الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفْسَهُ، قَالَ: "لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم}: بِشَرْكٍ، أَوَلم تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ؟.
الحادي عشر:
وجْه مُناسبة ذِكْره مع قصَّة إبراهيم اتصالُه بالآية، وهي قوله تعالى:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 83].
* * *
9 - باب {يَزِفُّونَ} : النَّسَلَان فِي الْمَشْيِ
(باب)
يوجد في بعض النُّسَخ ذلك، وعليها جَرى (ك)، وفي بعضها ساقطٌ.
(يزفون)؛ أي: في قوله تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات: 94].
(النسلان)؛ أي: الإسراع في المشْي.
3361 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بِلَحمٍ، فَقَالَ: "إِنَّ الله يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلينَ
وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعي، ويُنْفِدُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمسُ مِنْهُم، فَذَكرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيقولُونَ: أَنْتَ نبَيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنَ الأَرْضِ، اشْفَع لنا إِلَى رَبِّكَ، فَيقولُ -فَذَكرَ كَذَبَاتِهِ- نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهبُوا إِلَى مُوسَى".
تَابَعَهُ أَنسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الحديث الأول:
(وينفذهم) رواه الأكثرون بفتح أوله، وبعضهم بالضم، فإنَّه يُقال: نفَذني ببصَره: إذا بلغَني وتجاوزَ، وأنفذْتُ القومَ: إذا اخترقتَهم.
والمعنى: يُحيط بهم بصَر الناظِر، لا يخفَى عليه منهم شيءٌ لاستِواء الأرض، وهذا أَولى من قَول أبي عُبَيد: يأْتي عليهم بصَر الرَّحمن؛ إذْ رُؤيته محيطةٌ بجميعهم في حال الصَّعيد المستَوي وغيره.
وقال أبو حاتم: أصحاب الحديث يَروُونه بالذال المعجَمة، وإنما هو بالمهملَة، أي: يبلُغِ أوَّلَهم وآخِرَهم، حتَّى يَراهم كلَّهم، ويَستوعبَهم، مِن نَفِد الشَّيءُ: فَنِيَ، وأنفَدته أنا.
* * *
3362 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أيوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ
إِسْمَاعِيلَ، لَوْلَا أنَّها عَجِلَتْ لَكَانَ زَمزَمُ عَيْنًا مَعِينًا".
الثاني:
(مَعينًا) بفتح الميم، أي: جارِيًا سائلًا، والمَعِيْن: الظَّاهر على وجْه الأرض، قيل: هو مَفْعَل، مِن عانه يَعينُه: إذا رآهُ بعَينه، وأصله: مَعيُون، فحُذفت الواو فبقي مثْل مَبيع، وقيل: فَعِيْل من المَعْن، وهو المبالغة، ومنه أمعَنْتُ في الشَّيء، ويُسمَّى الماءُ ماعُونًا.
* * *
3363 -
قَالَ الأَنْصَاريُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْج، أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِير فَحَدَّثَنِي قَالَ: إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُليْمَانَ جُلوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: مَا هكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ عليهم السلام وَهْيَ تُرْضِعُهُ، مَعَها شَنَّةٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ، ثُمَّ جَاءَ بِها إِبْرَاهِيمُ وَبابنِها إِسْمَاعِيلَ.
(وقال الأنصاري) وصلَه أبو نُعَيم في "المُستخرَج".
