الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِصاصًا، أو حدًّا، وإنما قتلَه لأنَّه ارتدَّ عن الإسلام، وقتَل مسلِمًا كان يخدمُه، وكان يَهجُو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له قَيْنتان تُغنِّيان بهجاء المسلمين، وهذا مستثنًى من عُموم حديث:"مَنْ دخَلَ المَسجِدَ فهُو آمِنٌ"، أو أنَّه لم يَفِ بالشَّرط، لأنَّه قاتَلَ بعد ذلك.
* * *
170 - بابٌ هَلْ يَسْتأْسِرُ الرَّجُلُ؟ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأْسِرْ، وَمَنْ رَكَعَ رَكَعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ
(باب: هل يَسْتأسِرُ الرَّجُل؟)
أي: هل يصير الرَّجل باختِياره أسيرًا لغيره، يُقال: استَأْسِرْ، أي: كُنْ أسيرًا لي.
3045 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِي -وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ-: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِم بْنِ عُمَرَ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ -وَهْوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائتَيْ رَجُلٍ، كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يثْرِبَ،
فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَاُبهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمُ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا، قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللهِ لا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نبَيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلًاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللهِ لا أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ فِي هَؤلاء لأُسْوَةً؛ يُرِيدُ: الْقَتْلَى، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى، فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ؛ هُوَ قتلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عِيَاضٍ: أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرتْهُ: أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا
خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكعَتَيْنِ، فترَكُوهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: لَوْلًا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا.
ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا
…
عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ
…
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا، فَاسْتَجَابَ اللهُ لِعَاصِم بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا.
(عمرو) بالواو، وقال بعض أصحاب الزُّهري بلا واوٍ.
(عشرة) سمَّى منهم ابنُ إسحاق، وموسَى بنُ عُقْبة ستَّةً.
(عينًا)؛ أي: جاسُوسًا.
(ابن ثابت) بمثلَّثةٍ، ابن الأقْلَح -بفتح الهمزة، وسُكون القاف، وبالمهملَة- الأَنْصاري.
(جد عاصم) قال مُصعَب الزُّبَيري، وغيرُه: إنما هو خالُ عاصمٍ لا جَدُّه؛ لأنَّ عاصم بن عُمر، أُمُّه جَميلة بنت ثابِت بن الأقْلَح أُخت عاصِم بن ثابِت، وكان اسمُها عاصِيَة فسمَّاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: جَميلة.
ومنْهم من يجعلُها بنت عاصِم بن ثابِت فيصحُّ أنَّه جَدُّه، لكنَّ الصَّحيح ما سبَق، وهو أنها أُخت عاصِم بن ثابِت لابنتِه.
(بالهَدَأة) بفتْح الهاء، وسُكون المهملة، وفتح الهمزة، ويُروى:(بالهَدَة)، بلا همزٍ مع تخفيف الدَّال، ومنهم من يُشدِّدها.
(وهي بين عُسْفَان) بضم المهملة الأُولى، وسُكون الثَّانية على مَرحلتَين من مكَّة.
(ومكة) كذا ذكَره البَكْري، وقال أبو حاتِم: يُقال لموضعٍ بين مكَّة والطَّائف، ويُنسَب إليها هَدَويٌّ.
(لِحْيان) بكسر اللام، وإسكان المهملة، وبياءٍ، ثم نون.
قال السَّفاقُسيُّ: هي بالفتْح، ولكنْ في اللُّغة بالكسر.
(فاقتصوا)؛ أي: اتَّبعُوا.
(مأكلهم)؛ أي: مكان مأْكلهم، وليس بمبهمٍ، فهو منصوبٌ بتقدير الجار، وذلك جائزٌ نحو: رمَيْتُ مَرْمَى زيد.
(يَثْرِب) اسم مدينةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير منصرِفٍ.
(فَدْفَد) هو الرَّابية المُشرِفة، وقيل: الأرض المُستَوية.
(ذمة)؛ أي: عَهْد.
(بالنبل) هي السِّهام العربيَّة.
(في سبعة)؛ أي: في جُملةِ سبعةٍ.
(خُبَيْب) بضمِّ المعجمة، وفتْح الموحَّدة الأُولى، وسُكون الياء بينهما.
(ابن الدثنة) بفتْح المهملة، وكسر المثلَّثة أو سُكونها، ونونٍ خفيفةٍ، وقد تُشدَّد، اسمه: زَيْد، اشتَراه صَفْوان بن أُميَّة منهم، وقتلَه بمكة.
(ورجل آخر) هو عبد الله بن طارِق؛ قالَه ابن هشام في "السِّيرة"، وهو الذي قال: هذا أوَّل الغَدْر، فقتَلوه، وهذه القِصَّة كانت في سنة ثلاث من الهجرة.
