الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسع عشرة كلمة، عملاً بالأذان المسنون وهو أذان أبي محذورة (1)، وفيه الترجيع: أي أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين.
معاني كلمات الأذان:
معنى ألفاظ الأذان: هو أن قوله (الله أكبر) أي من كل شي، أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو هو بمعنى كبير.
وقوله: (أشهد) أي أعلم. وقوله (حي على الصلاة) أي أقبلوا إليها، أو أسرعوا. والفلاح: الفوز والبقاء؛ لأن المصلي يدخل الجنة إن شاء الله، فيبقى فيها ويخلَّد. والدعوة إلى الفلاح معناها: هلموا إلى سبب ذلك. وختم بـ (لا إله إلا الله) ليختم بالتوحيد وباسم الله تعالى، كما ابتدأ به (2).
سنن الأذان:
يسن في الأذان ما يأتي (3):
1ً - أن يكون المؤذن صيِّتاً (عالي الصوت)، حسن الصوت، يرفع صوته بالأذان، على مكان مرتفع وبقرب المسجد، لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر عبد الله بن زيد
(1) رواه الجماعة عن أبي محذورة، وفي بعض ألفاظه: علمه الأذان تسع عشرة كلمة، وذكرها بتربيع الشهادتين كتربيع التكبير (نصب الراية:263/ 1، نيل الأوطار:43/ 2).
(2)
كشاف القناع: 273/ 1.
(3)
البدائع:149/ 1 - 152، الدر المختار: 359/ 1 - 361، فتح القدير:170/ 1 - 176، اللباب:63/ 1، مراقي الفلاح: ص32، الشرح الصغير:252/ 1 ومابعدها، الشرح الكبير:195/ 1 - 198، القوانين الفقهية: ص47 ومابعدها، مغني المحتاج:138/ 1، المهذب:57/ 1،59، المغني:407/ 1، 412، 415، 422، 426،429، كشاف القناع:270/ 1 - 282، المجموع:105/ 3 - 117،126، 129ومابعدها، الحضرمية: ص35.
المتقدم: «ألقه على بلال، فإنه أندى منك صوتاً» أي أبعد، ولزيادة الإبلاغ، وليرقّ قلب السامع، ويميل إلى الإجابة، ولأن الداعي ينبغي أن يكون حلو المقال، وروى الدارمي وابن خزيمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عشرين رجلاً، فأذنوا، فأعجبه صوت أبي محذورة، فعلّمه الأذان.
أما رفع الصوت: فليكون أبلغ في إعلامه، وأعظم لثوابه، كما ذكر حديث أبي سعيد:«إذا كنت في غنمك .. » ولما رواه الخمسة إلا الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذن يغفر له مدَّ صوته، ويشهد له كل رطب ويابس» ، ولكن لا يجهد نفسه في رفع صوته زيادة على طاقته، لئلا يضر بنفسه، وينقطع صوته. ويسن رفع الصوت بالأذان لمنفرد فوق ما يسمع نفسه، ولمن يؤذن لجماعة فوق ما يسمع واحداً منهم، ويخفض صوته في مصلى أقيمت فيه جماعة.
وكونه على مرتفع، ليكون أيضاً أبلغ لتأدية صوته، روى أبو داود عن عروة ابن الزبير عن امرأته من بني النجار، قالت:«كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحَر (وهو السدس الأخير من الليل)، فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا صلى رآه تمطى، ثم قال: اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش: أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن» (1) وكونه بقرب المسجد؛ لأنه دعاء إلى الجماعة وهي فيه أفضل (2)
(1) نصب الراية: 292/ 1.
(2)
وقال ابن سعد بالسند إلى أم زيد بن ثابت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن فوقه من أول ماأذن، إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده، فكان يؤذن بعد، على ظهر المسجد، وقد رفع له شيء فوق ظهره.
