الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثالث ـ طلب الماء:
يشترط لجواز التيمم باتفاق المذاهب الأربعة طلب الماء ما لم يتيقن عدم وجوده؛ لأنه لا يسمى فاقد الماء (أو غير واجده أوعادمه) إلا إذا طلب الماء، فلم يجده. لكن الفقهاء اختلفوا في
تقدير المسافة التي يلزم طلب الماء فيها
، وقد أشرت إليها سابقاً في بحث أسباب التيمم، وأذكرها هنا تفصيلاً:
1 -
مذهب الحنفية (1): على المقيم في البلد طلب الماء قبل التيمم مطلقاً، سواء ظن قربه أو لم يظن، أما المسافر أو خارج المصر الذي يريد التيمم، فليس عليه طلب الماء إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء؛ لأن الغالب عدم الماء في الفلوات.
وإن غلب على ظنه وجود الماء، لم يجز له التيمم حتى يطلبه بنفسه أو برسوله، بمقدار غَلْوة سهم من كل جانب، ولا يبلغ ميلاً (2)، وظاهره أنه لا يلزمه المشي، بل يكفيه النظر في الجهات الأربع، لئلا ينقطع عن رفقته، ودفعاً للحرج عن نفسه، لقوله تعالى إثر آية التيمم:{ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم} [المائدة:6/ 5]، ولا حرج فيما دون الميل، قال الكاساني: أقرب الأقاويل اعتبار الميل؛ لأن الجواز لدفع الحرج، ثم قال: والأصح أنه يطلب قدر ما لا يضر بنفسه ورفقته بالانتظار.
فإن قصر في طلب الماء، وصلى ولم يطلبه، وجبت عليه الإعادة عند أبي حنيفة ومحمد.
(1) البدائع46/ 1 ومابعدها، فتح القدير84/ 1،98، الدر المختار227/ 1 ومابعدها، اللباب 36/ 1.
(2)
الغلوة مقدار رمية سهم، وهي أربع مئة ذراع (8، 184م) والميل في اللغة: منتهى مد البصر، والمراد به ههنا: أربعة آلاف خطوة: أو ثلث فرسخ، أو1848م.
وإن كان مع رفيقه ماء طلب منه قبل أن يتيمم، لعدم المنع غالباً، فإن منعه منه تيمم لتحقق العجز. لكن لو تيمم قبل الطلب من رفيقه أجزأه عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير. وقال الصاحبان: لا يجزيه؛ لأن الماء مبذول عادة. ولو أبى أن يعطيه إلا بثمن المثل، وعنده ثمنه، لا يجزئه التيمم، لتحقق القدرة، ولا يلزمه تحمل الغبن الفاحش (1).
وإن لم يغلب على ظنه قرب الماء لا يجب طلبه، بل يندب إن رجا وجود الماء.
وإن كان بينه وبين الماء ميل فأكثر، تيمم.
2 -
مذهب المالكية (2): إن تحقق عدم الماء فلا يلزمه طلبه.
وإن علم وجود الماء أو ظنه أو شك فيه في مكان أو توهم وجوده، لزمه طلبه لكل صلاة طلباً لا يشق عليه بالفعل، وهو على أقل من ميلين. كما يلزمه طلبه من رُفْقته إن اعتقد أو ظن أو شك أو توهم إعطاءهم، فإن لم يطلب منهم وتيمم، ثم تبين وجود الماء أو لم يتبين شيئاً، أعاد الصلاة أبداً إن اعتقد أو ظن الإعطاء، وأعاد في الوقت فقط إن شك أو توهم.
ويلزمه شراء الماء بثمن معتاد لم يحتج له، نقداً أو ديناً في الذمة، فإن زاد على الثمن المعتاد، ولو درهماً على الراجح، في ذلك المحل وما قاربه، فلا يلزمه الشراء.
3 -
مذهب الشافعية (3): إن تيقن المسافر أو المقيم فقد الماء حوله، تيمم بلا
(1) قال أبو حنيفة: إن كان لايبيع إلا بضعف القيمة فهو غالٍ، وقيل: هو مالايدخل تحت تقويم المقومين.
(2)
الشرح الكبير153/ 1
(3)
مغني المحتاج87/ 1 - 90
طلب. وإن توهم الماء (وقع في وهمه - تصور ذهنه - أي جوز ذلك)، طلبه من رحله ورُفقته، ونظر حواليه إن كان بمستو من الأرض، فإن احتاج إلى تردد، تردد في الجهات الأربعة قدر نظره في المستوي ، إن أمن على نفسه وماله وانقطاعه عن الرفقة ، بمقدار حد الغوث ، وهو غلوة سهم ، فإن لم يجد ماء تيمم. ولو مكث في موضعه فالأصح وجوب الطلب لما يطرأ.
وإن تيقن الماء في محل ، طلبه في حد القرب: وهو ستة آلاف خطوة.
ويجب شراؤه بثمن مثله إن كان قادرا عليه بنقد أو غيره ، ولم يحتج إليه، وثمن المثل: هو على الأصح ما تنتهي إليه الرغبات في ذلك الموضع في تلك الحالة. ولا يجب عليه شراؤه بزيادة على ذلك، وإن قلَّت. لكن إن بيع لأجل بزيادة لائقة بذلك الأجل وكان موسرا ، والأجل ممتد إلى موضع ماله، وجب الشراء؛ لأن ذلك لا يخرجه عن ثمن المثل. ويندب له أن يشتريه إذا زاد على ثمن مثله، وهو قادر على شرائه.
ولا يجب طلب الماء في حد البعد: وهو مازاد عن ستة آلاف خطوة، وله أن يتيمم.
4 -
مذهب الحنابلة (1): يلزم طلب الماء لوقت كل صلاة، بعد دخول الوقت في رحله (أي ما يسكنه وما يستصحبه من الأثاث) وفيما قرب منه عرفاً وعادة، ويسع في جهاته الأربع إلى ما قرب منه مما عادة القوافل السعي إليه، ويسأل رفقته ذوي الخبرة بالمكان عن موارد الماد، كما يسألهم عمن يبيع له الماء أو يبذله له. وإن رأى خُضْرة أو شيئاً يدل على الماء لزمه قصده، وإن كان بقربه ربوة أو شيء قائم،
(1) كشاف القناع:192/ 1 ومابعدها، غاية المنتهى:54/ 1.