت من القربة، ثم قمت إلى شقه الأيسر، فأخذ بيدي من وراء ظهره يعدلني كذلك إلى الشق الأيمن» (1).
أما في الفريضة: فإن كان المصلي ينتظر أحداً، كإمام المسجد، فإنه يُحرم وحده، وينتظر من يأتي، فيصلي معه، فيجوز ذلك أيضاً عند الحنابلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم وحده، ثم جاء جابر وجبارة، فأحرما معه، فصلى بهما، ولم ينكر فعلهما. والظاهر أنها كانت صلاة مفروضة؛ لأنهم كانوا مسافرين. أما في غير هذه الحالة، فلا يصح الاقتداء لمن لم ينو الإمامة.
-----------------------------
(1)
متفق عليه.
وأما نية المؤتم الاقتداء: فهي شرط باتفاق المذاهب، فلا يصح اقتداء بإمام إلا بنية، أي أن ينوي المأموم مع تكبيرة الإحرام الاقتداء أو الجماعة أو المأمومية، فلو ترك هذه النية أو مع الشك فيها، وتابعه في الأفعال، بطلت صلاة المقتدي، ولايجب تعيين الإمام باسمه، فإن عينه وأخطأ، بطلت صلاته عند الشافعية. لكن لا بد من تعيين إمام معين بصفة الإمامة، فلو نوى الائتمام بأحد رجلين يصليان، لابعينه، لم يصح، حتى يعين الإمام بوصفه؛ لأن تعيينه شرط. ولا يجوز الائتمام بأكثر من واحد، فلو نوى الائتمام بإمامين لم يجز؛ لأنه لا يمكن اتباعهما معاً.
وشرط النية في القدوة أن تكون مقارنة للتحريمة عند الشافعية. وأجاز الحنفية أن تكون متقدمة على التحريمة، بشرط ألا يفصل بينها وبين التحريمة فاصل أجنبي. والأفضل عندهم وعند الحنابلة: أن تكون النية مقارنة، خروجاً من الخلاف. والخروج من الخلاف مستحب.
واشترط المالكية المقارنة للتحريمة أو قبلها بزمن يسير، كاشتراط النية في الصلاة، كما بينا.
وأما الأذان: فالمشهور أنه لا يحتاج إلا نية. وقيل: إنه يحتاج.
وفي خطبة الجمعة: اشترط الحنفية والحنابلة النية أو قصد الخطبة، لحديث:«إنما الأعمال بالنيات» فلو خطب الخطيب بغير النية، لم يعتد بها عندهم.
ولم يشترط المالكية النية، كما لم يشترطها الشافعية، وإنما اشترطوا عدم الصارف، فلو حمد الله للعطاس، لم يكف للخطبة (1).
واشترط الشافعية لكل من سجدتي التلاوة والشكر النية مع تكبيرة الإحرام، لكن المصلي ينوي بقلبه لا بلسانه سجدة التلاوة، كما ينوي سجود السهو.
وفي صلاة المسافر: اشترط الشافعية والحنابلة لصحة جمع التقديم نية الجمع عند الإحرام بالصلاة الأولى، لحديث «إنما الأعمال بالنيات» وتجوز نية الجمع عند الشافعية في الأظهر في أثناء الصلاة الأولى، ولو مع السلام منها. وكذلك اشترط هذان المذهبان لجمع التأخير نية الجمع أو التأخير قبل خروج وقت الصلاة الأولى، ولو بقدر ركعة، أي بزمن لو ابتدئت فيه كانت أداء، عند الشافعية، وما لم يضق وقتها عن فعلها عند الحنابلة، فإن ضاق وقت الأولى عن فعلها، لم يصح الجمع؛ لأن تأخيرها إلى القدر الذي يضيق عن فعلها حرام، ويأثم بالتأخير (2).
5 -
الصوم: ذهب الجمهور (غير الشافعية): إلى أن نية الصوم شرط؛ لأن صوم رمضان وغيره عبادة، والعبادة: اسم لفعل يأتيه العبد باختياره خالصاً لله تعالى بأمره، والاختيار والإخلاص لا يتحققان بدون النية، فلا يصح أداء الصوم إلا بالنية، تمييزاً للعبادات عن العادات.