وأول من رقى منارة مصر للأذان: شرحبيل بن عامر المرادي. وبنى سلمة المناير للأذان بأمر معاوية، ولم تكن قبل ذلك (رد المحتار:360/ 1).
2ً - أن يؤذن قائماً على حائط أو منارة للإسماع: قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن السنة أن يؤذن قائماً. وجاء في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «قم فأذن» (1)، وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذنون قياماً. فإن كان له عذر كمرض، أذن قاعداً. كذلك يسن أن يقيم قائماً.
3ً - أن يكون المؤذن حراً بالغاً أميناً صالحاً عالماً بأوقات الصلاة، لحديث ابن عباس السابق:«ليؤذن لكم خياركم ويؤمكم قراؤكم» . وهذا سنة عند الجمهور غير المالكية، أما المالكية فيشترطون العدالة، كما أن الشافعية يشترطون في موظف الأذان العلم بالوقت.
4ً - أن يكون متوضئاً طاهراً، للحديث السابق:«لا يؤذن إلا متوضئ، وفي حديث ابن عباس: «إن الأذان متصل بالصلاة فلا يؤذن أحدكم إلا وهو طاهر» (2).
5ً - أن يكون المؤذن بصيراً؛ لأن الأعمى لا يعرف الوقت، فربما غلط، فإن أذن الأعمى صح أذانه، فإن ابن مكتوم كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عمرو فيما روى البخاري:«كان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت» وقال المالكية: يجوز أذان الأعمى إن كان تبعاً لغيره أو قلد ثقة في دخول الوقت.
6ً - أن يجعل أصبعيه في أذنيه، لأنه أرفع للصوت، ولما روى أبو حنيفة «أن بلالاً أذن، ووضع إصبعيه في أذنيه» (3)، وعن سعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل إصبعيه في أذنيه، وقال: إنه أرفع لصوتك» (4).
(1) متفق عليه وانظر نصب الراية:292/ 1.
(2)
سبل السلام:129/ 1.
(3)
متفق عليه.
(4)
أخرجه ابن ماجه والحاكم والطبراني وابن عدي (نصب الراية:278/ 1).
7ً - أن يترسَّل (يتمهل أو يتأنى) في الأذان بسكتة بين كل كلمتين، ويحدُر (يسرع) في الإقامة، بأن يجمع بين كل كلمتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه:«إذا أذنت فترسَّل، وإذا أقمت فاحدر» (1)، ولأن الأذان لإعلام الغائبين بدخول الوقت، والإعلام بالترسل أبلغ، أما الإقامة فلإعلام الحاضرين بالشروع في الصلاة، ويتحقق المقصود بالحدر.
8ً - أن يستقبل القبلة في الأذان والإقامة: لأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة ولأن فيه مناجاة فيتوجهه بها إلى القبلة.
ويستحب في الحيعلتين (حي على الصلاة، حي على الفلاح): أن يدير أو يحول وجهه يميناً في الأولى، وشمالاً في الثانية، من غير أن يحول قدميه؛ لأن فيه مناداة فيتوجه به إلى من على يمينه وشماله، ولما روى أبو جحيفة قال:«رأيت بلالاً يؤذن، فجعلت أتَتبَّع فاه ههنا وههنا يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وأصبعاه في أذنيه» (2) وفي لفظ قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أَدَم (جلد) فخرج بلال، فأذن، فلما بلغ: حي على الصلاة، حي على الفلاح، التفت يميناً وشمالاً، ولم يستدر» (3) ويصح عند الشافعية الإدارة في المنارة واستدبار القبلة إن احتيج إليه، وعند الحنابلة في ذلك روايتان عن أحمد: إحداهما ـ لا يدور للخبر السابق في استقبال القبلة، والثانية ـ يدور في مجالها، لأنه لا يحصل الإعلام بدونه. والرواية الثانية هي الصواب.
(1) أخرجه الترمذي، وإسناده مجهول (نصب الراية:275/ 1).