* * *
3364 -
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أيوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَداعَةَ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لتُعَفِي
أثَرها عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بها إِبْرَاهِيمُ وَبابنها إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِها مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تمرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاء، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فتبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَيْنَ تَذْهبُ وَتترُكُنَا بِهذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْها، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهذَا؟ قَالَ: نعم، قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنه استَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حَتَّى بَلَغَ {يَشْكُرُونَ} . وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُها، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يتلَوَّى -أَوْ قَالَ: يتلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تنظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيها، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تنظُرُ هلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَم تَرَ أَحَدًا، فَهبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعيَ الإنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أتَتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْها وَنظَرَتْ هلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَم تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبع مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا"، فَلَمَّا
أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَروَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ، تُرِيدَ نَفْسَها، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضعِ زَمزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدها هكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائها، وَهْوَ يَفُورُ بَعدَ مَا تَغْرِفُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسمَاعِيلَ! لَوْ تَرَكَتْ زَمزَمَ -أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمزَمُ عَيْنًا مَعِينًا"، قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَها، فَقَالَ لَها الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ ها هُنَا بَيْتَ اللهِ، يَبْنِي هذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ الله لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ، وَكانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيةِ، تأتِيهِ السُّيُولُ فتأْخُذُ عَنْ يَمِينهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِم رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ -أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ- مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا، فَقَالُوا: إِنَّ هذَا الطائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءِ، لَعَهْدُناَ بِهذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأرسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرَوهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَقْبَلُوا، قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ، فَقَالُوا: أتأذَنِينَ لَنَا أَنْ ننزِلَ عِنْدَكِ، فَقَالَتْ: نعم، وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُم فِي الْمَاءَ، قَالُوا: نعم، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، وَهْيَ تُحِبُّ الإنْسَ"، فَنَزَلُوا وَأَرسَلُوا إِلَى أَهْلِيهم، فَنَزَلُوا مَعَهُم، حَتَّى إِذَا كَانَ بِها أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُم، وَشَبَّ الْغُلَامُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهم،
وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكتهُ، فَلم يَجدْ إِسْمَاعِيل، فسَأل امْرَأتهُ عَنهُ، فقالتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لنا، ثمَّ سألها عَنْ عَيْشِهِم وَهيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نحنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرئي عليه السلام، وَقُولي لَهُ يُغَيِّرْ عَتبةَ بابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأنَّهُ آنسً شَيْئًا، فَقَالَ: هلْ جَاءكم مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نعم، جَاءَناَ شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَألنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَألنِي: كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ، قَالَ: فَهلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نعمْ، أَمَرَني أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبةَ بابِكَ، قَالَ: ذَاك أَبِي وَقَد أَمَرَني أَنْ أفُارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَها، وَتَزَوَّجَ مِنْهُم أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُم إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أتاهُم بَعْدُ، فَلَمْ يَجدهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَسَألها عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قَالَ: كَيْفَ أَنتم؟ وَسَألها عَنْ عَيْشِهم وهيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأثنَتْ عَلَى اللهِ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُم؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَمَا شَرَابُكُم؟ قَالَتِ: الْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُم فِي اللَّحم وَالْمَاءِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَلم يَكُنْ لَهُم يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهم دَعَا لَهُم فِيهِ"، قَالَ:"فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إلا لَمْ يُوَافِقَاه"، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرئي عليه السلام، وَمُرِيهِ يثبِتُ عَتَبةَ بابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هلْ أتاكُمْ
مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نعم، أتاناَ شَيْخٌ حَسَنُ الْهيْئَةِ، وَأثنَتْ عَلَيْهِ، فَسَألنِي عَنْكَ فَأَخْبرْتُهُ، فَسَألنِي كيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نعم، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتبةَ بابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتبة، أَمَرَني أَنْ أُمْسِكَكِ، ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُم مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نبلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمزَمَ، فَلَمَّا رآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ الله أَمَرَني بِأَمرٍ، قَالَ: فَاصنعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ الله أَمَرْني أَنْ أَبْنِيَ ها هُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلها، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ:{ربنَا تقبَّل مِنا إنَّكَ أَنتَ اَلسَّمِيعُ اَلعَليمُ} ، قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانَ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولَانِ:{ربنَا تَقبَّل مِنَّا إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ اَلعَليمُ} .
(المنْطق) بكسر الميم، وفتح الطَّاء: ما يُشَدُّ به الوسَط، اتخذتْ أُم إسماعيل مِنْطَقًا، وكان أول الاتخاذ من جهتها.
