الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}
وَقَوْلهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} ، وَقَوْلهِ:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} ، وَقَالَ أَبو مَيْسَرَةَ: الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.
(باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125])
قوله: (الرحيم)؛ أي: تفسير لـ (حليمٍ)، أو لـ (أوَّاهٍ) على ما في بعضها.
3349 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّكُم مَحشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ أُناَسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِم ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصحَابِي أصحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّهُم لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهم مُنْذُ فَارَقْتَهُم، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قَوْلهِ {الحكيمُ} ".
الحديث الأول:
(حُفاة) جمع حافٍ، بإهمال الحاء.
(غرْلًا) بضم المعجمة، وسكون الراء: جمع أغْرَل، وهو الأقْلف الذي لم يُختن، وغُرلَته باقيةٌ معه لم يقطعها الختان من ذكَره، وهي القُلْفة، والقصد أنهم يحشرون كما خُلقُوا لا شيء معهم، ولا فقد منهم حتى الغُرلة.
(من يُكْسى) في بعضها: (ما يُكسى)، و (ما) أعمُّ.
ولا يلزم من ذلك أنه أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاختصاص بفضيلةٍ لا يلزم منها أنه أفضل مُطلقًا، أو أن المتكلِّم لا يدخل في عموم كلامه.
(ذات الشمال)؛ أي: جهة النار.
(أصيحابي) خبر مبتدأ محذوفٍ.
(على أعقابهم) قال (ح): تقييد الارتداد به يدلُّ على أنه لم يُرِد الرِّدَّة عن الإسلام، بل المراد التخلُّف عن الحقوق الواجبة، تقول: ارتدَّ فُلانٌ على عقِبه: إذا تراجع إلى وراء، إذ لم يرتدَّ بحمد الله أحدٌ من الصحابة، إنما ارتد قومٌ من جُفاة الأعراب الذين دخلوا في الإسلام رغبةً ورهبة كَعُيَيْنة بن حِصْن وغيره.
قال: وإنما صغَّر (أصحابي) للتقليل ممن هذا وصفُهم، قيل: أراد من ارتدَّ من العرب بعد موته صلى الله عليه وسلم.
وقال البيضاوي: هم صنفان: عصاةٌ رتدُّوا عن الاستقامة بتبديل الأعمال الصالحة بالسيئة، ومرتدين عن الدِّين ناكِصونَ على أعقابهم.
* * *
3350 -
حَدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَني أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْب، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قترَةٌ وغبرَةٌ، فيقُولُ لهُ إِبْرَاهِيمُ: ألمْ أقلْ لك: لا تعصِنِي، فيقُولُ أبُوهُ: فالْيَوْمَ لَا أعْصِيكَ، فَيقُولُ إِبْراهِيمُ: يَا رَبِّ! إِنَّكَ وَعَدتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَني يَوْمَ يبعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ! مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَينظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلقَى فِي النَّارِ".
الثاني:
(قترة)؛ أي: سَوادُ الدُّخان.
(وغبرة)؛ أي: غُبار، ولا يُرى أقبح من اجتماع غبرةٍ وسوادٍ في الوجه، قال تعالى:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 39 - 41].
(الأبعد)؛ أي: من رحمة الله، وإنما أتى بأفْعَل التفضيل؛ لأن الفاسق بعيدٌ، والكافر أبعد منه.
وقيل: هو بمعنى الباعد، أي: الهالك، وعلى المعنيين المضاف محذوفٌ، أي: من خزي، أي: الأبعد.
(بذِيْخٍ) بكسر المعجمة، وسكون الياء التحتانية، وبخاءٍ معجمةٍ: ذكَر الضَّبُعِ الكثير الشعر.
(ملتطخ)؛ أي: بالرَّجيع، أو بالطين، أو بالدم والعَذِرة، ويُروى:(بذيخٍ أمدَرَ) أي: ملتطخ بالمدَر.
والمعنى: أن آزَر يُمسخ ويتغير عن هيئته؛ لِتزول رأْفة إبراهيم وشفاعته له ويتبرأَ منه.
وتوقف الإسماعيلي في "المستخرج" في الحديث من حيث إن الله تعالى قد وعد إبراهيم أنْ لا يخزيَه يوم البعث.
قال (ش) وأين الإسماعيليُّ من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} إلى قوله: {تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114].
* * *
3351 -
حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرني عَمرٌو: أَن بُكَيْرًا حَدَّثَهُ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ وَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيَم وَصُورَةَ مَرْيَمَ، فَقَالَ: "أَمَا لَهُمْ، فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ
لَا تَدخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، هذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ، فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ؟ ".
الثالث:
(البيت)؛ أي: الكعبة.
(أمامهم)؛ أي: قريش.