(2)
أصله متفق عليه في الصحيحين، ورواه أيضاً أحمد والترمذي وصححه (سبل السلام:122/ 1، نيل الأوطار:46/ 2).
(3)
رواه أبو داود (المرجعان السابقان).
ويستحب بعد انتهاء الأذان: أن يفصل بين الأذان والإقامة بقدر ما يحضر المصلون، مع مراعاة الوقت المستحب، وفي المغرب بقدر قراءة ثلاث آيات قصار. ودليل هذا الاستحباب قوله عليه السلام:«يا بلال، اجعل بين أذانك وإقامتك نَفَساً يفرغ الآكل من طعامه في مهل، ويقضي حاجته في مهل» (1).
ولأن الذي رآه عبد الله بن زيد في المنام أذن، وقعد قعدة أي لانتظار الجماعة، حتى يتحقق المقصود من النداء.
وقال الحنفية: يستحب بعد الأذان في الأصح أن يثوِّب في جميع الأوقات، كأن يقول: الصلاة الصلاة يامصلين، لظهور التواني في الأمور الدينية.
وقال الشافعية: يسن أن يقول المؤذن بعد الأذان أو الحيعلتين في الليلة الممطرة أو ذات الريح أو الظلمة: (ألا صلوا في الرحال).
9ً - أن يؤذن محتسباً، ولا يأخذ على الأذان والإقامة أجراً باتفاق العلماء.
ولا يجوز أخذ الأجرة على ذلك عند الحنفية، والحنابلة في ظاهر المذهب؛ لأنه استئجار على الطاعة، وقربة لفاعله، والإنسان في تحصيل الطاعة عامل لنفسه، فلا تجوز الإجار ة عليه كالإمامة غيرها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص:«واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً» (2).
وأجاز المالكية والشافعية في الأصح الاستئجار على الأذان؛ لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الأجر عليه كسائر الأعمال. وأفتى متأخرو الحنفية وغيرهم ـ كما سيأتي
(1) رواه أحمد بإسناده عن أبي بن كعب، وروى أبو داود والترمذي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال:«اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته» .
(2)
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن.
في بحث الإجارة ـ بجواز أخذ الأجرة على القربات الدينية، ضماناً لتحصيلها بسبب انقطاع المكافآت المخصصة لأهل العلم من بيت المال.
كما أن الحنابلة قالوا: إن لم يوجد متطوع بالأذان والإقامة، أعطي من يقوم بهما من مال الفيء المعد للمصالح العامة.
10ً - يستحب عند الجمهور غير الحنفية أن يكون للجماعة مؤذنان، لا أكثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «كان له مؤذنان: بلال وابن أم مكتوم» (1)، ويجوز الاقتصار على مؤذن واحد للمسجد، والأفضل أن يكون مؤذنان لهذا الحديث، فإن احتاج إلى الزيادة عليهما، جاز إلى أربعة؛ لأنه كان لعثمان رضي الله عنه أربعة مؤذنين، ويجوز إلى أكثر من أربعة بقدر الحاجة والمصلحة عند الحنابلة والشافعية.
وإذا تعدد المؤذنون فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد؛ كما فعل بلال وابن أم مكتوم، كان أحدهما يؤذن بعد الآخر، ولأن ذلك أبلغ في الإعلام.
ويصح في حالة تعدد المؤذنين: إما أن يؤذن كل واحد في منارة، أو ناحية، أو يؤذنوا دفعة واحدة في موضع واحد.
11ً - يستحب أن يؤذن المؤذن في أول الوقت ليعلم الناس، فيستعدوا للصلاة، وروى جابر بن سمرة قال:«كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت، وربما أخر الإقامة شيئاً» (2) وفي رواية قال: «كان بلال يؤذن إذا مالت الشمس لا يؤخر، ثم لا يقيم، حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام حين يراه» (3).
(1) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.
(2)
رواه ابن ماجه.
(3)
رواه أحمد في المسند.