الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
57 -
كِتابُ فرضِ الخُمُس
1 - بابُ فَرْضِ الْخُمُسِ
(باب فَرْض الخُمُس)
3091 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ، فَنَأْتِيَ بإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ اجْتُبَّ أَسْنِمَتُهُمَا
وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا لَكَ"؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمُّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إلا عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجْنَا مَعَهُ.
الحديث الأول:
(شارف) هي المُسِنَّة من النُّوق.
(قَيْنُقَاع) بفتْح القافَين، وضم النُّون، وفتحها وكسرها، مُنصرِفٌ وغير مُنصرفٍ: قَبيلةٌ من اليهود.
(والغَرائر) بفتْح المعجمة، وراءٍ مكرَّرةٍ: هي أَوعيَة التِّبْن، ونحوه.
قال الجوهري: أظنُّه مُعرَّبًا.
(مناخان) باعتبار لفْظ الشَّارِف، ومَناخَتان باعتِبار معناه.
(بكيت)؛ أي: خَوفًا من توهُّم تقصيري في حقِّ فاطمة عليها السلام أو في تأْخير الابتِناء بسبَب ما فاتَ منه ما يُستَعان به لا لأَجْل فواتهما؛ لأنَ مَتاع الدُّنيا قليلٌ، لا سيَّما عند أمثاله.
(شَرْب) بفتح الشين، وسُكون الرَّاء: جماعة يشرَبون الخَمْر، اسم جَمْعٍ عند سِيْبَوَيْهِ، وجمع شَارِب عند الأَخْفَش.
(أدخل) بالرَّفع، والنَّصب.
(ثمل) بفتح المثلَّثة، وكسر الميم، أي: سَكِر.
(صعد)؛ أي: حَمزةُ.
(عَبيد)؛ أي: كعَبيد.
(لأبي)؛ أي: عبد الله وأبو طالب كانا عند عبد المطَّلِب كأنهما عبْدان له في الخُضوع لحُرمته، وإنَّه أقرب إليه منهما.
مرَّ الحديث في (كتاب الشُّرب)، في (باب: لا حِمى إلَّا لله)، وفي أثناء (البيوع).
* * *
3092 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَخْبَرتْهُ: أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا، مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أفاءَ اللهُ عَلَيْهِ.
3093 -
فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا نُورَثُ، مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ"، فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ. قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ إلا عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ؛ فَأَمَّا صَدَقتهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانتَا لِحُقُوقهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنوَائِبِهِ، وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الأَمْرَ، قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ.
الحديث الثاني:
(ما ترك) بيانٌ من: ميراث، أو بدَل.
(لا نُورَث) بفتح الراء، والمَعنى على الكسر -أي: مع التَّشديد-
صحيحٌ أَيضًا، وحِكْمة ذلك أنَّه لا يُؤمَن أن يتمنَّى وارثٌ موتَه، فيَهلِكَ، أو حتَّى لا يُظَنَّ بهم الرَّغبة في الدُّنيا لورَّاثهم، فينفِّروا النَّاسَ عنهم، أو هم كَآباءِ الأُمم فما لهم لكُلِّ أولادهم، وهو معنى الصَّدقة.
(ما تركنا صدقة)، (ما) بمعنى: الذي، مبتدأٌ، و (تركنا) صلةٌ له، والعائد محذوفٌ، أي: ما تركناه، و (صدَقة) مرفوعٌ خبرُه، وفي روايةٍ:(فهو صَدَقة).
قال النَّحَّاس: يصحُّ نصبه على الحال؛ وأنكَره (ع)؛ لتأْييده مذهب الشِّيعة، لكن ابن مالك قدَّر: ما تَركنا متروكٌ صدقةً، فحُذف الخبر، وبَقيَ الحال كالعِوَضِ منه، ونظيره قراءة بعضهم:{وَنَحْنُ عصبةً} [يوسف: 8].
(فَغَضِبَتْ)؛ أي: حصَل منها ذلك على مقتضى البشَرية، وسكَن بعد ذلك، أو الحديث كان مؤوَّلًا عندها، فما فضَل عن فُروض الورَثة وضَروراتهم، أو نحو ذلك.
(فهجرت)؛ أي: انقبَضتْ عن لِقائه لا الهِجْران المُحرَّم من تَرْك السَّلام ونحوه.
(ولم تزل مهاجرته) اسم فاعلٍ مِن: هاجَرَ لا مصدرٌ، وفي هذا رَدٌّ لمَا حكاه التِّرمِذي عن شيخه عليِّ بن عِيْسى أنَّها لم تُكلِّمْه في هذا الميراث خاصةً.
