الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس ـ حكم الأسآر والآبار:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول ـ حكم الأسآر:
الأسآر: جمع سؤر، والسؤر: البقية والفضلة، واصطلاحاً: هو بقية الماء في الإناء أو في الحوض بعد شرب الشارب منه. ثم استعير لبقية الطعام.
واتفق العلماء على طهارة أسآر المسلمين وبهيمة الأنعام، واختلفوا فيما عداها اختلافاً كثيراً.
فحكم السؤر بسبب مخالطة لعاب الشارب له عند
الحنفية
(1): يختلف بحسب طهارة أو نجاسة لحم الشارب، فسؤر الآدمي وما يؤكل لحمه من الحيوان طاهر، وسور الكلب نجس، وقد يكون السؤر مكروهاً، أو مشكوكاً فيه، فتكون الأسآر عند الحنفية أربعة أنواع: طاهر، ومكروه، ومشكوك فيه، ونجس كما يتبين مما يأتي:
1 ً - سؤر طاهر مطهر بلا كراهة: وهو الذي شرب منه الآدمي، أو حيوان مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم، والفرس في الأصح، ونحوها، ما لم تكن جلالة (تأكل الجلة) ولا في حال اجترارها إن كانت من الحيوانات المجترة؛ لأن الماء المختلط به اللعاب أثناء الشرب قد تولد من لحم طاهر، فيكون طاهراً.
ولا فرق بين أن يكون الآدمي صغيراً أو كبيراً، مسلماً أو كافراً، جنبا ً أو
(1) الدر المختار ورد المحتار:205/ 1 ومابعدها،297، فتح القدير:74/ 1 ومابعدها، تبيين الحقائق:31/ 1
حائضاً، إلا أن يشرب الكافر خمراً فينجس فمه، إذا شرب عقب الخمر فوراً من إناء، أما لو مكث قدر ما يغسل فمه بلعابه، ثم شرب لا ينجس (1).
ودليل طهارة سؤر الآدمي مطلقاً: ما رواه أبو هريرة قال: يا رسول الله، لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك، فقال صلى الله عليه وسلم:«سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس» (2). وروى مسلم عن عائشة قالت: «كنت أشرب وأنا حائض، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيَّ» . وروى البخاري أنه عليه الصلاة والسلام شرب اللبن، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر، ثم أعطى الأعرابي، فقال: الأيمن فالأيمن.
2 ً - سؤر طاهر مكروه تنزيهاً استعماله مع وجود غيره: وهو سؤر الهرة، والدجاجة المخلاة (3)، والإبل والبقر الجلالة (أي التي تأكل النجاسة إذا جهل حالها)، وسباع الطير كالصقر والنسر والشاهين والحدأة والغراب، وسواكن البيوت كالحية والفأرة، ما لم تر النجاسة في فمها، لأنها تلازم التطواف في المنازل، أو للضرورة، وعدم إمكان الاحتراز منها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي (يميل) للهرة الإناء، فتشرب منه، ثم يتوضأ به (4).
3 ً - سؤر مشكوك في طهوريته لا في طهارته: وهو سؤر البغل والحمار
(1) ومثل ذلك: لو أصاب عضو الكافر نجاسة ثم لحسها بفمه، حتى لم يبق أثرها، أوقاء الصغير على ثدي أمه، ثم مصه حتى زال الأثر، طهر.
(2)
رواه مسلم. وروي أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة، فمد يده ليصافحه، فقبض يده، وقال: إني جنب، فقال عليه السلام:«المؤمن لاينجس» .
(3)
هي المرسلة التي تخالط النجاسات. أما التي تحبس في بيت وتعلف فلا يكره سؤرها، لأنها لاتأكل إلا الحب.
(4)
رواه الدارقطني من طريقين عن عائشة رضي الله عنها (نصب الراية:133/ 1).
الأهلي، فيتوضأ به أو يغتسل، ثم يتيمم بعدئذ أو يقدم أيهما شاء، احتياطاً بالنسبة لصلاة واحدة. وسبب الشك: هو تعارض الأدلة في إباحة لحمه وحرمته، أو اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في نجاسته وطهارته، أو للتردد في توافر الضرورة والبلوى المسقطتين للنجاسة، وذلك بسبب ربط هذا الحيوان في الدور وشربه من الأواني المستعملة، ومخالطة الناس له بالركوب عليه، فالمذهب عند الحنفية: طهارة لعاب البغل والحمار قطعاً، والشك في الطهورية.
أما تعارض الأدلة في الإباحة والحرمة: فقد ورد في شأن حرمة لحمه حديثان:
1ً - حديث أبجر بن غالب، قال:«يا رسول الله، أصابتنا سَنَة (جدب وقحط)، ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سِمان حُمُر، وإنك حرمت الحُمُر الأهلية؟ فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك (1)» .
2ً - وحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثانية، فقال: أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثالثة، فقال: أفنيت الحمر، فأمر منادياً ينادي في الناس:«إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية» وفي رواية: «فإنها رجس، فأكفئت القدور، وإنها لتفور باللحم» (2).
وأما اختلاف الصحابة في الطهارة والنجاسة: فعن ابن عمر نجاسته، وعن ابن عباس طهارته.
(1) رواه أبو داود
(2)
رواه البخاري