الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلوةٌ، فالتقدير: لا يقعدنَّ رجلٌ مع امرأةٍ إلا ومعها مَحرمٌ، والواو في:(ومعها) واو الحال، أي: لا يخلُونَّ في حالٍ إلا في هذه الحال.
والحديث مخصوصٌ بالزَّوج؛ فإنه لو كان معها زوجُها كان كالمَحرم، بل أَولى، والمَحرم يشمل أن يكون له، أو لها، أو لهما، ومرَّ في (كتاب التقصير).
(اكتتبت) مبنيٌّ للمفعول وللفاعل، يُقال: اكتتَب الرجل: إذا كتبَ نفسَه في ديوان السُّلطان.
وفيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة؛ لأنه لمَّا تعارَض سفَره في الغزْو والحجِّ رجِّح الحجُّ معها؛ لأن الغزو يقوم فيه غيرُه مقامه بخلاف الحجِّ معها.
* * *
141 - بابُ الْجَاسُوسِ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} ". التَّجَسُّسُ: التَّبَحُّثُ.
(باب الجاسُوس)
* * *
3007 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
دِينَارٍ، سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَناَ وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ:"انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا"، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَاب، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُناَسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا حَاطِبُ! مَا هَذَا"؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَقَدْ صَدَقَكُمْ"، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، قَالَ:"إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
قَالَ سُفْيَانُ: وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا.
(أنا والزُّبَير)، (أنا) تأكيدٌ للضَّمير المنصوب؛ لأن الضَّمائر يقَع
بعضها مَوقِع بعضٍ استعارةً، وفي بعضها:(إياي)، وفي بعض الروايات:(بعثَني أنا وأبا مَرثد الغَنَوي، والزُّبَير)، ولا منافاة بينهما، بل بعَث الأربعةَ.
(خاخ) بمعجمتين على الصَّحيح، ووقَع في رواية أبي عَوَانَة:(حاج) بمهملةٍ، وجيمٍ، فقيل: سهوٌ، وهو مَوضع بين مكة والمدينة على اثني عشَر مِيْلًا من المدينة.
(ظعينة) بمعجمةٍ مكسورةٍ: هي المرأة في الهَوْدَج؛ لأنها تظْعَن بارتحال الزَّوج، وقيل: أصلها الهَوْدَج، وسُمِّيت بها المرأة؛ لأنها تكون فيه.
واسم المرأة سارة -بالمهملة والراء- مولاةٌ لعمران بن صَيْفي القُرشي، وقال (ش): مولاةٌ للعبَّاس بن عبد المطَّلِب.
(تعادى)؛ أي: تَتعادى، فحُذفت إحدى التاءَين، أي: تَجري.
(لتلقين) بكسر الياء وفتحها، كذا وقع، وقياس العربية: لتلقَنَّ بحذف الياء؛ لأن النون المشدَّدة تجتمع مع الياء الساكنة، فحُذفت لالتقاء الساكنين، وأجاب (ك): بأنَّ الرِّواية إذا صحَّت تُؤوَّل الكسرة بأنها لمُشاكَلة: (لتُخرِجَنَّ)، وباب المشاركة واسعٌ، والفتح بالحَمْل على المؤنَّث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغَيبة، وفي بعضها بفتح القاف ورفْع الثِّياب.
(عِقاصها) بكسر المهملة، وبقافٍ، ومهملةٍ: الشَّعْر المَضفور، ويُقال: هي التي تتخذ من شَعْرها مثْل الوقاية، وكلُّ خَصلةٍ منه
عَقيصة، وقال (ش): هو الخَيط الذي يُعْقَص به أطراف الذَّوائب.
(به)؛ أي: بالكتاب، وفي بعضها:(بها)؛ أي: بالصَّحيفة، أو بالمرأة.
(حَاطِب) بمهملَتين، وكسر الثَّانية.