(1) الدر المختار: 757/ 1 - 760، مراقي الفلاح: ص87، كشاف القناع34/ 2 - 37، الأشباه لابن نجيم: ص15.
(2)
المجموع: 253/ 4 - 269، مغني المحتاج: 271/ 1 - 275، كشاف القناع: 3/ 2 - 8، المغني: 273/ 2 - 281.
وذهب الشافعية: إلى أن نية الصيام ركن كالإمساك عن المفطرات، لحديث:«إنما الأعمال بالنيات» (1). أما نية الأداء والقضاء: فالأصح عند الشافعية أنهما لا يشترطان في الصلاة والحج والزكاة والكفارة وصلاة الجنازة. وأما الجمعة التي لاتقبل القضاء فلا حاجة فيها إلى نية الأداء لتمييزها. وأما الصوم فالراجح عندهم أن نية القضاء لا بد منها فيه، وهذا متفق عليه بين المذاهب.
6 -
الاعتكاف: (وهو اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية، بتعريف الشافعية): ويشترط لصحته بالاتفاق النية واجباً كان أو سنة أو نفلاً، فلا يصح الاعتكاف إلا بنية، للحديث السابق:«إنما الأعمال بالنيات» ولأنه عبادة محضة، فلم تصح من غير نية، كالصوم والصلاة وسائر العبادات. وأضاف الشافعية: إن كان الاعتكاف فرضاً كالمنذور، لزمه تعيين النية للفرض، لتميزه عن الطاعة (2).
7 -
الزكاة: اتفق الفقهاء على أن النية شرط في أداء الزكاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات» وأداؤها عمل، ولأنها عبادة كالصلاة، فتحتاج إلى نية لتمييز الفرض عن النفل (3).
8 -
الحج والعمرة: يرى الحنفية: أن الإحرام بالحج (نيته) شرط صحته، فرضاً كان أو نفلاً، والعمرة كذلك، ولا تكون عندهم إلا سنة، والمنذور عمرة
(1) الدر المختار: 116/ 2ومابعدها، مراقي الفلاح: ص105، القوانين الفقهية: ص113 الأشباه لابن نجيم: ص16، 35، الأشباه للسيوطي: ص16، مغني المحتاج: 423/ 1، 432، المهذب: 177/ 1، المغني: 137/ 3 ومابعدها، كشاف القناع: 359/ 2.
(2)
فتح القدير: 106/ 2 ومابعدها، الدر المختار: 177/ 2 ومابعدها، الأشباه لابن نجيم: ص17، القوانين الفقهية: ص125، الشرح الصغير: 725/ 1 ومابعدها، المهذب: 190/ 1 ومابعدها، مغني المحتاج: 453/ 1 ومابعدها، المغني: 184/ 3 ومابعدها، كشاف القناع: 406/ 2 ومابعدها.
(3)
الأشباه لابن نجيم: ص16، البدائع: 40/ 2، الشرح الصغير: 666/ 1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص99، المجموع: 182/ 6 ومابعدها، المغني: 638/ 2 ومابعدها.
فرض. ولو نذر حجة الإسلام لا يلزمه إلا حجة الإسلام، كما لو نذر الأضحية. والقضاء في الكل كالأداء من جهة أصل النية.
ويرى جمهور الفقهاء: أن الإحرام بأن ينوي الدخول في النسك ركن في الحج والعمرة، فلا ينعقدان بدون النية، ولا يصح الإحرام إلا بالنية، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات» ولأن الحج أو العمرة عبادة محضة، فلم تصح من غير نية، كالصوم والصلاة (1). ومحل النية كما عرفنا: القلب، والإحرام: النية بالقلب، والأفضل عند أكثر العلماء أن ينطق بما نواه، لما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه، قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك بحج وعمرة» .
وينعقد الإحرام بالنية وحدها عند الجمهور، كما أوضحت، ولا ينعقد بمجردها عند الحنفية، وإنما لا بد من قرنه بقول أو فعل من خصائص الإحرام، كالتلبية أو التجرد من المخيط.
