الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستيقظين؛ لأنه خلاف المروءة، والنوم وحده لحديث «نهى عن الوحدة، وأن يبيت الرجل وحده» (1)،كما يكره السفر وحده، لخبر «الواحد شيطان» (2).
والنوم والجلوس بين الظل والشمس، لنهيه عليه السلام عنه (3)،وفي الخبر: أنه مجلس الشيطان.
ويكره ركوب البحر عند هيجانه؛ لأنه مخاطرة.
وتستحب القائلة (4) أو القيلولة: أي الاستراحةوسط النهار، وإن لم يكن مع ذلك نوم، شتاء أو صيفاً.
ويقرأ عند الميت (يس) لحديث عند أبي داود وغيره، ويقرأ عند المريض الفاتحة والإخلاص والمعوذتين مع النفخ في اليدين ويمسحه بهما، كما ثبت في الصحيحين، ويقرأ الكهف يوم الجمعة وليلتها.
وسيأتي في بحث الحظر والإباحة مزيد بيان لأحوال الإنسان وعاداته في اللبس واستعمال الأواني والنظر واللمس واللهو والطعام والشراب.
المبحث الثالث ـ المسح على الخفين
معناه ومشروعيته، كيفيته ومحله، وشروطه، مدته، مبطلاته، المسح على العمامة، المسح على الجوارب، المسح على الجبائر.
أولاً ـ معنى المسح على الخفين ومشروعيته:
المسح على الخفين بدل عن غسل الرجلين في الوضوء، ومعناه لغة: إمرار
(1) رواه أحمد عن ابن عمر مرفوعاً، وهو حديث حسن.
(2)
رواه الحاكم عن أبي هريرة: «الواحد شيطان، والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب» وهو صحيح.
(3)
رواه أحمد.
(4)
القائلة لغة: النوم في الظهيرة.
اليد على الشيء. وشرعاً: إصابة اليد المبتلة بالماء (البِلَّة) لخف مخصوص في موضع مخصوص، وفي زمن مخصوص، والخف شرعاً: الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه. والموضع المخصوص: ظاهر الخفين لا باطنهما، والزمن المخصوص: هو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر (1). ولم يحدد المالكية مدة للمسح كما سيأتي بيانه، كما أن الإمامية حال تجويزه للضرورة لم يقدروا مدة المسح بيوم ولا ثلاثة أيام.
وصفة المسح: أنه شرع رخصة، وهو جائز في المذاهب الأربعة في السفر والحضر، للرجال والنساء (2)، تيسيراً على المسلمين، وبخاصة في وقت الشتاء والبرد، وفي السفر، ولأصحاب الأعمال الدائمة كالجنود والشرطة والطلاب المواظبين على العمل في الجامعات ونحوهم.
وقد ثبتت مشروعيته بالسنة النبوية في طائفة من الأحاديث منها:
1 -
حديث علي رضي الله عنه قال: «لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه» وقال علي أيضاً: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم» (3).
2 -
حديث المغيرة بن شعبة، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم (4)، فتوضأ، فأهويت
(1) الدر المختار: 240/ 1 وما بعدها.
(2)
بداية المجتهد: 17/ 1، القوانين الفقهية: ص 8338، مراقي الفلاح: ص 21.
(3)
الحديث الأول: أخرجه أبو داود والدارقطني بإسناد حسن، وقال ابن حجر: إنه حديث صحيح. والثاني أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه (سبل السلام: 58/ 1 - 60، نيل الأوطار: 184/ 1).
(4)
أي في سفر، كما صرح به البخاري، وعند مالك وأبي داود: السفر في غزوة تبوك.
لأنزع خفيه، فقال: دعهما،
فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما» (1).
3 -
حديث صفوان بن عَسَّال، قال: أمرنا، يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين، إذا نحن أدخلناهما على طُهْر، ثلاثاً إذا سافرنا، ويوماً وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول، ولا نخلعهما إلا من جنابة» (2).
4 -
حديث جرير، أنه بال ثم توضأ، ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: «نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ ومسح على خفيه» (3). ومن المعروف أن إسلام جرير كان بعد نزول سورة المائدة التي فيها آية الوضوء.
قال النووي في شرح مسلم: وقد روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة. وصرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته، فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة المبشرون بالجنة. وقال الإمام أحمد: فيه أربعون حديثاً عن الصحابة مرفوعة. وقال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين (4) والقول بالمسح قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص وبلال وحذيفة وبريدة وخزيمة بن ثابت وسلمان وجرير البجلي وغيرهم.
وقد أنكر الشيعة الإمامية والزيدية والإباضية والخوارج مشروعية المسح على
(1) متفق عليه (سبل السلام: 57/ 1، نيل الأوطار: 180/ 1).
(2)
رواه أحمد وابن خزيمة، والنسائي والترمذي، وصححه الترمذي وابن خزيمة، ورواه الشافعي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي، وقال البخاري: إنه حديث حسن (نيل الأوطار: 181/ 1، سبل السلام: 59/ 1).
