الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما يجب عند الحنابلة والمالكية غسل جلدة متعلقة في غير محل الفرض وتدلت إلى محل الفرض. وقال الشافعية: إن تدلت جلدة العضد منه، لم يجب غسل شيء منها، لا المحاذي ولا غيره؛ لأن اسم اليد لا يقع عليها، مع خروجها عن محل الفرض.
فإن قطع بعض ما يجب غسله من اليدين، وجب بالاتفاق غسل ما بقي منه؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .
أما من قطعت يده من المرفق فيجب عليه غسل رأس عظم العضد، لأنه من المرفق.
فإن قطع ما فوق المرفق، ندب غسل باقي العضد، لئلا يخلو العضد عن طهارة.
ويجب عند الجمهور تحريك الخاتم الضيق، ولا يجب عند المالكية تحريك الخاتم المأذون فيه لرجل وامرأة، ولو ضيقاً لا يدخل الماء تحته، ولا يعد حائلاً.
ثالثاً ـ مسح الرأس:
لقوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} [المائدة:6/ 5]، وروى مسلم «أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة» .
والمسح: هو إمرار اليد المبتلة على العضو.
والرأس: منبت الشعر المعتاد من المقدم فوق الجبهة إلى نقرة القفا. ويدخل فيه الصُدْغان ما فوق العظم الناتئ في الوجه.
واختلف الفقهاء في القدر المجزئ منه (1):
فقال الحنفية على المشهور المعتمد: الواجب مسح ربع الرأس مرة، بمقدار الناصية، فوق الأذنين لا على طرف ذؤابة (ضفيرة)، ولو بإصابة مطر أو بلل باق بعد غسل لم يؤخذ من عضو آخر.
ودليلهم: أنه لا بد من تحقيق معنى المسح عرفاً، فيحمل على مقدار يسمى المسح عليه مسحاً في المتعارف، وبما أن الباء للإلصاق، فيكون معنى الآية وامسحوا أيديكم ملصقة برؤوسكم، والقاعدة: أن الباء إذا دخلت على الممسوح اقتضت استيعاب الآلة، وإذا دخلت على الآلة اقتضت استيعاب الممسوح، فتفيد المسح بمقدار اليد؛ لأن استيعاب اليد ملصقة بالرأس لا يستغرق غالباً سوى الربع، فيكون هو المطلوب من الآية.
ويوضحه مارواه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة، والخفين» وما رواه أبو داود عن أنس قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عِمامة قِطْرية (من صنع قَطَر)، فأدخل يده تحت العمامة، فمسح مقدَّم رأسه، ولم ينقض العمامة» (2)، فكان ذلك بياناً لمجمل الآية القرآنية، لأن الناصية أو مقدم الرأس مقدرة بالربع؛ لأنها أحد جوانب الرأس الأربعة، ولعل أرجح الآراء وجوب مسح مقدار يسمى مسحاً باليد في العرف.
وقال المالكية: والحنابلة في أرجح الروايتين عندهم: يجب مسح جميع
(1) تبيين الحقائق: 1/ 3، البدائع: 1/ 4، فتح القدير: 1/ 10 وما بعدها، الدر المختار:92/ 1، بداية المجتهد: 1/ 11، القوانين الفقهية: ص21، الشرح الصغير: 1/ 108 وما بعدها، الشرح الكبير: 1/ 88، المهذب: 1/ 17، مغني المحتاج: 1/ 53،المغني:125/ 1 وما بعدها، كشاف القناع: 1/ 109 وما بعدها.
(2)
نيل الأوطار: 1/ 157،167، نصب الراية: 1/ 1 - 2.
الرأس، وليس على الماسح نقض ضفائر شعره، ولا مسح ما نزل عن الرأس من الشعر، ولا يجزئ مسحه عن الرأس، ويجزئ المسح على الشعر الذي لم ينزل عن محل الفرض. فإن فقد شعره مسح بشرته؛ لأنها ظاهر رأسه بالنسبة إليه.
والظاهر عند الحنابلة: وجوب الاستيعاب للرجل، أما المرأة فيجزئها مسح مقدم رأسها؛ لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها. ويجب أيضاً عند الحنابلة مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما؛ لأنهما من الرأس، لما رواه ابن ماجه:«الأذنان من الرأس» (1).
ويكفي المسح عندهم مرة واحدة، ولا يستحب تكرار مسح رأس وأذن، قال الترمذي وأبو داود: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم؛ لأن أكثر من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه واحدة، لأنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وقالوا فيها:(ومسح برأسه) ولم يذكروا عدداً، كما ذكروا في غيره.
ودليلهم: أن الباء للإلصاق أي إلصاق الفعل بالمفعول، فكأنه تعالى قال: ألصقوا المسح برؤوسكم أي المسح بالماء.
ولأنه صلى الله عليه وسلم مسح جميع الرأس، روى عبد الله بن زيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما، وأدبر، بدأ بمقدِّم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قَفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه» (2) وهو يدل على مشروعية مسح جميع الرأس، وهو مستحب باتفاق العلماء، كما قال النووي.
(1) وعن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما» رواه الترمذي وصححه (نيل الأوطار: 1/ 162).
(2)
رواه الجماعة، وروى أبو داود وأحمد حديثاً حسناً عن الرُّبَيِّع بنت مُعوِّذ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها، ومسح برأسه، فمسح الرأس كله من فوق الشعر، كلَّ ناحية لمُنصَبِّ الشعر، لا يحرك الشعر عن هيئته» (نيل الأوطار: 1/ 154،156).