الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وقاعدة (الحكم يتبع المصلحة الراجحة) والمصلحة الراجحة في الإبقاء على روابط الأسرة على أساس من المحبة والتعاون وصلة الرحم.
ومخالفة القياس الجلي: مثل قبول شهادة النصراني، فإن الحكم بشهادته ينقض، لأن الفاسق لا تقبل شهادته، والكافر أشد منه فسوقاً وأبعد عن المناصب الشرعية في مقتضى القياس، فينقض الحكم لذلك، ولقوله تعالى:{وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} [الطلاق:2/ 65]، وهو رأي المذاهب الأربعة، إلا الحنابلة فقد أجازوا شهادة أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم، عملاً بقوله تعالى:{أو آخران من غيركم} [المائدة:106/ 5].
لكني أرى أن الأسباب المعنوية والاجتماعية والظروف الخاصة والتعصب الذي كان موجوداً في التاريخ بين المسلمين وغيرهم هو الذي أدى إلى رفض قبول شهادة غير المسلمين، أما الآن وقد عاش المسلمون مع غيرهم في صعيد واحد، واتصلوا اتصالاً وثيقاً مع بعضهم، فلا مانع من قبول شهادتهم على المسلمين للضرورة. وقد جرى العمل على ذلك في البلاد الإسلامية.
الضابط الثالث ـ ألا يؤد ي الأخذ بالأيسر إلى التلفيق الممنوع:
قد بينا دائرة التلفيق الممنوع سواء الباطل لذاته كإحلال المحرمات كالخمر والزنا ونحوهما أو الباطل لا لذاته، وإنما لعارض ويشمل أنواعاً ثلاثة:
الأول ـ تتبع الرخص عمداً أي الأخذ بالأيسر بدون ضرورة ولا عذر.
الثاني ـ التلفيق الذي يستلزم نقض حكم القاضي.
الثالث ـ التلفيق الذي يستلزم الرجوع عما عمل به تقليداً، أو عن أمر مجمع
عليه لازم لأمر قلده وذلك في غير العبادات المحضة. فلا يؤخذ بالأيسر إذا أدى الأمر إلى الانحلال من مسؤولية التكاليف الشرعية أو العبث بالدين وقضايا الزواج، أو الإضرار بالبشر، أو الفساد في الأرض، أو الإضرار بالمصلحة الاجتماعية.
فلا يجوز مثلاً التلفيق أو الأخذ بالأيسر للتخلص من فريضة الزكاة، باستخدام الحيل (1) قبيل مضي العام بإعطاء الشخص مدينا ً له من الزكاة بقدر ماعليه، ثم يطالبه بالوفاء، فإذا وفاه برىء وسقطت الزكاة عن الدافع. أو يلجأ المزكي لتصرف صوري بيعاً أو هبة ثم يسترد المال إليه، فهذه حيلة محرمة باطلة لاتسقط فرض الزكاة (2) لأن في ذلك إضراراً بمصلحة الفقراء، وتآمراً على حقوقهم الثابتة شرعاً في أموال الأغنياء. كما لا يصح الإفتاء بأيسر المذاهب في أحكام الزكاة دفعاً لحاجة الفقير، وإنما يفتى بما يحقق المصلحة، فيفتي مثلاً بمذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء بإيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون، وبإخراج زكاة الأرض الخراجية (التي فتحت عنوة) مع الخراج، فيكون الواجب في تلك الأرض الخراج والعشر معاً، لأن العشر واجب ديني على المسلمين، والخراج واجب اجتهادي ليكون مورداً للجماعة ممثلة بالدولة لسد حاجاتها ونفقاتها العامة.
ومن الواجب أن تكون الغاية من الأخذ بالأيسر الحفاظ على مقاصد الشريعة، والتزام سياستها وحكمتها التشريعية، ورعاية مصلحة الناس كافة في المعاملات والعقوبات وأداء الأموال والعلاقات الزوجية لا المصلحة الخاصة، وعدم إهدار مصلحة أهم مما دونها، واتقاء المفسدة الكبرى بالدنيا عند الضرورة،
(1) قال ابن القيم: لايجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة (أعلام الموقعين: 222/ 4).
(2)
أعلام الموقعين: 258/ 3،320.