9 -
اليمين: لا يتوقف اليمين بالله على النية، فينعقد إذا حلف عامداً أو ساهياً أو مخطئاً أومكرهاً، وكذا إذا فعل المحلوف عليه (2). أما في حال التحليف فقد اتفق الفقهاء على أن اليمين في الدعاوى تكون بحسب نية المستحلف، لا الحالف، واختلفوا في الأيمان على الوعود ونحوها، فقال قوم: بحسب نية الحالف، وقال آخرون: بحسب نية المستحلف (3).
(1) الأشباه لابن نجيم: ص16، البدائع: 161/ 2 ومابعدها، فتح القدير: 134/ 2 ومابعدها، الشرح الصغير: 16/ 2، 25، القوانين الفقهية: ص131، مغني المحتاج: 476/ 1 ومابعدها، المجموع: 226/ 7 ومابعدها، غاية المنتهى: 365/ 1، المغني: 281/ 3 - 288.
(2)
الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 19 - 20.
(3)
بداية المجتهد: 403/ 1، البدائع: 20/ 3، الأشباه لابن نجيم: ص20، 57، مغني المحتاج: 321/ 4، المغني: 727/ 8، 763، الشرح الكبير مع الدسوقي: 139/ 2، القوانين الفقهية: ص162.
أما المالكية فقالوا: اليمين على نية المستحلف، ولا تقبل نية الحالف؛ لأن الخصم كأنه قبل هذه اليمين عوضاً عن حقه، ولأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«اليمين على نية المستحلف» وفي رواية: «يمينك على ما يصدقك به صاحبك» (1).
والمعول عند الحنفية: أن اليمين على نية المستحلف، إلا إذا كانت اليمين بالطلاق أو العتاق ونحوهما، فتعتبر نيةالحالف إذا لم ينو خلاف الظاهر، ظالماً كان الحالف أو مظلوماً. وكذلك إذا كانت اليمين بالله تعالى، وكان الحالف مظلوماً، فإنه تعتبر نية الحالف أيضاً. والظالم: من يريد بيمينه إبطال حق الغير.
وذهب الحنابلة وفي رواية عن أبي حنيفة: إلى أن من حلف، فتأول في يمينه، أي قصد بكلامه محتملاً يخالف ظاهره، فله تأويله إن كان مظلوماً، ولم ينفعه تأويله إن كان ظالماً. قال ابن نجيم: والفتوى في مذهب الحنفية على اعتبار نية الحالف إن كان مظلوماً، لا إن كان ظالماً، لكن بشرط كون اليمين بالله تعالى، فإن كان بطلاق أو عتاق لا اعتبار بنية الحالف مطلقاً كما بينا.
والمقرر لدى الشافعية: أن العبرة في اليمين بنية الحالف؛ لأن المقصود من الأيمان هو المعنى القائم بالنفس، لا ظاهر اللفظ.
واختلف الفقهاء أيضاً في تفسير المقصود بالمحلوف عليه في اليمين، فهل تبنى الأيمان على النية أو العرف أو صيغة اللفظ (2)؟
فذهب الحنفية: إلى أن الأيمان مبنية على العرف والعادة، لا على المقاصد
(1) أخرج مسلم وابن ماجه هاتين الروايتين عن أبي هريرة. وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه الرواية الثانية (جامع الأصول: 307/ 12).
(2)
الأشباه لابن نجيم: ص57، وللسيوطي: ص40، رسائل ابن عابدين: 292/ 1، بداية المجتهد: 398/ 1 ومابعدها، الاعتصام للشاطبي: 141/ 2، مغني المحتاج: 335/ 4، المغني: 763/ 8.
والنيات؛ لأن غرض الحالف هو المعهود المتعارف عنده، فيتقيد بغرضه. هذا هو الغالب عندهم. وقد تبنى الأيمان عندهم على الألفاظ، لا على الأغراض. فلو اغتاظ من إنسان، فحلف أنه لا يشتري له شيئاً بفلس، فاشترى له شيئاً بمئة درهم، لم يحنث. ولو حلف لا يبيعه بعشرة فباعه بأحد عشر أو بتسعة، لم يحنث، مع أن غرضه الزيادة.