والمعنى: أنها تزيَّنت بزَيِّ الخدَم إشعارًا بأنَّها خادمةٌ؛ ليَستميل
خاطرها، ويجبر قلبَها، ويُصلح ما فسَد، يُقال: عفَا على ما كان منه: إذا أصلَح بعد الفَساد.
(دوحة) بمهملتين: الشَّجرة العظيمة.
(جِرَابًا) بكسر الجيم، وقد تُفتح.
(وَسِقاء) بكسر السين: القِرْبَة التي يُستقَى بها.
(قَفَّا) بتشديدها، أي: ولَّاهُما قَفاه، والتَّقفية: الإعراضُ والتَّولِّي.
(يتلوى)؛ أي: يتقلَّب ظهْر البَطن يمينًا وشمالًا.
(يتلبط) بإهمال الطَّاء، أي: يتمرَّغ، ويَضرِب نفْسه على الأرض، مِن لُبِط به: إذا صُرِع، وقال القَزَّاز: معناهما واحدٌ.
وقال ابن دُرَيد: اللَّبْط باليد، والخبْط بالرِّجل، وقيل: هما بمعنًى.
(فَهبَطت) بفتح الباء.
(درعها)؛ أي: قَميصها.
(صهٍ) قُيِّد بالتنوين: أَمرَتْ نفسَها بالسُّكوت.
(تريد نفسها)؛ أي: تخاطِب بالأمر بالسّكوت نفسَها، أي: اسكُتي لأعلَم ما يقول هذا الصَّوت.
(غواث) بفتح الغين المعجمة وضمها، وتخفيف الواو، مِن الغَوث، وجزاء الشرط محذوفٌ.
(بالمَلَك) بفتح اللام، أي: جبريل عليه السلام.
(قال بجناحه)؛ أي: أشارَ به.
(لا تخافي) في بعضها: (لا تَخافُوا).
وفيه أنَّ الملَك يتكلَّم مع غير الأنبياء.
(كالرابية) هي ما ارتفَع من الأرض.
(جُرْهُم) بضم الجيم، والهاء: حيٌّ من اليمَن.
(عائفًا) هو الذي يتردَّد على الماء ويَحُوم.
(بهذا الوادي) ظرفٌ مستقرٌّ لا لغوٌ.
(جريًا) هو بالياء المشدَّدة: الرَّسول المُسرِع؛ لأنه يجري، أو لأنَّك تُجريه في حَوائجك، وقيل: هو الوكِيل، وقيل: الأجِير.
(فألفى)؛ أي: وجَد.
(ذلك)؛ أي: حيُ جُرْهُم.
(أُم إسماعيل) مفعولُ (ألفَى).
(وهي تحب) جملةٌ حاليةٌ، أي: مُحِبَّةٌ.
(الأُنس) بضم الهمزة وبكسرها، أي: المؤانسة بالنَّاس.
(وأنْفَسَهُمِ)(1) فعلٌ ماضٍ، بفتح الفاء، أي: صارَ نفيسًا فيهم، أي: رفيْعًا يُتنافس في الوُصول إليه، ويرغَبون فيه، وفي مصاهرته، يُقال: أنفَسَني فلانٌ في كذا: أي: رغَّبني فيه.
(1)"وأنفسهم" ليس في الأصل.
(بعد ما تزوج) قد يتعلَّق بهذا مَن يَروي أنَّ الذَّبيح إسحاق؛ لأنَّ قِصَّة الذَّبْح كانت في الصِّغَر، إلا أنْ يُجاب أنه جاءَ مرةً في صِغَره قبل مَوت أُمِّه، ثم جاء بعد كبره وتزوُّجِه.
(ترْكْتَهُ) بسُكون الرَّاء وكسرها، مع فتْح التاء بمعنى: مَتْروكة، والمراد أهلُه، ومعنى مُطالعتهم: النَّظَر في أحوالهم.