(وهذا إبراهيم)؛ أي: سورة إبراهيم.
(فما له)؛ أي: ما له بيده الأزلام يستقسم بها وهو كان معصومًا منه؟!، ومعادلُ (أمَّا) محذوفٌ، أي: وأما سورة مريم، أو قسيمه: وهذا إبراهيم.
* * *
3352 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ معْمَرٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدخُلْ، حَتَّى أَمَرَ بِها فَمُحِيَتْ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ عليهما السلام بِأيْدِيهِمَا الأَزْلَامُ، فَقَالَ:"قَاتَلَهُمُ اللهُ، وَاللهِ إِنِ اسْتَقْسَمَا بِالأَزْلَامِ قَطُّ".
الرابع:
(إبراهيم وإسماعيل)؛ أي: صورتهما.
(قاتلهم)؛ أي: لعنهم.
(إن استقسما)، (إنْ) نافيةٌ، أي: ما استقسما بالأزلام، أي: القِداح.
والاستقسام بها: طلَب معرفة ما قُسِم له مما لم يُقسم له بالأَزْلام، كان أحدُهم إذا أراد سفَرًا، أو أمرًا من مَعاظِم الأُمور ضَرَبَ بالقِداح، وكان مكتُوبًا على بعضها: أمَرني ربِّي، وبعضها: نهاني رَبِّي، وبعضها مُهملٌ، فإن خرَج الأمرُ شُغل به، أو النَّاهي أمسَكَ عنه، أو المهمل كرَّرها، وأحالَها عَودًا، وإنما حَرُم ذلك؛ لأنه دُخولٌ في عِلْم الغَيب، وفيه اعتقادُ أنه طريق إلى الحقِّ، وفيه افتراءٌ على الله.
وقيل: الاستِقسام بالأزْلام: المَيْسِر، وقِسمتُهم الجَزور على الأنْصِباء المعلومة.
* * *
3353 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أكرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: "أتقَاهُمْ"، فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نسألكَ، قَالَ:"فَيُوسُفُ نبَيُّ اللهِ ابْنُ نبِيِّ اللهِ ابْنِ نبَيِّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نسألكَ، قَالَ:"فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألونَ؛ خِيَارُهُم فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُم فِي الإسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا".
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَمُعْتَمرٌ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الخامس:
(أتقاهم) قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
(معادن)؛ أي: أُصولها؛ لما فيها من الاستِمدادات المتفاوتة، فمنها قابلٌ لفَيض الله على مَراتب المَعدِنيَّات، وما ليس بقابلٍ.
وشبَّههم بالمعادن لأنهم أَوعيةٌ للعُلوم، كما أنَّ المعادِن أوعيةٌ للجَواهر النَّفيسة.
(إذا فقهوا) قال أبو البَقاء: الجيِّد ضمُّ القاف، مِن فَقُه يَفقَهُ، صارَ فَقيهًا، لا (فَقِه) بمعنى: فَهِمَ -بالكسر- كما في: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]، وهو متعدٍّ بخلاف الصَّوم فإنه لازمٌ.
فإن قيل: لِمَ قيَّد به، وكلُّ مَن أسلَم وكان شَريفًا في الجاهلية كان خيرًا ممن لا شرَف له؟ قيل: ليس كذلك؛ فإنَّ الوَضيع العالم خيرٌ من الشَّريف الجاهِل، كما قال:
والعِلْمُ يَرْفَعُ كلَّ مَن لم يُرْفعِ
* * *
3354 -
حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أتانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ، لَا أكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا، وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم".
السادس:
(فأتينا)؛ أي: فذَهبا بي حتى أتَينا.
* * *
3355 -
حَدَّثَنِي بَيَانُ بْنُ عمرٍو، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَذَكرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوب كَافِرٌ أَوْ ك ف ر، قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ:"أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى فَجَعدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبةٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي".
السابع:
(ك ف ر)؛ أي: أو هذه الحُروف الدالَّة على الكُفر، ثم الصَّحيح وعليه المحقِّقون: أنَّ الكتابة على ظاهرها حقيقة، جعلَها الله علامةً حسِّيةً على بُطْلانه تكُون ظاهرةً لكلِّ مؤمنٍ من كاتبٍ أو غيره.
(صاحبكم) يُريد نفسَه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أشبَهُ الناس بإبراهيم.
(جعد) يحتمل جُعُودة الشَّعر، أو جُعودة الجِسْم، وهذا هو الصَّحيح كما سبَق؛ لمَا في بعض الرِّوايات أنه:"رَجِلُ الشَّعر".
(مخطوم) بمعجمةٍ فمهملةٍ.
(بِخُلْبة) بضم المعجمة، وسُكون اللام أو ضمها، وبموحَّدةٍ، أي: خَضلة من اللِّيْف.
