الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر السيوطي (1): لو نوى مع النفل نفلا ً آخر فلا يحصلان، لكن لو نوى صوم يوم عرفة والاثنين مثلاً، فيصح. أما لو نوى سُنَّتين: فإن لم تدخل إحداهما في الأخرى كسنة الضحى وقضاء سنة الفجر، فلا تنعقدان عند التشريك بينهما. وأما إن دخلت إحداهما في الأخرى كتحية المسجد وسنة الظهر مثلاً، فتنعقدان؛ لأن التحية تحصل ضمناً. ومثل التحية في رأي ابن حجر وشيخه العراقي أن ينوي مع الفرض صوم يوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء وستة من شوال والأيام البيض ويوم الاثنين والخميس من كل شهر.
أما لو نوى مع غير العبادة شيئاً آخر غيرهما، كما لو قال لزوجته: أنت عليَّ حرام، ناوياً الطلاق والظهار، أو قال لزوجتيه: أنتما على حرام، ناوياً في إحداهما الطلاق ووفي الأخرى الظهار، حمل في رأي الحنفية إن أراد أحدهما على الأغلظ منهما وهو الطلاق؛ لأن اللفظ الواحد لا يحمل على أمرين. والأصح عند الشافعية: يخير بينهما، فما اختاره ثبت (2).
وسيأتي في بحث المقصود بالنية تفصيل رأي الشافعية في هذا الموضوع.
سابعاً ـ المقصود بالنية ومقوماتها:
أوضح ابن نجيم والسيوطي (3) الهدف أو الغاية من النية إيضاحاً تاماً، فقالا: إن المقصود الأهم من النية تمييز العبادات من العادات وتمييز رُتَب العبادات بعضها من بعض، كالوضوء والغسل، يتردد بين التنظيف والتبرد والعبادة. والإمساك عن المفطرات قد يكون حِمْية أو تداوياً أو لعدم الحاجة إليه. والجلوس في المسجد
(1) الأشباه والنظائر: ص 20.
(2)
الأشباه لابن نجيم: ص 42، وللسيوطي: ص21.
(3)
الأشباه لابن نجيم: ص 24 ومابعدها، وللسيوطي: ص 10 - 21.
قد يكون للاستراحة.
ودفع المال قد يكون هبة أو لغرض دنيوي، وقد يكون قربة كالزكاة والصدقة والكفارة. والذبح قد يكون للأكل، فيكون مباحاً أو مندوباً، أو للأضحية فيكون عبادة، أو لقدوم أمير، فيكون حراماً، فشرعت النية لتمييز القربات من غيرها.
والتقرب إلى الله تعالى يكون بالفرض والنفل والواجب، فشرعت النية لتمييزها عن بعضها، فكل من الوضوء والغسل والصلاة والصوم ونحوها قد يكون فرضاَ ونذراً ونفلاً. والتيمم قد يكون عن الحدث، أو عن الجنابة، وصورته واحدة وهي في الوجه واليدين فقط.
ويتفرع عن ذلك أمور:
1 ً - ما لا يكون عادة أو لا يلتبس بغيره، لا تشترط فيه نية زائدة على قصد الفعل، كالإيمان بالله تعالى، والمعرفة والخوف والرجاء والنية وقراءة القرآن والأذكار؛ لأنها متميزة لا تلتبس بغيرها، فإذا قصد الإنسان الإيمان أو القراءة، صار طاعة مثاباً عليها، بدون قصد التقرب، أما غير ذلك فلا يكفي فيه مجرد قصد الفعل، بل لا بد من نية زائدة، بأن ينوي التقرب في دخول المسجد ونحوه، ليكون مثاباً عليه.
2 ً - اشتراط التعيين فيما يلتبس دون غيره: لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإنما لكل امرئ مانوى» فهذا ظاهر في اشتراط التعيين، فيشترط في الفرائض التعيين لتساوي الظهر والعصر صورة وفعلاً، فلا يميز بينها إلا التعيين. وتعين النوافل غير المطلقة كالرواتب (سنن الصلاة) بإضافتها إلى الظهر مثلاً قبلية أو بعدية.
ثم ذكر السيوطي قواعد ثلاثاً وهي:
أـ (ما لايشترط التعرض له لا جملة ولا تفصيلاً لايضر الخطأ فيه) أي في تعيينه، مثل مكان الصلاة وزمانها.
ب ـ (وما يشترط تعيينه يضر الخطأ فيه) كالخطأ من الصوم إلى الصلاة ومن الظهر إلى العصر.
جـ ـ (وما يجب التعرض له جملة ولا يجب تعيينه تفصيلاً، إذا عينه وأخطأ فيه ضر) مثل عدد الركعات، لو نوى الظهر خمساً أو ثلاثاً لم يصح.
3 ً - اشتراط التعرض للفرضية وللصلاة: يترتب كلاهما على ماشرعت النية لأجله وهو التمييز، فلا بد من بيان صفة الفرضية لتتميز عن النفل.
