الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - بابُ الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِثْمِ مَنْ لَمْ يَفِ بِالْعَهْدِ
وَقَوْلهِ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} الآيَةَ
(باب المُوادَعة والمُصالَحة)
3173 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ -هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ-، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زيدٍ إِلَى خَيْبَرَ، وَهْيَ يَوْمَئِذٍ صُلْخ، فتفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ وَهْوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمٍ قَتِيلًا، فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتكَلَّمُ، فَقَالَ:"كَبِّرْ كَبِّرْ"، وَهْوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، فَسَكَتَ، فتكَلَّمَا، فَقَالَ:"تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ، أَوْ صَاحِبَكُمْ"، قَالُوا: وَكيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نشهَدْ وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ: "فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ"، فَقَالُوا: كيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ.
(بُشير) بضم الموحدة.
(يَسَار) بفتح الياء، والمهملة.
(ابنا مسعود)؛ أي: ابن كَعْب، ووقَع في "الجامع": ابن زَيْد،
فقالوا: وهمٌ.
(وهو)؛ أي: عبد الله.
(يتشحط) بمعجمةٍ، ثم مهملتَين، أي: يضطَرِب في الدَّم، وعبد الرَّحْمَن هو أخو عبد الله، وأما حُوَيِّصَة ومُحيِّصَة فابنا عمِّه، وبهذا قال ابن عبد البَرِّ في ترجمة حُوَيِّصة: قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصَّة ابن عمِّهما عبد الله، ولكنَّه قال في ترجمة عبد الله: هو ابن أخِي حُوَيِّصَة، ومُحيِّصَة.
قال (ك): وعلى ما نَسَب (ن): عبد الله فهما ابنا عمِّ أَبيه.
(كَبِّر)؛ أي: قدِّم الأكبَر الأَسنَّ، أي: أن الأكبَر هو الأَولى بالتقدُّم في الكلام.
(أتحلفون) قال (خ): بدأَ بالمُدَّعين في اليَمين، فلمَّا نكَلوا ردَّها على المُدَّعى عليهم، فلمَّا لم يَرضَوا بأَيمانهم عقَله مِن عنده؛ لأنه عاقِلَة المسلمين، ووليُّ أمورهم.
(دم) تعلَّق به من يُوجب القِصاصَ بأيمان القَسَامة حالةَ العَمْد كمالك.
قال (ن): إنما معناه: تستحقُّون حقَّ دَمِكُم، فهو أعمُّ من القِصاص، والدِّيَة، أي: ولا دلالةَ للأعمِّ على الأخَصِّ.
(فتبرئكم)؛ أي: تَبْرأ إليكم من دَعواكُم، أو يخلِّصوكم من اليَمين بأنْ يحلِفوا، فإنهم إذا حلَفوا لم يثبُت عليهم شيءٌ، وخلصتُم أنتم من اليَمين.
(خمسين يمينًا)؛ أي: أنَّ حُكم القَسامة مخالِفٌ لسائر الدَّعاوي مِن جِهَة أنَّ اليمين على المُدَّعي، وأنها خمسون يمينًا، وذلك عند اللَّوث كالعَداوة الظَّاهرة هنا بين المُسلمين واليهود.
قلتُ: الخَمْسون دَعوى القتْل مطلَقًا، حتَّى تكون في ما لا لَوثَ فيه من جانب المدَّعى عليه، والمردودة على المدَّعي ومع الشَّاهد الواحد حيث كان في مُوجَب مالٍ.
قال (ن): وإنما عقلَه صلى الله عليه وسلم قطْعًا للنِّزاع، وجبرًا لخاطرهم، وإلا فاستِحقاقُهم لم يثبُت، ولفظ:(فعقله)؛ أي: أدَّى عقْله، وهو دِيَتُه، يُقال: عقَلْتُه: أدَّيتُ دِيَته، وعقَلْتُ عنه، إذا لزمتْه ديةٌ فأدَّيتَها عنه، وفي "النَّسائي": أنَّه قسم ديتَه عليهم، وأعانهَم بنِصْفها.
(من عنده) يحتمل مِن خالص ماله، أو مِن بيت المَال ومَصالح المُسلمين، وحقيقة الدَّعوى أنها لعبد الرَّحمن أخِي المَقتول.
فأما قوله: (يحلِفُون) مخاطِبًا لابنَي عمِّه مع الأخ إشارةٌ لتكلُّم الأكبر في سماع صُورة القَضيَّة، فإذا عرفتْ وتوجَّهت الدَّعوى واليمين استقلَّ صاحبُها بذلك.
ويحتمل أن عبد الرَّحْمَن وكَّلَ أكبر، أو أمرَه بتوكيله فيها، وعند اليمين يحلِف المستحِقُّ، وهذا كان من المعلوم عندهم أن اليمين تختصُّ بالوارِث، فأَطلَق الخِطاب لهم، والمراد مَن يختصُّ به.
قال: ورُوي عن جماعةٍ إبطالُ القَسامة، وأنه لا حُكم لها،