(جَهْد) بفتح الجيم وضمها.
(عتبة)؛ أي: أُسْكُفَّتُه، كنَّى بها عن المرأة، قيل: واسم تلك المرأة: حداء بنت سَعْد.
(ذلكِ) بكسر الكاف.
(الْحَقِي) بكسر الهمزة وفتح الحاء.
(اللهم بارك لهم في اللحم والماء) ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولم يكُنْ لهم يَومئِذٍ حَبٌّ).
(لا يخلو عليهما)؛ أي: يمضِي؛ قالَه الخَلِيْل، وقال ابن القُوطيَّة: خَلَوتُ بالشَّيء خَلْوةً، واختلَيتُ: إذا لم أخلِط به غيرَه، وفي "اليواقيت": أخلا الرجل اللَّبَنَ: إذا لم يشرب غيرَه.
والمراد: لا يعتمدهما؛ لأنَّ المداومة على اللَّحم والماء لا تُوافِق الأمزجةَ، ويَنحرِف المِزاج عنهما إلا في مكَّة، فإنهما يُوافقانه، وهذا من بركتِها، وأثَرِ دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
(يثبت عتبة بابه) اسم هذه المرأة التي أُمِر بإمساكها: سَامَة بنت
مُهلْهِل، وقيل: عاتِكَة.
(يَبْرِي) بفتح أوله.
(نبلًا) هو السِّهام العربية.
(ما حولها) متعلِّقٌ بقوله: (إنني).
(بهذا الحجر)؛ أي: المَشهور بمَقَام إبراهيم.
* * *
3365 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ كثِير، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عبَّاس رضي الله عنها قَالَ: لَمَّا كانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ، خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، وَمَعَهُم شَنَّةٌ فِيها مَاءٌ، فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ، فَيَدِرُّ لَبَنُها عَلَى صَبِيِّها حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَوَضَعَها تَحتَ دَوْحَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً ناَدَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ! إِلَى مَنْ تترُكُنَا؟ قَالَ: إِلَى اللهِ، قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللهِ، قَالَ: فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنها عَلَى صَبِيِّها، حَتَّى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ: لَوْ ذَهبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا؟ قَالَ: فَذَهبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هلْ تُحِسُّ أَحَدًا؟ فَلمْ تُحِسَّ أَحَدًا، فَلَمَّا بَلَغَتِ الْوَادِيَ سَعَتْ وَأتتِ الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ -تَعْنِي: الصَّبِيَّ-؟ فَذهبَتْ فَنَظَرَتْ، فَإِذَا هُوَ عَلَى
حَالِهِ كَأنَّهُ ينشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَم تُقِرَّها نَفْسُها، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا، فَذَهبَتْ فَصَعدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنظَرَتْ، فَلَم تُحِسَّ أَحَدًا، حَتَّى أتمَّتْ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهبْتُ فَنَظَرتُ مَا فَعَلَ، فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ، فَقَالَتْ: أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ، فَإِذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: فَقَالَ بِعَقِبِهِ هكَذَا، وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأرْضِ، قَالَ: فَانْبثقَ الْمَاءُ، فَدهشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ، قَالَ: فَقَالَ أبو الْقَاسم صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا"، قَالَ: فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ، وَيَدِرُّ لَبَنُها عَلَى صبِيها، قَالَ: فَمَرَّ ناَسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي، فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ، كَأَنَّهمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إلا عَلَى مَاءٍ، فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ، فَنَظَرَ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهم فَأَخْبَرَهُم، فَأَتَوْا إِلَيْها، فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ! أتأذَنِينَ لنا أَنْ نكُونَ مَعَكِ، أَوْ نسكُنَ مَعَكِ؟ فَبَلَغَ ابْنها فَنَكَحَ فِيهِمُ امرَأَةً، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امرَأتُهُ: ذَهبَ يَصِيدُ، قَالَ: قُولي لَهُ إِذَا جَاءَ: غَيِّر عَتَبةَ بابِكَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرتهُ، قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ، فَاذْهبِي إِلَى أَهْلِكِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امرَأتهُ: ذَهبَ يَصِيدُ، فَقَالَتْ: أَلَا تنزِلُ فتطْعَمَ وَتَشرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُم وَمَا شَرَابُكُم؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ، وَشَرَابُنَا الْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِم وَشَرَابِهم، قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسم صلى الله عليه وسلم: "بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ"، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا
لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمزَمَ، يُصْلِحُ نبلًا لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَني أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا، قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَني أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ، قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ، أَوْ كمَا قَالَ، قَالَ: فَقَامَا، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، وإسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ، قَالَ: حَتَّى ارتَفَعَ الْبِنَاءُ وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَلَى نَقْلِ الْحِجَارَةِ، فَقَامَ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ، فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
الثالث:
(ما كان)؛ أي: مِن جِنْس الخُصومة التي تتعلَّق بالضَّرائر في العادة.