وسبق الحديث في (الحجِّ).
* * *
3356 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَهْوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ".
3356 / -م - حَدَّثَنَا أَبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ:"بِالْقَدُومِ" مُخَفَّفَةً.
تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ.
تَابَعَهُ عَجْلَانُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
الثامن:
(بالقدوم) رُوي بفتح القاف، وتخفيف الدَّال: آلَةُ النَّجَّار، وبضمِّ القاف، وتشديد الدَّال: قَريةٌ بالشَّام، وفيها التخفيف أيضًا.
قال (ك): والأكثَر أنَّه المراد بالتخفيف، وأنه الآلَة.
(تابعه عبد الرحمن) وصلَه مُسَدَّد في "مسنده".
(وتابعه عجلان) وصلَه أحمد، ومَن قال:(ابنْ عَجْلان) فقد وَهِمَ؛ فإنَّ محمَّد بن عَجْلان لم يَلْقَ أبا هريرة بل أَبوه عَجْلان، وقد
أشار إلى ذلك المُنذري في "استدراكه على ابن طاهِر"، حيث ذكَر أنَّ عَجْلان مِن أفراد مسلم، فقال: قد استَشْهد به البخاريُّ في (بدء الخلق)، في (ذكر إبراهيم عليه الصلاة السلام).
* * *
3357 -
حْدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إلا ثَلَاثًا".
3358 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام إلا ثَلَاثَ كَذبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللهِ عز وجل: قولُهُ {إنِّي سَقِيمٌ} ، وَقَولُهْ {بل فَعله كبيُرهُم هذَا} وَقَالَ: بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أتى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبابِرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ها هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امرَأةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأرْسَلَ إِلَيْهِ، فَسَألهُ عَنْها، فَقَالَ: مَنْ هذه؟ قَالَ: أُخْتِي، فَأَتَى سَارَةَ، قَالَ: يَا سَارَةُ! لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، وَإِنَّ هذَا سَألنِي، فَأَخْبَرتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي، فَلَا تُكَذِّبِيني. فَأَرْسَلَ إِلَيْها، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهبَ يتَنَاوَلُها بِيَدِهِ، فَأُخِذَ، فَقَالَ: ادعِي الله لِي وَلَا أَضُرُّكِ؛ فَدَعَتِ الله فَأُطْلِقَ، ثُمَّ تَنَاوَلها الثَّانِية، فَأُخِذَ مِثْلَها أَوْ أَشَدَّ، فَقَالَ: ادعِي الله لِي وَلَا أَضُرُّكِ، فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ، فَدَعَا بَعضَ حَجَبَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّكم لَمْ تأتُوني بِإِنْسَانٍ، إِنَّمَا
أتيْتُمُوني بِشَيْطَانٍ، فَأخْدَمَها هاجَرَ، فَأَتتهُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فأَوْمأَ بِيَدِهِ: مَهْيَا، قَالَتْ: رَدَّ اللهُ كيْدَ الْكَافِرِ -أَوِ الْفَاجِرِ- فِي نَحْرِهِ، وَأَخْدَمَ هاجَرَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ.
التاسع:
(لم يكذب إلا ثلاث) مُؤوَّل بما سيأتي لعِصْمته، وسائرِ الأنبياء في طَريق البَلاغ، وكذا غيره.
(كذبات) قال أبو البَقاء: الجَيِّد فتْح الذَّال؛ لأنَّ الواحِد كَذْبةٌ، وهو اسمٌ ساكِن الوسَط بخلاف نحو: ضَيْعة وضَيْعات، فإنه يُسَكَّن في الجمع.
(وسارة) بتخفيف الراء: أُمّ إسحاق، عليه السلام.
(جبار) قيل: ملِكُ حَرَّان، بفتح المهملة، وتشديد الراء، اسمه قيل: صادوف، وقيل: سُفيان بن علْوان، وقيل: عَمرو بن امرئِ القَيْس بن بابليون بن سَبَأ، وكان على مصْرَ.
(أُختي) إنما جعلَه طريقًا للسلامة؛ لأنَّ ذلك الجبَّار كان لا يتعرَّض إلا لذَوات الأَزْواج.
(يُناولها) بضم الياء، أي: يُعطِيْها يدَه لتُوافقَه، و (تَناولَها) بالمثنَّاة فوقُ: مَدَّ يدَه ليَأْخُذها.
(فأخذ) مبنيٌّ للمفعول، أي: اختَنَق حتى ركَضَ برِجْله كالمَصرُوع.
(مَهْيَم) بفتح الميم، والياء، والهاءُ منها ساكنة، وميم ساكنة، استِفْهامٌ، أي: ما حالُكِ؟، أو: ما شأْنُكِ؟، قيل: إنَّ أول مَن نطَق بها إبراهيم.