(أبي بَلْتَعة) بفتْح الموحَّدة، وإسكان اللَّام، وفتْح المثنَّاة، وبمهملةٍ، واسمه: عامر، مات حَاطِب سنة ثلاثين.
(إلى أناس) هو من كلام الرَّاوي وُضِع موضِعَ: إلى فُلانٍ وفلانٍ المذكورين في الكتاب.
(لصيقًا)؛ أي: حَليفًا ولم يكن من نفْس قُريش، ويقال للدَّعيِّ في القَوم: مُلصَقٌ، ولَصِيق.
(المنافق) أُطلق عليه ذلك؛ لأن ما صدَر منه يُشبه فعلَهم؛ لأنه باطَنَ الكفارَ بخلاف ما يظهَر، ويحتمل أنه قالَه قبل قَول النبي صلى الله عليه وسلم:(قَدْ صدَقَكُم)، أو يُريد أنه وإِنْ صدَق فلا عُذر له، أي: ليس هذا العُذر مُخرِجًا له مما وقَع فيه، وهو نفاقٌ على ظَنِّ عُمر؛ فبيَّن له صلى الله عليه وسلم أن العذر يؤول، وإنما عذَره النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان مُتأولًا ولم يكن يُنافق بقَلبه، بل ذكَر أنَّه كان في الكتاب تفخيمُ أمر جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم لا طاقةَ لهم به، فخوَّفَهم بذلك ليَخرجوا من مكة، وَحَسَّنَ هذا التأويل تَعلُّقُ خاطره بأهله وولده؛ إذ هم قِطْعةٌ من كَبِده، ولقد أبلَغ مَن قال: قَلَّما يُفلِح مَن كان له عِيَالٌ، لكنْ لطَف الله به فنجَّاه بما عُلِمَ
مِن صحَّة إيمانه، وغفر له بسابقة بَدْرٍ وسبْقه.
(أن يكون) استُعمل (لعلَّ) استعمالَ: عسَى، فأتَى بأنْ.
قال (ن): ومعنى الترجِّي هنا راجعٌ إلى عُمر؛ لأن وُقوع هذا الأمر محقَّقٌ عند الرسول، ومعناه الغُفران لهم في الآخرة، وإلا فلو توجَّهَ على أحدٍ منهم حَدٌّ مثلًا يُستوفى منه، وفيه هتْك أستَار الجَواسيس، وأنه لا يحدُّ القاضي إلا بإذْن الإمام، وفيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرَفٌ لأهل بدْرٍ.
(اعملوا ما شئتم) هو من المُشكِل؛ لأنه إباحةٌ مطلقةٌ، وهو خِلاف عقْد الشَّرع، فقيل: ليس للاستِقبال، بل للماضي، أي: غفَرتُ لكم [كلَّ] عمَلٍ كان لكم، وهو ضعيفٌ؛ لأن هذا الصادر من حَاطِب في المُستقبَل؛ لأنه بعد بدْرٍ، فلو كان للماضي لم يحسُن التمسُّك به هنا، وقيل: بل هو خِطابُ تشريفٍ وإكرامٍ، أي: أنهم حصلَتْ لهم حالةٌ غُفرت لهم بها ذنوبُهم السابقة، وتأهَّلوا بها أن يُغفر لهم ذنوب لاحقة إنْ وقَعتْ منهم، ولله درُّ القائل:
وإِذا الحَبِيْبُ أتَى بذنْبٍ واحدٍ
…
جاءَتْ مَحاسنُه بأَلْفِ شَفيعِ
قلت: لم يحصل بذلك تخلُّصٌ من الإشكال، فينبغي أن يُحمل الغُفران في المستقبل على أنهم لا يقَع منهم ذنبٌ يُنافي عقيدة الدِّين بدليل قَبول النبيِّ صلى الله عليه وسلم عُذْره؛ لما علِم من صحة عقْده وسلامة قلبه.
(وأي إسناد) هو تعظيمٌ لعُلوِّ الإسناد وصِحَّته وقُوَّته؛ لأنَّ رجاله