الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
60 -
كتاب الأنبياء
1 - بابُ خَلْقِ آدَمَ صَلواتُ اللهِ عليهِ وَذُرِّيَّتِهِ
{صلصالٍ} : طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، ويُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: صَلَّ، كَمَا يُقَالُ: صَرَّ الْبَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإغْلَاقِ، مِثْلُ: كبْكَبْتُهُ؛ يَعْنِي: كَبَبْتُهُ. {فَمَرَّتْ بِه} : اسْتَمَرَّ بِها الْحَملُ فَأتمَّتْهُ. {أَلا تسجُدَ} : أَنْ تَسْجُدَ.
باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} : إِلَّا عَلَيْها حَافِظٌ {في كَبَدٍ} : فِي شِدَّةِ خَلْقٍ. وَ (رِيَاشًا): الْمَالُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ، وَهْوَ مَا ظَهرَ مِنَ اللِّبَاسِ. {ما تُمْنُونَ}: النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} : النُّطْفَةُ فِي الإحْلِيلِ. كلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ شَفْعٌ، السَّمَاءُ شَفْعٌ، وَالْوِتْرُ اللهُ عز وجل. {فِىَ أَحْسَنِ تَقوِيمٍ}: فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ. {أسْفَلَ سَافِلِينَ} إِلَّا مَنْ آمَنَ. {خُسْرٍ} : ضَلَالٌ، ثمَّ
اسْتَثْنَى إِلَّا مَنْ آمَنَ. {لازِبٍ} : لَازِمٌ. {وننشئكم} فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ.
{نُسَبِّحُ بحمدكَ} : نعظِّمُكَ.
وَقَالَ أَبو الْعَالِيةِ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} : فَهْوَ قَوْلُهُ: {ربنَا ظَلَمنا أَنفُسَنا} . {فأزَلَّهُما} : فَاسْتَزَلَّهُمَا. وَ {يَتسَنَّهْ} : يتغَيَّرْ، {آسِنٌ}: مُتَغَيِّرٌ، وَالْمَسْنُونُ: الْمُتَغَيِّرُ. {حمإ} جَمعُ: حَمأَةٍ، وَهْوَ الطينُ الْمُتَغَيِّرُ. {يخصفَانِ}: أَخْذُ الْخِصَافِ، {مِن وَرَق الجنَّةِ}: يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعضٍ، (سَوْآتُهُمَا): كنَايَةٌ عَنْ فَرْجِهِمَا. {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} هاهُنَا: إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ. {وَقَبيلُهُ} جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُم.
(كتاب الأَنْبياء، عليهم الصلاة والسلام)
(باب خَلْق آدَم صلى الله عليه وسلم وذُرِّيته)
قوله: (صلصال)؛ أي: في قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} [الرحمن: 14].
(صلصل)؛ أي: صوتٌ، وأصلُه: صَلَّ، فضُوعِف فاءُ الفعل، كصَرصَر، وكَبكَبَ.
(الفخار) هو المَطبُوخ بالنَّار.
(فمرت)؛ أي: في قوله تعالى: {فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} الآية [الأعراف: 189].
(لمَّا عليها)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4].
(إلا عليها)؛ أي: فيكون: (لمَّا) للاستثناء كـ (إلا).
(في كبد)؛ أي: في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4].
(وريشًا)؛ أي: في قوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} الآية [الأعراف: 26].
(ما تمنون)؛ أي: في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58].
(على رجعه)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق: 8].
(كل شيء خلقه) إشارة إلى قوله تعالى: {خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} [النجم: 45]، وقوله:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49].
(السماء شفع)؛ أي: للأرض، وأما في عدَدها فوِتْر كما أنَّ الحارَّ زَوج للبارد.
(تقويم)؛ أي: في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} الآية [التين: 4]
(خسر)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2].
(إلا من آمن) هو تفسير لقوله تعالى: {إلا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 3].