(قالت: وكانت فاطمة)؛ أي: قالتْ عائشةُ، وفي بعضها:
(قال) فالضَّمير لعُروة، لكنْ يكون حينئذٍ مُرسَلًا؛ لأنَّه لم يَلْقَ فاطمة.
(فَدَك) بفاءٍ، ومهملةٍ مفتوحتَين، يُصرَف ولا يُصرَف: على مرحلتَين من المدينة، وقيل: ثلاثة.
(صَدَقَته)؛ أي: أَملاكَه التي بالمدينة التي صارتْ بعدَه صدَقةً.
قال (ن): صارتْ له لثلاث حُقوق:
أحدها: ما وُهِبَ له، وذلك وصيَّة مُخَيْرِيق -بضم الميم، وفتح المعجمة، وسكون الياء، وكسر الراء، وبقاف- اليهوديِّ له عنْد إسلامه، وهي سبْعُ حَوائِط في بني النَّضير، وما أَعطاهُ الأَنْصار من أَرضهم، وكان هذا ملْكًا له.
والثاني: حقُّه من الفَيء من أرض بني النَّضِير حين أجلاهم، كانت له خاصةً يُخرجُها في نوائِب المُسلمين، وكذا نِصْفُ أرضِ فَدَك، صالَح أهلَها بعد فتْح خَيْبَر على نصفِ أرضها، وكان خاصًّا له، وكذا ثُلُث أرضِ وادي القُرى، أُخِذَت حين مُصالحةِ أهلِها، وكذلك حِصْنان من حُصون خَيْبَر أخذهما صلْحًا.
الثالث: سَهْمه من خُمُس خيبر، وما افتُتح منها عَنْوةً، وكانت ملكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه صلى الله عليه وسلم كان لا يَستأثِر بها، بل يُنفقها على أهله، والمسلمين، والمَصالح العامة.
وكلُّ هذه صدقاتٌ يحرُم تملُّكها بعده.
(أن أزيغ)؛ أي: أن أمِيلَ عن الحقِّ إلى غيره.
(فدفعهما عُمر إلى علي وعباس)؛ أي: يتصرَّفان فيها، ويَنتفعان بقَدْر حقِّهما كما تصرَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على جهةِ تمليكِه لهما.
(تعروه)؛ أي: تَنْزل به.
(ونوائبه) جمع: نائبةٍ، أي: حادِثَة.
(اعتراك)؛ أي: المَذكور في آية: {اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود: 54].
* * *
3094 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكٍ بْنِ أَوْسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، فَقَالَ مَالِكٌ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِيٌّ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ يَا مَالِ! إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ. فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أتاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نعمْ، فَأَذِنَ
لَهُمْ، فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَا يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نعمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَدَخَلَا فَسَلَّمَا فَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَاُبهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، قَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ! هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نفسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا الله، أتعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ؛ إِنَّ اللهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {قَدِيرٌ} ، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ! هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نعمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ! هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ نبَيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ، وَأَمْرُكمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا -يُرِيدُ: عَلِيًّا- يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لتعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبَو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، فَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ! هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَليٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ! هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذلِكَ؟ قَالَا: نعمْ، قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ! لا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا.
(باب قِصَّة فَدَك)
(إسحاق بن مُحَمَّد الفَرْوي) بفتح الفاء، وسُكون الرَّاء، وبواوٍ، وقال الغَسَّاني: في بعض النُّسَخ: (محمَّد بن إسْحَاق) وهو خطأٌ.
(مَتَع) بفتح المثنَّاة الخفيفة، وبمهملةٍ: ارتفَع، وطالَ ارتفاعُه.
(أجب)؛ أي: طلَبَكَ فأجبْهُ.
(رمال) بضم الراء وكسرها: ما يُنسَج من سَعَف النَّخيل ليُضطَجَع عليه، يقال: رمَلَ سريرَه وأَرملَه: إذا جعلَه ذلك من شَريطٍ أو غيره، وقيل: رمال السَّرير: ما مُدَّ على وجهه من خُيوطٍ، وشريطٍ، ونحوهما.
(يَا مالُ) مُنادى مُرخَّمٌ، بضم اللام وكسرها، على اللُّغتين في التَّرخيم.
(بِرَضْخ) بفتْح الراء، وسُكون المعجمة الأُولى: العَطاء القَليل.
(يَرْفَأ) بفتح الياء، وسكون الراء، وفتح الفاء، مهموزٌ وغير مهموزٍ، وهو الأشهر، وقد يُقال: اليَرْفَاء، بالألف واللام، كما هو رواية أبي داود، وهو علَمُ حاجبِ عُمر.
(هل لك)؛ أي: رغبةٌ في دخولهم.
(وأرح) براءٍ، ومهملةٍ: من الإراحة.
