الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غير عقال، ثم قال: ولهذا قال إسحاق بن راهويه وغيره: يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوما؛ لا يقرأ فيها القرآن، كما يكره له أن يقرأه في أقل من ثلاثة أيام.
العامل الرابع ارتباط بعض الوظائف الدينية والدنيوية بحفظ القرآن:
الإمامة في الصلاة بجميع أنواعها من المناصب الدينية الهامة، ولا يتولاها إلا أولوا الفقه والعلم، والفضل، وقد كانت وظيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، ولم يتولها أحد في حياته إلا بإذن منه أو باستخلاف إذا سافر أو خرج في غزوة أو نحوها، وكذلك تولى الإمامة في الصلاة الخلفاء الراشدون من بعده رضوان الله عليهم، وتولاها الولاة، والأمراء في الأمصار، والأقاليم، وكذلك تولاها أمراء المؤمنين بعد الخلافة الراشدة.
وقد كان حفظ القرآن، واستظهاره، وإجادته، والعلم به، والتفقه فيه المرشح الأول لهذا المنصب الديني الخطير، فكان الأحق بها أقرأ (1) الناس لكتاب الله.
روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما- أي إسلاما- ولا يؤمّن الرجل الرجل في سلطانه (2) ولا يقعد
(1) ليس المراد بالقراءة مجرد الحفظ من غير فقه وعلم، وإنما المراد بالأقرإ الأحفظ، والأعلم وقد كان القراء هكذا في الصدر الأول وقد مر بك عن قرب ما قاله التابعي عن القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
معناه أن صاحب البيت، والمجلس، وإمام المسجد أحق من غيره وإن كان ذلك الغير أفقه، وأقرأ، وأورع، وأفضل منه، فإن حضر السلطان أو نائبه قدم على صاحب البيت، وإمام المسجد وغيرهما؛ لأن ولايته وسلطته عامة، ويستحب لصاحب البيت، أو إمام المسجد، أن يأذن ويقدم من هو أفضل منه.
في بيته على تكرمته (1) إلا بإذنه» قال الأشج في روايته مكان سلما: «سنا» أي: أكبرهم سنا.
وكذلك كان حفظ القرآن وفقهه من الأسباب المرشحة لتولي الإمامة العظمى كالصديق أبي بكر، والولاية والقضاء، وقيادة السرايا، والجيوش كأبي موسى الأشعري، وسالم مولى أبي حذيفة، وقد كان يحمل اللواء يوم اليمامة، فقيل له: إنا نخاف أن نؤتى من قبلك!! فقال هذه الكلمة التي تنم عن إيمان عميق، وقوة حفظ وفقه للقرآن الكريم:«بئس أنا حامل القرآن إذا» .
نعم- والله- فما كان لحامل القرآن من أمثال سالم- رضي الله تعالى عنه- أن يفر، أو ينكص على عقبيه، أو لا يرغب عن الشهادة، وقد صدق فيما عاهد الله عليه فصار يتقدم باللواء، ويقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ اللواء بيساره، فقطعت يساره، فاحتضنه بعضديه وهو يتلو قول الله تبارك وتعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
…
وقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)[آل عمران: 144 - 146].
وهكذا كان حفاظ القرآن وقراؤه، لقد كانوا أسبق الناس إلى نشر دعوة الإسلام، وأرغب الناس في الجهاد، والاستشهاد، وأهل البطولات والتضحيات والفداء، وما كان حفظ القرآن ليمنعهم من الخروج في السرايا والغزوات.
فأصحاب بئر معونة (2) كانوا من القراء، وقد استشهدوا جميعا في سبيل الله بنفس راضية، فلا تعجب إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حزن عليهم حزنا شديدا،
(1) بفتح التاء وكسر الراء الفراش أو نحوه كالسرير والكرسي مثلا مما يبسط ويعد لصاحب المنزل ويخص به، وهذا من آداب الإسلام الاجتماعية الراقية التي تتفق والأذواق العالية.
(2)
اسم موضع من بلاد هذيل بين مكة، وعسفان وفي هذا المكان كان الغدر والخيانة بأصحاب السرية.