(لازب)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11].
(ننشئكم)؛ أي: في قوله تعالى: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الواقعة: 61].
(يتسنه)؛ أي: من قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ
يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259].
ووجه تعلُّق هذا بخلْق آدم عليه الصلاة والسلام أنَّه تابع لمسنونٍ؛ لأنه قد يُقال باشتقاقه منه.
(المسنون)؛ أي: في قوله تعالى: {مِنْ حَمَإٍ مسنُونٍ} [الحجر: 26]، أي: طينٍ متغيِّر.
(يخصفان)؛ أي: في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22]، أي: ليستُرا به عورتهما، وخصَفْتُ النَّعْل: خَرزْتُها.
(ومتاع)؛ أي: في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف: 24]، أي: إلى يوم القيامة.
(وقبيله)؛ أي: من قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} [الأعراف: 27].
* * *
3326 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ: اذْهبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَاسْتَمعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُم، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرحمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَم يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ".
الحديث الأول:
(ذراعًا) قيل: بذِراعه، وقيل: بذِراعنا؛ لأنَّ ذِراع كلِّ واحدٍ ربُعه، ولو كان بذِراعه لكانت يدُه قصيرةً من حيث طُول جسمه كالإِصبَع والظُّفُر.
(يحيونك) من التحيَّة، وفي بعضها:(يُجيبُونك) من الإجابة.
(ينقص)؛ أي: من طُوله.
* * *
3327 -
حَدَّثَنَا قتيْبة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ زُمرَةٍ يَدخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبدرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم عَلَى أَشَدِّ كوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفِلُونَ وَلَا يَمتَخِطُونَ، أَمشَاطُهُمُ الذَّهبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُلوَّةُ الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، عَلَى خلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهم آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ".
الثاني:
(يَتْفلون) بضم الفاء وكسرها: يَبصُقون.
(الألُوّة) بفتح الهمزة وضمُّها، وضم اللام، وشدَّة الواو.
(ألا لَنْجوج) بفتح الهمزة، واللام، وسُكون النون، وبجيمَين: معناها عُود يُتبخَّر به، وفيه لغتان أُخرَيان: ألَنْجَج، ويَلَنْجَج، فلفظ: ألا لنْجوج تفسرُ الأُلوَّة.
(عود الطيب) تفسيرٌ للألنْجُوج، فهو تفسير التفسير، ويروى:(الأَنْجُوج).
(على خلق) بضم المعجمة وفتحها، وهو خبر مبتدأ محذوفٍ.
(على صورة أبيهم آدم) لا يُنافي قوله أوَّلًا على صُورة القمَر؛ لأنَّ هؤلاء غيرُ الزُّمرة الأولى، أو أنَّ الكلَّ على صُورةِ آدَم في الطُّول والخِلْقة، وبعضُهم في الحُسْن كصُورة القمَر نُورًا وإشراقًا.
* * *
3328 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الله لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهلْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ إِذَا احْتَلَمَت؟ قَالَ:"نعم، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ"، فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: تَحْتَلِمُ الْمرْأة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَبِمَا يُشْبِهُ الْوَلَدُ؟ ".
الثالث:
(فبما يشبه) فيه إثْباتُ ألفِ (ما) الاستِفهامية مع الجارِّ، وهو خِلاف الفَصيح، وقد حُذفت في بعض النُّسَخ.
والمعنى: لولا أنَّ لها نُطفةً وماءً، فبأيِّ سببٍ يُشبهها ولَدُها.
وسبق في آخر (كتاب العلم).