(3)
متفق عليه، ورواه أبو داود (نيل الأوطار: 176/ 1).
(4)
أخرجه عنه ابن أبي شيبة.
الخفين (1)، والأدق أن يقال: إن الإمامية لا يجيزون المسح مع الاختيار، ويجيزونه للضرورة عند الخوف والتَّقية، أما الخوارج فلا يجوز عندهم ولو لضرورة.
والواجب في المسح عند الحنفية (2): هو قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع اليد، على ظاهر مقدم كل رجل، مرة واحدة، اعتباراً لآلة المسح، فلا يصح على باطن القدم، ولاعقبه، ولا جوانبه وساقه. ولا يسن تكراره ولا مسح أسفله لأنه يراعى فيه جميع ما ورد به الشرع.
واستدلوا على رأيهم بأدلة لا تخلو من مناقشة، بل هي واهية، منها:
1 -
إنه منسوخ بآية الوضوء في سورة المائدة التي لم يذكر فيها المسح على الخفين، وإنما قال تعالى:{وأرجلَكم إلى الكعبين} [المائدة:6/ 5] فعينت الآية مباشرة الرجلين بالماء.
روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: سبق الكتاب الخفين، وقال ابن عباس: ما مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المائدة. ورد: بأن الوضوء ثابت قبل نزول المائدة بالاتفاق، فإن كان المسح على الخفين ثابتاً قبل نزولها، فورودها بغسل الرجلين، أو مسحهما على رأي الإمامية دون التعرض للمسح، لا يوجب نسخ المسح على الخفين. وإن كان المسح غير ثابت قبل نزولها فلا نسخ قطعاً. ثم إن إسلام جرير راوي الحديث السابق كان بعد نزول المائدة كما بينا، وقد رأى الرسول عليه السلام يمسح على خفيه، ومن شرط النسخ تأخر الناسخ.
والخلاصة: أن آية الوضوء نزلت في غزوة المُرَيسيع، ومسحهصلّى الله عليه وسلم في غزوة تبوك (1)، فكيف ينسخ المتقدم المتأخر؟!
وأما قول علي فيما أخرجه عنه ابن أبي شيبة، فهو منقطع، كذا ما روي عن
(1) نيل الأوطار: 176/ 1 - 178، كتاب الخلاف في الفقه للطوسي عند الإمامية: 60/ 1 - 61، شامل الأصل والفرع عند الإباضية للشيخ محمد بن يوسف أطَّفَيِّش: 211/ 1، سبل السلام: 57/ 1 وما بعدها.
(2)
غزوة المريسيع أو غزوة بني المصطلق وقعت في شعبان في السنة السادسة من الهجرة، وحدث اللقاء على ماء يقال له (المريسيع) من ناحية قديد إلى الساحل. وغزوة تبوك أو غزوة العسرة حدثت في رجب من التاسعة للهجرة.
ابن عباس، مع أنه مخالف ما ثبت عنهما من القول بالمسح، وعارض حديثهماما هو أصح منهما، وهو حديث جرير البجلي.
2 -
الأخبار الواردة بمسح الخفين نسخت بآية المائدة التي ذكر فيها الوضوء.
والجواب: أن الآية عامة مطلقاً باعتبار حالتي لبس الخف وعدمه، فتكون أحاديث الخفين مخصِّصة أو مقيدة، فلا نسخ، وتلك الأحاديث متواترة كما بينت، فتصلح مخصصة بالاتفاق، أي أن قوله تعالى {وأرجلكم} [المائدة:6/ 5] مطلق قيدته أحاديث المسح على الخف، أو عام خصصته تلك الأحاديث.
3 -
لم يذكر المسح على الخفين في أحاديث الوضوء، وإنما فيها كلها الأمر بغسل الرجلين، دون ذكر المسح، وفيها بعد غسل الرجلين:(لا يقبل الله الصلاة من دونه) وقوله عليه السلام لمن لم يغسل عقبه: «ويل للأعقاب من النار» .
والجواب: أن غاية ما اشتملت عليه الأحاديث الأمر بالغسل، دون حصر ولا قصر ينفي مشروعية غيره، ولو كان فيها ما يدل على الغسل فقط، لكانت مخصصة بأحاديث المسح المتواترة. وأما لفظ (لا يقبل الله الصلاة بدونه) فلم يثبت من وجه يعتد به. وأما حديث «ويل للأعقاب من النار» فهو وعيد لمن مسح رجليه، ولم يغسلهما، ولم يرد في المسح على الخفين.
وهو لا يشمل المسح على الخفين، لأنه يدع رجله كلها، ولا يدع العقب فقط. ثم إن أحاديث المسح مخصصة للماسح من ذلك الوعيد.
ويمكن أن يقال: قد ثبت في آية المائدة قراءة بالجر لأرجلكم عطفاً على الممسوح وهو الرأس، فيحمل على مسح الخفين كما بينت السنة، ويتم ثبوت المسح بالسنة والكتاب، وهو أحسن الوجوه التي توجه به قراءة الجر.