(حتى لما بلغوا)؛ أي: حتى نادتْه حين البُلوغ.
(أشواطًا) الشَّوط: الطَّلْق.
(ينشغ) بنونٍ ومعجَمتَين، أي: يَشهق من الصَّدر حتى كاد يبلُغ به الغَشْي، أي: يَعلُو نفَسُه كأنه شهيقٌ من شدَّة ما يَرِدُ عليه.
(فلم تقرها) من الإقرار بالمكان.
(نفسها) مرفوعٌ بالفاعلية.
(قال بعقبه)؛ أي: أشارَ به.
(فانبثق) بنون، ثم موحَّدة، ثم مثلَّثةٍ، أي: نَبَع، وجَرى، أو انخرق.
(فَدَهِشت) بفتح الدال وضمها، مع كسر الهاء.
(تحفن) بمهملةٍ، وفاءٍ، ونونٍ، أي: تملأُ الكفَّين، وفي بعضها:(تحفِر) بالراء.
(فبلغ) هي الفاء الفَصيحة، أي: فأذنت وكان كذا فبلغ.
(بركة) خير مبتدأ محذوفٍ، أو بالعكس، أي: زَمْزم بركةٌ، أو في طعام مكة، وشَرابها بركَةٌ، بدليل السِّياق.
(إذن أفعل) بالنصب.
* * *
3366 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ مَسْجدٍ وُضعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: "الْمَسْجدُ الْحَرَامُ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْمَسْجدُ الأَقْصَى"، قُلْتُ: كم كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أدركتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ".
الرابع:
(أول) قال أبو البقاء: الوَجْه ضمُّه ضمَّةَ بناءٍ؛ لقَطْعه عن الإضافة، أي: أوَّل شيءٍ كما تقول: أَبدأُ بهذا أوَّلَ.
قال (ك): وبالفتْح غير منصرِفٍ، وبالنصب منصرِفًا.
(ثم أي) قال ابن الخَشَّاب: لا يجوز إلا تنوينُه؛ لأنَّه اسم
معرَبٌ غير مضافٍ.
وسبَق بيان ذلك مرَّاتٍ.
(أربعون سنة) فإنْ قيل: قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران: 96]، والمسجِد الأقصَى بناه داود عليه السلام، فبينهما أكثَر من أربعين سنةً؟، قيل: لعلَّه بُنِيَ ثم خَرِبَ فعمَّره داود عليه السلام.
وقال (خ): يُشبه أن يكون الأقصى بَناه قبْل داود بعضُ أولياء الله، ثم إنَّ داود وسُليمان - صلى الله عليهما وسلَّم - زادا فيه ووسَّعاه، فأُضيف إليهما بناؤُه، لأنَّ المسجِد الحرامَ بناه إبراهيم، وبينه وبين داود وسليمان مُدَّةٌ متطاولةٌ، وقد يُنسَب هذا المسجِد إلى إيلِيَاء، فالله أعلم، أهو اسمُ مَن بناه أو غيره؟
(فَصَلِّهْ) بسكون الهاء؛ لأنَّها للسَّكْت.