والأصح وجوب التعرض للصلاة لتتميز عن غيرها من صوم وغيره، والأصح اشتراط التعرض للفرضية في الغسل دون الوضوء؛ لأن الغسل قد يكون عادة، والوضوء لا يكون إلا عبادة. والأصح اشتراط التعرض للفرضية في الزكاة، إن أتى بلفظ الصدقة، وعدم التعرض لها إن أتى بلفظ الزكاة؛ لأن الصدقة قد تكون فرضاً، وقد تكون نفلاً، فلا يكفي مجردها، والزكاة لا تكون إلا فرضاً؛ لأنها اسم للفرض المتعلق بالمال، فلا حاجة إلى تقييدها به. وكذا الحج والعمرة لا يشترط فيهما التعرض للفرضية بلا خلاف.
والخلاصة: تنقسم العبادات التي تجب فيها النية بالنسبة لوجوب نية الفرضية إلى أقسام أربعة:
ـ الحج والعمرة والزكاة بلفظها والجماعة: لا تشترط فيها بلا خلاف.
ـ الصلاة والجمعة منها، والغسل، والزكاة بلفظ الصدقة: تشترط فيها على الأصح. ـ الوضوء والصوم: لاتشترط فيها على الأصح.
ـ التيمم: لا يكفي فيه نية الفرضية، بل يضر على الصحيح، فإذا نوى فرضه لم يكف.
4 ً - عدم اشتراط نية القضاء والأداء، على الأصح، في الصلوات، ومنها الجمعة.
وأما الصوم: فالذي يظهر ترجيحه أن نية القضاء لا بد منها فيه. وأما الحج والعمرة فلا شك أنهما لا يشترطان فيهما، إذ لو نوى بالقضاء الأداء لم يضره، وانصرف إلى القضاء. ولو كان عليه قضاء حج أفسده في صباه ثم بلغ، فنوى القضاء، انصرف إلى حجة الإسلام وهي الأداء.
5 ً - الإخلاص: يترتب على التمييز، فلا تصح النيابة أو التوكيل في النية إلا فيما يقبل النيابة وهو ما يقترن بفعل، كتفرقة زكاة، وذبح أضحية، وصوم عن الميت، وحج؛ لأن المقصود اختبار سر العبادة، بأن ينويها المكلف بالعبادة بنفسه.
وضابط التشريك في النية يتضح في الأقسام التالية التي ذكرناها في بحث الجمع بين العبادتين بنية واحدة وهي:
الأول ـ أن ينوي مع العبادة ماليس بعبادة، فقد يبطلها، كما إذا ذبح الأضحية لله ولغيره، فانضمام غيره يوجب حرمة الذبيحة. ويقرب من ذلك: ما لو كبَّر للإحرام بالصلاة مرات، ونوى بكل تكبيرة افتتاح الصلاة، فإنه يدخل في الصلاة بالأوتار، ويخرج بالأشفاع لأن من افتتح صلاة، ثم افتتح أخرى، بطلت صلاته؛ لأنه يتضمن قطع الأول. فلو نوى الخروج بين التكبيرتين، خرج بالنية، ودخل بالتكبيرة، ولو لم ينو بالتكبيرات شيئاً، لا دخولاً ولا خروجاً. صح دخوله بالأولى، والبواقي ذِكْر.
وقد لا يبطلها، كما لو نوى مع الوضوء أو الغسل التبرد، الأصح الصحة لأن التبرد حاصل، قصده أم لا، فلم يجعل قصده تشريكاً للعبادة مع غيرها وتركاً للإخلاص، بل هو قصد للعبادة على حسب وقوعها لأن من ضرورتها حصول التبرد.
الثاني ـ أن ينوي مع العبادة المفروضة عبادة أخرى مندوبة، وفيه صور:
منها ـ ما لا يقتضي البطلان وتحصلان معاً: كأن أحرم بصلاة، ونوى بها الفرض والتحية معاً، صحت، وحصلا معاً. وكأن ينوي بغسله غسل الجنابة والجمعة معاً، حصلا جميعاً على الصحيح. ولو نوى بسلامه الخروج من الصلاة والسلام على الحاضرين حصلا. ولو حج الفرض وقرنه بعمرة التطوع، أو عكسه، حصلا. ولو نوى في صوم يوم عرفة غيره من قضاء أو نذر أو كفارة، صح وحصلا معاً.
ومنها ـ ما يحصل الفرض فقط: كأن نوى بحجه الفرض والتطوع، وقع فرضاً؛ لأنه لو نوى التطوع، انصرف إلى الفرض. ولو صلى الفريضة الفائتة في ليالي رمضان، ونوى معها التراويح، حصلت الفائتة دون التراويح.
ومنها ـ ما يحصل النفل فقط: كأن أخرج خمسة دراهم، ونوى بها الزكاة وصدقة التطوع، لم تقع زكاة، ووقع التطوع. ولو خطب بقصد الجمعة والكسوف، لم يصح للجمعة؛ لأنه تشريك بين فرض ونفل.
ومنها ـ ما يقتضي البطلان في الكل: كأن كبَّر المسبوق، والإمام راكع تكبيرة واحدة، ونوى بها التحرُّم والهويّ إلى الركوع، لم تنعقد الصلاة أصلاً، للتشريك. ولو نوى بصلاته الفرض والراتبة، لم تنعقد أصلاً.