الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشافعية: الواجب مسح بعض الرأس، ولو شعرة واحدة في حدِّ الرأس، بأن لا يخرج بالمدِّ عنه من جهة نزوله.
والأصح عند الشافعية جواز غسله لأنه مسح وزيادة، وجواز وضع اليد على الرأس بلا مَدّ، لحصول المقصود من وصول البلل إليه.
والأصح عند الحنابلة: أنه لا يكفي غسل الرأس من غير إمرار اليد على الرأس، فيجزئه الغسل مع الكراهة إن أمرّ يده.
ودليل الشافعية حديث المغيرة السابق عند الشيخين: «أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته، وعلى العمامة» فاكتفى بمسح البعض فيما ذكر، لأن المطلوب مطلقاً وهو المسح في الآية يتحقق بالبعض، والباء إذا دخلت على متعدد، كما في الآية، تكون للتبعيض، فيكفي القليل كالكثير.
والحق: أن الآية من قبيل المطلق، وأنها لا تدل على أكثر من إيقاع المسح بالرأس، وذلك يتحقق بمسح الكل، وبمسح أي جزء قل أم كثر، ما دام في دائرة ما يصدق عليه اسم المسح، وأن مسح شعرة أو ثلاث شعرات لا يصدق عليه ذلك (1).
رابعاً ـ غسل الرجلين إلى الكعبين:
لقوله تعالى: {وأرجلكم (2) إلى الكعبين} [المائدة:5/ 6]، ولإجماع العلماء، ولحديث عمرو بن عَبْسة عند أحمد: «
…
ثم يمسح رأسه كما أمر الله، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله» ولحديث عثمان عند أبي داود
(1) مقارنة المذاهب في الفقه للأستاذين الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد علي السايس: ص 11.
(2)
قراءة السبع بالنصب، وقراءة غيرها بالجر للمجاورة، عطفاً على الوجوه، لفظاً في الأول، ومعنى في الثاني.
والدارقطني بعد أن غسل رجليه قال: «هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ» ولغيرهما من الأحاديث كحديث عبد الله بن زيد وحديث أبي هريرة.
والكعبان: هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل القدم.
والواجب عند جمهور الفقهاء غسل الكعبين أو قدرهما عند فقدهما مع الرجلين مرة واحدة، كغسل المرفقين، لدخول الغاية في المُغَيَّا أي لدخول ما بعد «إلى» فيما قبلها (1)،ولحديث أبي هريرة السابق: «
…
ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ» (2).
ويلزم عند الجمهور أيضاً غسل القدمين مع الكعبين، ولا يجزئ مسحهما لقوله صلى الله عليه وسلم:«ويل للأعقاب من النار» (3) فقد توعد على المسح، ولمداومته صلى الله عليه وسلم على غسل الرجلين، وعدم ثبوت المسح عنه من وجه صحيح، ولأمره بالغسل، كما ثبت في حديث جابر عند الدارقطني بلفظ «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا» ولثبوت ذلك من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث عمرو بن عَبْسة وأبي هريرة وعبد الله بن زيد وعثمان السابقة التي فيها حكاية وضوء رسول الله وفيها:(فغسل قدميه)، ولقوله صلى الله عليه وسلم بعد أن توضأ وضوءاً غسل قدميه: «فمن
(1) البدائع: 1/ 5، الشرح الصغير: 1/ 109، مغني المحتاج: 1/ 53، المغني: 1/ 132 وما بعدها.
(2)
رواه مسلم (نيل الأوطار: 1/ 152).
(3)
رواه أحمد والشيخان عن عبد الله بن عمر، قال:«تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة، فأدرَكنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، قال: فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا» (نيل الأوطار: 1/ 167).
زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم» (1) ولا شك أن المسح بالنسبة إلى الغسل نقص، ولقوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي:«توضأ كما أمرك الله» (2) ثم ذكر له صفة الوضوء، ولإجماع الصحابة على الغسل، فكانت هذه الأمور موجبة لحمل قراءة (وأرجلِكم) بالكسر على حالة نادرة مخالفة للظاهر، لا يجوز حمل المتنازع فيه عليها. وعطفها على (برؤوسكم) بالجر للمجاورة. وأما قراءة النصب فهي عطف على اليدين في الغسل.
ثم إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخليل أصابع اليدين والرجلين يدل على وجوب الغسل (3).
وأوجب الشيعة الإمامية (4) مسح الرجلين، لما أخرج أبو داود من حديث أوس بن أبي أوس الثقفي:«أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كِظَامة (5) قوم بالطائف، فتوضأ، ومسح على نعليه وقدميه» (6)، وعملاً بقراءة الجر «وأرجلكم» وبما روي عن علي وابن عباس وأنس، لكن قد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك. قال الشوكاني: وأما الموجبون للمسح، وهم الإمامية، فلم يأتوا مع مخالفتهم الكتاب
(1) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة من طرق صحيحة، وصححه ابن خزيمة (نيل الأوطار: 1/ 146،152، 168،173).
(2)
رواه أحمد وأبو داود والدارقطني عن أنس بن مالك، ورواه أحمد ومسلم عن عمر بن الخطاب (نيل الأوطار: 1/ 170،175).
(3)
روى أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك» (نيل الأوطار: 1/ 153).
(4)
المختصر النافع في فقه الإمامية: ص 30.
(5)
الكظامة: القناة، أو فم الوادي.
(6)
حديث معلول بجهالة بعض رواته، وعلى تقدير ثبوته ذهب بعضهم إلى نسخه، قال هيثم: كان هذا في أول الإسلام: (نيل الأوطار: 1/ 169).