وقال الإمام مالك في المشهور من مذهبه: المعتبر في الأيمان التي لا يقضى على حالفها بموجبها (1)، وكذلك النذور: هو النية، أي نية الحالف في غير الدعاوى، ففيها تعتبر نية المستحلف، فإن عدمت فقرينة الحال، فإن عدمت فعرف اللفظ، أي ما قصد الناس من عرف أيمانهم، فإن عدم فدلالة اللغة.
وأما الأيمان التي يقضى بها على صاحبها: ففي مجال الاستفتاء تراعى هذه الضوابط على هذا الترتيب. وإن كان مما يقضى بها عليه، لم يراع فيها إلا اللفظ، إلا أن يؤيد ما ادعاه من النية قرينة الحال أو العرف.
وقال الشافعية: الأيمان مبنية على الحقيقة اللغوية، أي بحسب صيغة اللفظ؛ لأن الحقيقة أحق بالإرادة والقصد، إلا أن ينوي شيئاً فيعمل بنيته. فمن حلف ألا يأكل رؤوساً، فأكل رؤوس حيتان (مفرده حوت) فمن راعى العرف كالحنفية قال: لا يحنث، ومن راعى دلالة اللغة كالشافعية قال: يحنث. وكذلك يحنث عندهم من حلف لا يأكل لحماً، فأكل شحماً، مراعاة لدلالة اللفظ. وقال غيرهم: لايحنث.
(1) أي لايصدر فيها حكم قضائي، وإنما يترك شأنها للحالف بينه وبين الله تعالى، وذلك في الأمور التي تكون علاقتها بالإنسان نفسه أو بالله سبحانه. أما الأمور التي تتعلق بالناس، فهذه مما يقضى فيها على الحالف.
ورأى الحنابلة: أنه يرجع في الأيمان إلى النية، أي نية الحالف، فإن نوى ما يحتمله اللفظ انصرفت يمينه إليه، سواء أكان ما نواه موافقاً لظاهر اللفظ أم مخالفاً له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» . فإن لم ينو شيئاً رجع إلى سبب اليمين وما هيَّجها أو أثارها لدلالته على النية. فإن حلف لا يأوي مع امرأته في هذه الدار، فإن كان سبب يمينه غيظاً من جهة الدار لضرر لحقه منها أو منَّة عليه بها، اختصت يمينه بها. وإن كان لغيظ لحقه من المرأة يقضي جفاءها، ولا أثر للدار فيها، تعلق ذلك بإيوائه معها في كل دار.
اليمين أمام القضاء: بينت سابقاً أن العبرة في الحلف أمام القضاء بنية القاضي المستحلف للخصم، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة ـ:«اليمين على نية المستحلف» وقد حمل هذا الحديث على الحاكم؛ لأنه الذي له ولاية الاستحلاف، فلو أخذ بنية الحالف، لبطلت فائدة الأيمان وضاعت الحقوق؛ إذ كل أحد يحلف على ما يقصد. فلو ورَّى الحالف في يمينه، بأن قصد خلاف ظاهر اللفظ عند تحليف القاضي، أو تأول، أي اعتقد خلاف نية القاضي، أو استثنى الحالف، كقوله عقب يمينه:(إن شاء الله) أو وصل باللفظ شرطاً، مثل: إن دخلت الدار، بحيث لا يسمع القاضي كلامه، لم يدفع ما ذكر إثم اليمين الفاجرة، فإن لم نحكم بالتأثيم ضاع المقصود من اليمين، وهو حصول الهيبة من الإقدام عليها.
واشترط الشافعية والحنابلة (1) شرطين في كون اليمين على نية المستحلف.
1ً - ألا يحلفه القاضي بالطلاق أو العتاق.
2ً - ألا يكون القاضي ظالماً أو جائراً في طلب اليمين.
(1) مغني المحتاج: 475/ 4، كشاف القناع: 242/ 6.
