الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كافة، فالناس ربهم واحد وكلهم لآدم لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض، وإنما التفاضل بالتقوى، والتقوى جماع كل هدى وحق وخير.
وصدق الله: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)[الحجرات: 13]، فالناس مهما تعددت شعوبهم، وتباينت أممهم فيجمعهم رباط واحد، وهو رباط الإنسانية العام، وهذا أسمى ما يطمع فيه من تشريع!
وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ [سورة النساء: 1].
6 - القرآن كوّن أمة مثالية
وهو الكتاب الذي صلحت به الدنيا، وحول مجرى التاريخ، وأقام أمة كانت مضرب الأمثال في الإيمان والإخاء والعدل والوفاء، والوفاق والوئام، وأظل العالم بلواء الأمن والسلام حقبا من الزمان، وصيّر من رعاة الإبل والشاء علماء حكماء رحماء، وسادة قادة في الحكم، والسياسة والسلم، والحرب، عقمت الدنيا عن أن تجود بمثلهم.
وهو الكتاب الذي لا تفنى ذخائره، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا يزداد على التكرار إلا حلاوة وطلاوة، وصدق القائل:
تزداد منه- على ترداده- مِقَة
…
وكلّ قول- على التّرداد- مملول
وتلك لعمر الحق خصيصة من خصائص «القرآن» ومن كان في شك من هذا فليستفت الذوق والوجدان والقلب والآذان، وليوازن في هذا بين كلام الله وكلام الإنسان، وحينئذ سيتذوق، ومن ذاق عرف، ومن عرف اعترف.
ومهما تعاقبت على هذا الكتاب العزيز الأجيال والسنون لا يزداد إلا جدة وطرافة ولا يزال غضا طريا كما أنزل، وكلما تقدمت العلوم والمعارف الإنسانية تكشف للناس منه العجب العجاب وصدق الحق تبارك وتعالى
حيث يقول: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ (1) الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)[سورة فصلت: 53] بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.
وقصارى القول وحماداه: أنك لن تجد في الكشف عن حقيقة هذا الكتاب وخفاياه وفضائله ومزاياه أوفى مما وصفه به نبينا «محمد بن عبد الله» .
روى الترمذي (2) بسنده عن الحارث الأعور قال: مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على «عليّ» فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ترى الناس قد خاضوا في الأحاديث قال: أوقد فعلوها
قلت: نعم. قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنها ستكون فتنة» قلت: وما المخرج منها يا رسول الله قال: «كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء (3) ولا تلتبس به الألسنة (4)، ولا يشبع منه العلماء (5) ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه،
(1) الضمير في أنه عائد على القرآن لأنه معلوم من المقام، وقيل يعود إلى الإسلام، وهما متلازمان، فالقرآن أساس الإسلام، والإسلام كتابه القرآن.
(2)
قال الترمذي فيه: حديث غريب، وإسناده مجهول، وفي حديث الحارث مقال ولكن ذكره الحافظ «السيوطي» في الإتقان، وقال أخرجه الترمذي، والدارمي وغيرهما، وسكت عنه، وكذا ذكره الحافظ «ابن كثير» في «فضائل القرآن» له، وتعقب كلام الترمذي بما يدل على اعتماده للحديث، والمتأمل فيه يجد فيه قبسا من نور النبوة، وحكما من ينابيع الوحي، مما يجعل القلب يطمئن إليه.
(3)
بفتح التاء: أي لا تميل عن الحق باتباعه الأهواء أو بضمها: أي لا تميله الأهواء المضلة عن نهج الاستقامة إلى الاعوجاج، من الإزاغة: بمعنى: الإمالة والباء لتأكيد التعدية.
(4)
ولا تلتبس: أي لا تتعسر عليه ألسنة المؤمنين، ولو كانوا من غير العرب قال تعالى:
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ وقال فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ.
(5)
أي لا يحيطون بكنهه إحاطة من يشبع من الشيء، بل كلما اطلعوا على شيء منه اشتاقوا