قلت: لكنَّ ظاهر هذا الحديث أنَّ المتكلِّم بها إنما هو أبو هريرة تَفْسيرًا لإيماء إبراهيم عليه السلام، لا أنَّ إبراهيم تكلَّم بها.
ورواه ابن السَّكَن، والقَابِسي:(مَهْيَن) بالنون، قيل: وكأنه سمعَه منوَّنًا ظنَّه نُونًا، وفي بعضها:(مَهْيَا) بالألف.
(وأخدم)، أي: وهب خادِمًا.
(هاجر) ويقال: آجَر، بهمزةٍ بدل الهاء، أُمُّ إسماعيل، عليه السلام، وهي ابنَة مَلِكٍ من مُلوك القِبْط.
(يا بني ماء السماء)؛ أي: العرَب، لأنهم يَعيشُون بماء المطَر، ويتبعُون مَساقِط الغَيث.
قال (خ): ويقال: إنما أراد زَمزَم أنبَعَها الله تعالى لهاجَر، فعاشُوا بها، فصاروا كأنَّهم أولادها.
قال (ش): وهو ما في "صحيح ابن حِبَّان"، فقال: كلُّ مَن كان من ولَد هاجَر يُقال له ولَدُ ماءِ السَّماء اسْمًا، لأنَّ إسماعيل عليه السلام، مِن هاجَر، وقد رُبِّيَ من ماءِ زَمزَم، وهي ماء السَّماء الذي أكَرمَ الله به إسماعيل حين ولدَتْه أُمه هاجَر، وأولادها أَولادُ ماءِ السَّماء.
وقولٌ ثالثٌ: إنَّ ماء السَّماء لقَب عامرٍ بن مزيقيا بن عمرو، مِن الأَزْد، والأَزْد من اليمَن، والأنصار من اليمَن؛ سُمي بذلك لأنه كان إذا قُحِط النَّاس أقام لهم مالَه مقَام المطَر.
قلتُ: وقيل اسمه: المُنْذِر.
قال:
أناَ ابنُ بن مزيقيَّا عمرو وجدِّي
…
أَبُوهُ مُنْذِرُ ماءِ السَّماء
واعلم أنَّ ما قالَه إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الثَّلاث ليس كَذِبًا بالحقيقة؛ لما قدَّمنا من وُجوب العِصْمة، بل على التَّشبيه، ويسمى مثْلُه المَعاريض.
قال ابن الأَنْباري: يُشبهه وهو صِدْقٌ عند البَحْث والتَّفتيش، فهو باعتبارِ فهْم السَّامعين، فقوله:{إنِّي سقيمٌ} [الصافات: 89]، أي: سأَسقَم؛ لأنَّ الإنسان عُرضةٌ للأسقام، أو سَقِيْم لمَا قُدِّر علي من الموت، أو كانت تأْخُذه الحُمَّى في ذلك الوقت.
وقوله: {بل فَعَلَهُ كبِيُرهمْ} ، أَسنَد إليه باعتبار السَّببية، أو مشروطٌ بقوله:{إِن كانُوا ينطقُون} ، أو الوقْف عند قوله:{بل فَعَلَهُ} [الأنبياء: 63]، أي: فعَله فاعلُه، و (كبيرُهم هذا) ابتداءُ كلامٍ.
وقوله: (إنَّكِ أُختي) هي أُخته في الإسلام؛ نعمْ، قوله في الأَوَّلين: أنَّهما في ذاتِ الله تعالى فيه أنَّ قِصَّة سارَة وإنْ كانت أيضًا في رِضَا الله ونحوِه كما سبَق في قول خُبَيْب: (في ذاتِ الإِلَه) لا أنَّ قِصَّة
سارَة تتضمَّن نفعًا له.
على أنَّ الفُقهاء أجمعوا على أنَّ الكَذِب جائزٌ، بل واجبٌ عند الحاجة، كما في نحوِ لَو طلَب ظالمٌ وديعةً ليأخُذَها غَصْبًا، فإنه يجب على المودَع عنده أنْ يكذب مِثْلَ أنَّه لا يَعلم موضِعها، بل ويحلِف عليه، وإذا لم يكُن مثْلُ هذا معصيةً، فلا يقدَح في العِصْمة، واعتِذارُ إبراهيم عليه السلام به لمَقام عُلوِّ شأْنه، فرأَى مثلَه نقيصةً في حقِّه.
* * *
3359 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَوِ ابْنُ سَلَامٍ عَنْهُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ، وَقَالَ:"كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام".
العاشر:
سبَق شرحُه قريبًا.
(على إبراهيم)؛ أي: على نار إبراهيم.
* * *
3360 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نزَلَتِ {وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بظُلْمٍ} قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيُّنَا لَا يَظْلِمُ