التورية في اليمين: يجوز للحالف في اليمين غير القضائية التي يحلفها باختياره أو يطلبها شخص منه دون أن يكون له عليه حق اليمين: التورية في يمينه، بأن يقصد فيها غير المعنى المتبادر من اللفظ، أو ينوي فيها خلاف الظاهر، للحديث السابق:«إنما الأعمال بالنيات» وقد حكى القاضي عياض الإجماع على أن الحالف من غير استحلاف، ومن غير تعلق حق بيمينه، له نيته ويقبل قوله.
وبناء عليه ذكر السيوطي (1) ثلاث قواعد وهي:
الأولى ـ (مقاصد اللفظ على نيةاللافظ إلا في موضع واحد وهو اليمين عند القاضي) فإنها على نية القاضي دون الحالف.
الثانية ـ (تجري النية مجرى الشروط) في مسألة وهي: ما لو شك بعد الصلاة في تركها أو ترك الطهارة، فإنه تجب الإعادة، بخلاف ما لو شك في ترك ركن؛ لأن الشك في الأركان يكثر بخلاف الشروط. أما لو شك الصائم في النية بعد الغروب (نهاية اليوم) فلا أثر له.
الثالثة ـ (النية في اليمين تخصص اللفظ العام، ولا تعمم الخاص) مثال الأول أن يقول: (والله، لا أكلم أحداً) وينوي زيداً. ومثال الثاني: أن يمن عليه رجل بماء، فيقول: والله لا أشرب منه ماء من عطش، فإن اليمين تنعقد على الماء من عطش خاصة، ولا يحنث بطعامه وشرابه؛ لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ ما نوى بجهة يجوز لها.
وقال ابن نجيم (2) عن هذه القاعدة: (تخصيص العام بالنية مقبول ديانة لا
(1) الأشباه والنظائر: ص 40
(2)
الأشباه والنظائر: ص 18،56
قضاء) وعند الخصاف: تصح قضاء أيضاً، فلو قال:(كل امرأة أتزوجها فهي طالق) ثم قال: (نويت من بلدة كذا) لم تصح في ظاهر المذهب، خلافاً للخصاف. ولا بأس أن يؤخذ بقول الخصاف إذا وقع الشخص في يد الظلمة، فإذا حلفه الظالم له أن يخصص العام. وأما تعميم الخاص بالنية فلم أره الآن.
10 -
الأضحية: لا تجزئ الأضحية بدون النية؛ لأن الذبح قد يكون للحم، وقد يكون للقربة، والفعل لا يكون قربة بدون النية، لقوله عليه الصلاة والسلام:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» قال الكاساني: والمراد منه عمل هو قربة، فلا تتعين الأضحية إلا بالنية.
وتتعين الأضحية بالذبح اتفاقاً، وبالنذر إن عينها له اتفاقاً، وتتعين عند أبي حنيفة بالشراء بنية الأضحية.
واشترط الشافعية والحنابلة: أن تكون النية عند ذبح الأضحية؛ لأن الذبح قربة في نفسه. ويكفيه أن ينوي بقلبه، ولا يشترط أن يتلفظ بالنية بلسانه؛ لأن النية عمل القلب، والذكر باللسان دليل عليها (1). وتتعين الأضحية عند المالكية إما بالذبح أو بالنية قبله، على خلاف في المذهب. والمعتمد المشهور في المذهب المالكي: أن الأضحية لا تجب إلا بالذبح فقط، ولا تجب بالنذر (2).
11 -
الاصطياد:
الصيد: هو وضع اليد على شيء مباح غير مملوك لأحد. ويتم إما بالاستيلاء الفعلي على المصيد، أو بالاستيلاء الحكمي: وهو اتخاذ فعل يعجز الطير أو الحيوان أو السمك عن الفرار، كاتخاذ الحياض لصيد الأسماك، أو الشباك، أو الحيونات المدربة على الصيد كالكلاب والفهود والجوارح المعلَّمة.
(1) البدائع: 71/ 5، القوانين الفقهية: ص187، مغني المحتاج: 289/ 4، كشاف القناع: 6/ 3.
(2)
القوانين الفقهية: ص 187، 189، مطبعة النهضة بفاس.