الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول كتابة القرآن ورسمه، وكل ما استندوا إليه يرجع إما إلى روايات باطلة نسبت إلى السلف الصالح كذبا وزورا، وقد تنبه العلماء إليها من قديم الزمان، وإما إلى اعتراضات (1) أوردها المؤلفون في تفسير القرآن وعلومه وأجابوا عنها بما يقنع ويشفي، فجاء هؤلاء القسس الذين تستروا تحت اسم «المستشرقين» فاطلعوا على هذه الروايات والاعتراضات فطاروا بها فرحا، وهولوا ما شاء لهم هواهم أن يهولوا، وظنوا أنهم وصلوا إلى ما يريدون من تشكيك المسلمين في أقدس مقدساتهم وهو القرآن الكريم.
وقد قيض الله لهذه الشبه من علماء المسلمين من زيفها وبين بطلانها، وسترى بعد إيرادنا هذه الشبه والرد عليها أنها سراب لا حقيقة له، وأنهم طعنوا في غير مطعن، وطاروا في غير مطار.
الشبهة الأولى:
قالوا: روي عن عثمان- رضي الله عنه أنه حين عرض عليه المصحف قال: أحسنتم وأجملتم إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها. وروي عن عكرمة أنه قال: لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفا من اللحن فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها، أو قال ستعربها بألسنتها، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف. قالوا: فكيف تكون المصاحف العثمانية مع هذا موضع إجماع من الصحابة وثقة من المسلمين بل كيف يكون رسم المصحف توقيفيا، وهذا هو عثمان يقول إن فيه لحنا.
والجواب:
1 -
إن هاتين الروايتين ضعيفتا الإسناد، وإن فيهما اضطرابا وانقطاعا يذهب بالثقة بهما، كما قال الإمام السخاوي في الرواية الثانية، ونقله الإمام الآلوسي في تفسيره (2)، وعكرمة لم يسمع من عثمان أصلا وقد روي
(1) انظر مقدمتان في علوم القرآن ص 104 وما بعدها.
(2)
جزء 6 ص 5 ط منير.
الأثر الثاني عن يحيى بن يعمر عن عثمان وهو أيضا لم يسمع من عثمان، وقد رد الرواية الأولى جماعة من العلماء كالإمام أبي بكر الباقلاني والحافظ أبي عمرو الداني وأبي القاسم الشاطبي والجعبري، وغيرهم، وغير خفي على المتأمل ما في الروايتين من اضطراب وتناقض، فإن قوله: أحسنتم وأجملتم مدح وثناء وقوله: إن فيه لحنا يشعر بالتقصير والتفريط، فكيف يصح في العقول أن يمدحهم على التقصير والتفريط!
وأيضا فالغرض من كتابة المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه على حرف قريش أن تكون مرجعا عاما يرجع إليه المسلمون عند الاختلاف في حروف القرآن وقراءاته، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكل تصحيحها إليهم، إن هذا إن صح فسيصل بنا إلى الدور المحال؛ إذ تكون صحة قراءتهم متوقفة على القراءة وفق المصاحف التي كتبها لهم عثمان، وصحة المصاحف وسلامتها من اللحن متوقفة على صحة قراءتهم، وهذا ما ننزه عنه أي عاقل فضلا عن عثمان رضي الله عنه.
2 -
إن هذين الأثرين يخالفان ما كان عليه عثمان رضي الله عنه من حفظه القرآن، وملازمة قراءته، ومدارسته، حتى صار في ذلك ممن يؤخذ عنهم القرآن، وقد حرص غاية الحرص على إحاطة كتابة المصاحف بسياج قوي من المحافظة على القرآن أن يتطرق إليه لحن أو تحريف أو تبديل وجعل من نفسه حارسا أمينا على كتّاب المصاحف في عهده، والمرجع عند أي اختلاف في كيفية الرسم فقد قال للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش، وقد اختلفوا في التَّابُوتُ أيكتبونه بالتاء أم بالهاء ورفعوا الأمر إليه، فأمرهم أن يكتبوه بالتاء، فإذا كان هذا شأنه وشأنهم في حرف لا يتغير به المعنى، ولا يعتبر تحريفا ولا تبديلا لاستناده إلى الحروف التي نزل بها القرآن فكيف يعقل منه أن يرى في المصاحف لحنا ثم يقرهم عليه وإليك رواية أخرى تدل على مبلغ عنايته بالقرآن عند الكتابة.
أخرج أبو عبيد، عن عبد الرحمن بن هانئ مولى عثمان قال: كنت عند