(تيدكم) بالمثنَّاة فوق، وبياءٍ بعدها، أي: على رِسْلِكُم، أي: هِيْنَتِكُم، أي: اصبِرُوا، وأَمهِلُوا، فقيل: هو مصدر: تَادَ يَتيدُ، كسارَ يَسيرُ، والمعنى: تِيدُوا تَيْدَكُم، كما يقال: سِيروا سَيركُم، والأصل في هذا الفعل: اتَّأَدَ يَتَّئِدُ بالإدغام، بوزن: افْتَعَل، مِن التُّؤَدَة، وهي السُّكون، فنصبه على المصدر.
وقال (ع): تَيدَكُم بفتح التاء للقَابِسِي، وبكَسرها للأَصِيْلِي،
أي: مع الهمْز، كذا لأبي زَيْد، ورُوي:(تَيْدُكم) برفع الدال.
وقيل: تَيْدَكم: اسم فعلٍ بمعنى: اتَّئِدُوا، قالَه الفارسيّ، وقد حكَى سِيبَوَيْهِ: بَئْسَ فُلان -بفتْح الباء-.
قال (ع): فالياء في: (تَيْدَكم) مُسهَّلةٌ من الهمز، والتاء مُبدلةٌ من واوٍ؛ لأنَّه في الأصل: وَادَه.
وجزَم في "المُحْكَم" بأنَّه اسم فعلٍ، فالتاء بدلٌ من الواو، كما كانت في التُّؤَدة، والياء بدلٌ من الهمْز قُلبت منها لغير علَّةٍ.
(أنْشُدكم) بضم الشِّين، أي: أسأَلُكم، يُقال: نَشَدتُكم اللهَ، وباللهِ.
(ما لم يعطه أحدًا غيره)؛ أي: حيث خصَّصه بالفيء كلِّه كما يقولُه الجمهور، أو جُلِّه كقَول الشَّافعيَّة، وقيل: حيثُ جاء إحلال الغَنائم، ولم تَحِلَّ لأحدِ من الأنبياء.
(ما احتازها) بمهملةٍ، وزايٍ، بمعنى: جمعَها.
(ولا استأثر)؛ أي: استبدَّ وتفرَّدَ.
ووجْه الجمْع بين هذا وبين رَهْنِه الدِّرعَ عند اليهوديِّ على شَعيرٍ استَدانَه لأهله: أنَّه كان يَعزِلُ مِقدار نفقَتهم منه، ثم يُنفِق ذلك أَيضًا في وُجوه الخَير قبْلَ انقِضاء السَّنَة عنه.
(فجعل)؛ أي: بأنْ يجعلَه في السِّلاح، والكُراع، ومصالح المسلمين.
(بدا)؛ أي: ظهَر، وسَنَحَ، فإن قيل: إنْ كان الدَّفْع إليهما صوابًا؛ فلِمَ لا دفَعه آخِرًا؟ قيل: منعَه أولًا على الوجْه الذي طلَباه، وهو التَّملُّك، وأعطاه ثانيًا على وَجْه التصرُّف كتصرُّف النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبِه.
وقال (خ): هذه القِصَّة مُشْكلةٌ جِدًّا؛ لأنهما لمَّا أخذاها على ما شَرَطه عُمُر عليهما معتِرفين بأنَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما تَركْنَا"، وشَهِد المهاجرون بذلك؛ فما الذي بدَا لهما حتَّى تخاصَما؟!، فيقال: إنْ تخاصما لأنَّه يشُقُّ عليهما التَّشارُك في التصرُّفات، وطلبَا القِسمةَ ليستَبدَّ كلُّ منهما بالتَّدبير والتصرُّف فيما يصير إليه، فمنعَ عُمر ذلك لئلا يَجريَ على ذلك اسم الملْك؛ إذ القِسْمة إنما تقَع في الأَمْلاك، وبتطاوُل الزَّمان يُظَنُّ فيه المِلْكية.
قال أبو داود: ولهذا لَمَّا صارت الخِلافة إلى عليٍّ لم يُغيِّرْها عن كونها صدَقة.
ويُحكى أنَّ السَّفَّاح لما خطَب أوَّل خطبةٍ قام بها قامَ إليه رجلٌ معلِّقٌ في عنُقه المُصحَف، قال: أُناشِدُك الله إلَّا ما حكَمت بيني وبين خَصْمي بهذا المُصحَف، فقال: مَن خَصمُك؟، فقال: أبو بكرٍ في منْعه فَدَك، قال: أَظلمَك؟، قال: نعم، قال: فعُمر؟، قال: نعم، قال: فعُثمان؟، قال: نعَم، قال: فعليٌّ، فسكَت الرَّجل، فأغلَظَ له الخليفة.