* * *
3367 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمرِو بْنِ أَبِي عَمرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ، فَقَالَ:"هذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابتيْها". رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الخامس:
(طلع)؛ أي: ظَهرَ.
(يحبنا) إما حقيقةٌ، أو مجازٌ، أو بإضمار:(أهلُه).
(لابتيها)؛ أي: الحَرَّتين، وسبَق الحديث.
(رواه عبد الله) موصولٌ في (البيوع).
* * *
3368 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ألم تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الْكعْبَة اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَلَا تَرُدُّها عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: "لَوْلَا حِدثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْر"، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتمَّم عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر.
السادس:
(حِدْثان) بكسر الحاء، وسُكون الدال، وبفتحهما، والجواب محذوفٌ جوازًا، وأما خبر المبتدأ فمحذوفٌ وجوبًا، أي: لولا قُرب عَهدهم بالكُفر ثابتٌ لرددتُ البيت على قواعد إبراهيم.
وأما (الحِجر) بكسر الحاء: هو المَحُوط عليه المسمَّى بالحَطِيْم من جانب شمال الكعبة.
(أن البيت)؛ أي: لأَنَّ البيت.
* * *
3369 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمرِو بْنِ سُلَيْم الزُّرَقِيِّ: أَخْبَرَني أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كمَا بَاركتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
السابع:
(على آل إبراهيم) إنْ قيل: السّياق يقتَضي على إبراهيم بدُون آل، قيل: آل مُقحمةٌ، أو إبراهيم داخلٌ في الآل عُرفًا، كما في:"صَلِّ على آلِ أَبي أَوْفَى"، وهو أبو أَوفى نفْسُه، أو هو مرادٌ بالطريق الأَولى.
وفي هذا مراعاةُ ما في قوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73].
* * *
3370 -
حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِم الْهمدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيسَى، سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيني كعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلَا أهدِي لَكَ هدِيَّةً سَمعتها مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدها لِي، فَقَالَ: سأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! كيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُم أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ الله قَدْ عَلَّمَنَا كيْفَ نُسَلِّمُ؟ قَالَ:"قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَاركتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ".
الثامن:
(أبو فروة مسلم) قال الغَسَّاني: يُروى عن أحمد: أنَّ اسم أَبي فَرْوة: عُروة لا مُسلم.
(أهل البيت) نصب على الاختصاص.
(فإن الله قد علمنا)؛ أي: في التشهُّد، وهو قولنا: سلامٌ عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته.
* * *
3371 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ،
عَنِ الْمِنْهالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَيَقُولُ:"إِنَّ أَبَاكمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِها إِسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ".
التاسع:
(يعوذ) يُقال: أعذْتُ غَيري به، وعَوَّذْتُ به؛ بمعنًى.
(أباكما)؛ أي: لأنهما مِن نسَله.
(بكلمات الله) إما باقٍ على عمومه، أي: كلِّ كلمةٍ لله تعالى، أو مخصوصٌ بنحو المعوِّذتين، أو المراد القُرآن.
(التامة)؛ أي: التامِّ فضلُها، وبركتُها صفةٌ لازمةٌ؛ إذ كلُّ كلماته تامةٌ.
(وهامة) مفردُ الهوامِّ، وهو المَخُوف مِن الحشَرات، وقال (خ): ذَوات السُّموم.
(لامة)؛ أي: التي تُصيب بالسُّوء، وقيل: بمعنى المُلِمَّة، وإنما أُتي بها على فاعِلةٍ للمُزاوَجة، ويجوز أنها على ظاهرها بمعنى: جامعةٍ للشَّرِّ على المَعيُون، مِن لمَّه: إذا جمعَه، وقال (خ): كلُّ آفةٍ تُلمُّ بالإنسان من جُنونٍ ونحوه.
* * *