(أطلقوا)؛ أي: حلوا.
(بنو سروعة) هم: عُقْبة، وأبو سَرُوعة، وأخوهما لأُمهما حُجَيْر ابن أبي إِهاب.
(بعد وقعة بدر) متعلِّقٌ بقوله: (بعث)؛ إذ الكُلُّ كان بعدها لا البيع فقط.
(هو قتل الحارث) هذا عند الأكثَر، وقيل: لم يكُن خُبَيْب قاتلَه كما قيل: إنَّ المُعترِضين للسَّريَّة لم يكونُوا من بني لِحْيَان؛ ولكنَّ الصَّحيح ما قالَه البُخَارِيّ.
(أخبرنِي)؛ أي: قال الزُّهْرِي.
(عُبيد الله بن عِياض) بكسر المهملة، وخفَّة الياء، وبمعجمةٍ.
(أن بنت الحارث)؛ أي: أُم عبد الله.
(اجتمعوا)؛ أي: على قَتْله.
(موسى) يُصرَف؛ لأنَّه مَفعَل، أو يُمنَع على أنَّه فُعْلَى، خِلافٌ في التَّصريف.
(يستحد) هو حلْق شَعْر العَانَةِ.
(مُجلِسه) اسم فاعِل، مِن الإجْلاس.
(قِطْف) بكسر القاف، أي: عُنْقود.
(جزع) هو نقيض الصَّبر، وجوابُ (لولا) محذوفٌ، أي: لزِدْتُ على ركعتَين، أو نحو ذلك؛ نعَمْ، رواه ابن السَّكَن:(لأَطلْتُهما).
قال (ع): الوجْه: جَزَعًا مفعولٌ ثانٍ ليَظنُّوا، و (ما) في المفعول الأوَّل بمعنى: الذي، أي: تظنُّوا الذي أفعلُه من الإطالة فيهما جزَعًا منِّي مِن الموت، فإنْ صحَّتْ رواية:(جَزَع) بالرَّفع، فـ (ما) نافيةٌ.
(أحصهم)؛ أيْ عُمَّهم بالهلاك، أي: فلا تُبقِ منهم أحدًا.
(بَددًا) بفتح الموحَّدة، وتكرير المهملة: وهو التَّفرُّق، وإنما أخرجُوه من الحرَم إجلالًا للحرَم.
(ولست أُبالي) في بعضها: (ما أُبالي)، كأنه سقَط منه لفظَةُ:(أنا)، أي: لست أكتَرثُ بما جاءَني.
(مصرعي) هو موضع سُقوط الميِّت.
(في ذات)؛ أي: في الله كما يُعبَّر عن زيدٍ بذاته، ونفْسه.
والمراد: إنِّي أُقتَل في وجْه الله، وطلَب ثوابه.
وفيه إطلاق ذات على الله عز وجل، ومنعَه الأكثرون؛ لأن التاء للتأْنيث، ويُجاب بأنه قد ورَد فلا تكون التاء للتَّأْنيث.
(أوصال) جمع وَصْلٍ، وهو العُضْو.
(شِلْوٍ) بكسر المُعجَمة، وسُكون اللام: وهو بقيَّة الجِسْم.
(مُمَزَّع) بفتح الزاي المشدَّدة، وبالمهملة، أي: مُقطَّع، والمُزْعَة: القِطْعة.
(ابن الحارث)؛ أي: عُقْبة قتلَه بالتَّنعيم، وصلَبه هناك.
(صَبْرًا)؛ أي: مَحبوسًا للقَتْل.
(استجاب)؛ أي: أجاب دُعاءه بخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
(ومما أُصيبوا)؛ أي: ما جَرى عليهم، وذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
(بشيء منه)؛ أي: يُعرَف به نحو الرَّأْس.
(الظُّلة) بضم الظاء المعجَمة، أي: السَّحابة المُظِلَّة القَريبة من الرأْس كأنها تُظلُّه.
(الدَّبْر) بفتح المهملة، وسُكون الموحَّده: ذُكور النَّحل، وهو الزَّنابير الكبيرة، يُقال في المثَل: لسَعتْني دُبَيرةٌ بأُبَيْرة.
(فَحَمَتهُ)؛ أي: عصَمتْه، ولهذا سُمي عاصِم بِحَمِيِّ الدَّبْر، فاعِل بمعنى مَفعولٍ، قيل: لمَّا عجَزوا قالوا: إنَّ الدَّبْر تذهب باللَّيل، فلمَّا جاء اللَّيل: أرسَل الله تعالى سَيْلًا فحمَله، فلم يجدُوه،