* * *
3329 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنس رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نبَيٌّ: أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعامٍ يَأكلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْء يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ، وَمِنْ أَيِّ شَيْء يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ"، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأكلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حْوتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبقها مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤها كَانَ الشَّبَهُ لها"، قَالَ: أَشْهدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، إِنْ عَلِمُوا بإِسْلَامِي قَبْلَ أَن تَسْألَهُم بَهَتُوني عِنْدَكَ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ الْبَيْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟ "، قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أعْلَمِنَا، وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَفَرَأَيْتم إنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ؟ "، قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ إِلَيْهمْ، فَقَالَ:
أَشْهدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَأَشْهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَقَالُوا: شَرُّناَ وَابْنُ شَرِّناَ، وَوَقَعُوا فِيهِ.
الرابع:
(مقدم) فاعل (بلَغ)، أي: قُدوم.
(ينزغ)؛ أي: يُشبه.
(زيادة كبد) هي القِطْعة المنفرِدة المتعلِّقة بالكَبِد، وهي أطيَبها، وهي في غاية اللَّذَّة، وقيل: هي أَهنأ طعامٍ، وأَمرَؤهُ.
(غشي)؛ أي: جامع.
(بُهت) بضم الموحَّدة، والهاء، وسكونها: جمع بَهُوت، وهو كثيرُ البُهتان، أو بَهيت كقَضيب وقُضُب، وهو الذي يَبْهتُ المقول له بما يَفتريه عليه ويختلِقُه.
(خَيرُنا) في بعض النُّسَخ: (أخيَرُنا) على الأصل، لكنه قليلٌ، وفي بعضها:(أخْبَرُنا) بالموحدة، من الخِبْرة.
ووجه دُخول هذا الحديث هنا: أنَّ التَّرجمة لخَلْق آدم وذُرِّيته.
* * *
3330 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ؛ يَعْنِي:"لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لم يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَها".
الخامس:
(لم يَخْنَز) بمعجمةٍ، ونونٍ مفتوحةٍ، وزايٍ، أي: لم يُنتِنْ، قيل: كانوا يدَّخِرونه لنَحو السَّبت فأَنتَن، وقيل: أُمروا بترك ادخار السَّلْوى فادَّخروه حتى أنتن، فاستمر نتَنُ اللَّحم من ذلك الوقت، ولما صار في أفواههم دَمًا وأنتَن سَرى النتَن إلى اللَّحم وغيره.
وقال البَيضاوي: لولا أنَّ بني إسرائيل سَنُّوا ادِّخار اللحم حتى خنِزَ لما ادُّخِر فلم يخنَز، وقيل: لم يكن اللحم يخنَز حتى مُنِعَ بنو إسرائيل ادِّخاره، فلم يَنتهوا عنه، فأخنَز عقوبةً لهم.
* * *
3331 -
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإنَّ أَعوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَم يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ".
السادس:
(استوصوا)؛ أي: تواصوا، ويجوز أن تكون التاء للتعدية والاستِفعال بمعنى الأَفعال كاستَجاب بمعنى: أجابَ.
وقال البيضاوي: الاستِيصاء قَبول الوصيَّة، أي: أُوصيكم بهنَّ خيرًا فاقبَلوا وصيَّتي فيهنَّ، بالصَّبر على اعوجاجهنَّ.
وقال الطِّيْبِي: السِّين للطَّلَب مبالغة، أي: اطلُبوا الوصيَّة من أنفُسكم في حقهنَّ بالخير.
(ضِلَع) بكسر الضاد، وفتح اللام: واحِدُ الضُّلوع، وتَسكين اللام جائز.
(أعوج) أفْعَل، تفضيلٌ من الشُّذوذ قياسًا؛ لكونه من العُيوب.
(أعلاه) يُريد أَعْوَج ما فيها أعلاها، وهو اللِّسان؛ لأنَّه في أعلاها.
قيل: [وصوابه أعلاهما، وكذا لم يَزَل أعوَج عوجًا، ورُدَّ بأنَّ تأْنيثه غير حقيقيٍّ، وفائدة ذِكْر ذلك](1) بيانُ أنها خُلقت من الضِّلَع الأَعوج، وهو الذي في أَعلى الضُّلوع، أو بَيان أنها لا تَقبل الإقامةَ؛ لأن الأصل في التَّقويم هو أَعلى الضِّلَع لا أسفله، وهو في غاية الاعوِجاج.
وقيل: المراد أنَّ أوَّل النساء -وهي حَوَّاء- خُلِقت من ضِلَعٍ من أضلاع آدَم.
(كسرته) قيل: بمعنى الطَّلاق، وَرُدَّ بأنه ليس في الحديث إلا ذِكْر الضِّلَع.
وفيه الحثُّ على الرِّفق بهنَّ، والإحسانِ إليهنَّ، والصَّبر على أخلاقهنَّ، وأنه لا مَطمَع في استِقامتهنَّ.
* * *
(1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.
3332 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ:"إِنَّ أَحَدكم يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيدخُلُ النَّارَ".
السابع:
(أن إحدكم) قال أبو البَقاء: لا يجوز في (أنَّ) هاهنا إلا الفتح، لأن قبلَه:(حدَّثنا)، فهو معمولٌ لحدَّثَ، ولو كُسرت لصار مستأنَفًا منقطِعًا عن حدَّثنا، فإنْ قيل: بكسرٍ ويُحمل (حدَّث) على (قالَ)؟، قيل: هو خلاف الظَّاهر، ولا يُعدَل إليه إلا بدليلٍ، ولو جازَ لجازَ في:{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ} [المؤمنون: 35] الكسرُ على معنى: يقول لكم.
وردَّه عليه القاضي شمس الدِّين الخُوئي، وقال: الكسر واجبٌ، لأنَّه الرِّواية، ووجَّهه أنه على الحِكاية، كقول الشاعر:
سَمِعْتُ النَّاسَ ينتجعون غيثًا
برفْع (الناس).
(فيكتب) بفتْح أوله وضمه، وعليهما: لكَ رفْع العمَل، والأَجَل، والرِّزْق، ونصبهما، ويُروى:(بكَتْبِ) بالموحَّدة أوَّله، مصدرًا.
(إلا ذراع) هو على سَبيل التمثيل للقُرب من موته، ومِن لُطْف الله تعالى أنَّ انقلاب الحالِ من الشَّرِّ إلى الخير كثيرٌ، وبالعكس في غاية القِلَّة؛ لأن رحمة الله تعالى سبقت غضَبَه.
(الكتاب)؛ أي: ما قدَّر اللهُ في الأزَل، وكتَبَه فيه.
* * *
3333 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ
بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ أَنسٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"إِنَّ الله وَكَّلَ فِي الرَّحِم مَلَكًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ! عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ! مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقها قَالَ: يَا رَبِّ! أَذَكرٌ يَا رَبِّ أنثَى؟ يَا رَبِّ! شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أمِّهِ".
الثامن:
(يا رب نطفة) بالرَّفْع والنصْب، وكذا عَلَقَة، ومُضْغَة.
(يخلقها)؛ أي: يُصوِّرها.
مرَّ الحديث في (الحيض)، نعَم، لم يُذكر العمَل في هذه الرِّواية؛ لأنه لازمٌ للسَّعادة والشَّقاوة.
وأما معنى البَعْث مع أن الملَك موكَّل بالرَّحِم فمعناه الأَمْر بذلك، أو هذا ملَكٌ آخَر غير الموكَّل بالرحم.
ومعنى الكتابة مع أنَّ قَضاء الله تعالى أزليٌّ: إظهارُ ذلك للملَك، والأمرُ بإنفاذه وكتابته.
* * *
3334 -
حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شعْبةُ، عَنْ أَبِي عمْرَانَ الْجَوْنيِّ، عَنْ أَنسٍ، يَرْفَعُهُ:"أَنَّ الله يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فَقَد سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي، فَأبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ".
التاسع:
(يرفعه)؛ أي: يرفَع الحديثَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
* * *
3335 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