الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألف أو نحو ذلك.
وفي حواشي المنهج في فقه الشافعية- كلمة «الربوا» - تكتب بالواو والألف كما جاء في الرسم العثماني، ولا تكتب في القرآن بالياء أو الألف، لأن رسمه سنة متبعة. وفي كتاب المحيط البرهاني في فقه الحنفية ما نصه: إنه ينبغي ألا يكتب المصحف بغير الرسم العثماني. وقال البيهقي في شعب الإيمان: من كتب مصحفا ينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم فيه، ولا يغير مما كتبوه شيئا فإنهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم، إلى غير ذلك من أقوال الأئمة في التزام الرسم العثماني.
ويسلمنا هذا الرأي إلى معرفة هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة والكتابة بعد أن لم يكن يعلمها أو أنه استمر على أميته وإليك بيان وجه الحق في هذا.
هل صار النبي قارئا كاتبا:
اتفق العلماء قاطبة على أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث إلى الناس قاطبة، لم يكن قارئا ولا كاتبا، وذلك كي تقوم عليهم الحجة، وتنتفي الشبهة في ثبوت معجزته الكبرى: وهو القرآن؛ إذ لو كان قارئا كاتبا لراجت شبهتهم وقوي ارتيابهم في أن ما جاء به نتيجة قراءة واطلاع، ونظر في الكتب السابقة، وقد أشار إلى هذا الحق تبارك وتعالى فقال: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت: 48، 49].
أما بعد أن قامت حجته، وعلت كلمته وعجزت العرب عن أن يأتوا بأقصر سورة منه، ولم يعد للريب والظنون موضع فقد كان محل بحث ونظر فمن العلماء من قال: إنه تعلم القراءة والكتابة، ومنهم من منع وقال: إنه استمر على أميته. وقد بسط القول في هذا الإمام الآلوسي:
فقد قال عقب تفسيره للآية السابقة ما نصه:
واختلف في أنه صلى الله عليه وسلم هل كان بعد النبوة يقرأ ويكتب أم لا فقيل إنه عليه
الصلاة والسلام لم يكن يحسن الكتابة واختاره البغوي في التهذيب، وقال: إنه الأصح، وادعى بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها وعدم معرفتها بسبب المعجزة لهذه الآية فلما نزل القرآن واشتهر الإسلام وظهر أمر الارتياب (1) تعرف الكتابة حينئذ وروى ابن أبي شيبة وغيره «ما مات صلى الله عليه
وسلم حتى كتب وقرأ» ونقل هذا للشعبي فصدقه وقال:
سمعت أقواما يقولونه وليس في الآية ما ينافيه (2) وروى ابن ماجة عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم «رأيت ليلة أسري بي مكتوبا على باب الجنة: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر» ثم قال: ويشهد للكتابة أحاديث في صحيح البخاري وغيره كما ورد في صلح الحديبية: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب: «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» الحديث (3) وممن ذهب إلى ذلك أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي (4)، وأبو الفتح النيسابوري (5) وأبو الوليد الباجي من المغاربة (6) وحكاه عن السمناني (7)
(1) لعل مراده ظهور فساد الارتياب وأنه لم يعد له مسوغ، وفي فتح الباري ج 7 ص 405: وأمن الارتياب وهي الأظهر.
(2)
وممن رواه البيهقي في السنن الكبرى، ثم قال: فهذا حديث منقطع، في رواته جماعة من الضعفاء والمجهولين والله تعالى أعلم.
(3)
صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب عمرة القضاء، ورواه أيضا النسائي في سننه، وأحمد في مسنده، وأما مسلم فرواه بدون «وليس يحسن يكتب» ولكن في روايته إثبات الكتابة كما هنا، والحديث نص في أنه صلى الله عليه وسلم تعلم الكتابة وإن لم يحسنها.
(4)
هو الحافظ عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عنبر الأنصاري المالكي، شيخ الحرم، ولد 355 والمتوفى 434 هـ.
(5)
هو الإمام ناصر بن سليمان بن ناصر بن محمد الأنصاري الشافعي، ولد 489 وتوفي سنة 552 هـ.
(6)
هو القاضي سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب التجيبي القرطبي صاحب المؤلفات النافعة، ولد سنة 453 هـ وتوفي سنة 474 هـ.
(7)
هو القاضي محمد بن محمد بن أحمد السمناني أبو جعفر، فقيه العراق، نسب إلى سمنان، بلد بالعراق، ولي القضاء بالموصل وكانت وفاته بها سنة 444 هـ.
وصنف فيه كتابا وسبقه إليه ابن منية، ولما قال أبو الوليد ذلك طعن فيه ورمي بالزندقة وسب على المنابر، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب إلى علماء الأطراف، فأجابوا بما يوافقه، ومعرفة الكتابة بعد أميته صلى الله عليه وسلم لا ينافي المعجزة، بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم، وقد رد بعض الأجلة كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب» وقال: كل ما ورد في الحديث من قوله: «كتب» فمعناه أمر بالكتابة كما يقال كتب السلطان بكذا لفلان، وتقديم قوله تعالى: مِنْ قَبْلِهِ على قوله سبحانه وَلا تَخُطُّهُ كالصريح في أنه عليه الصلاة والسلام لم يكتب مطلقا، وكون القيد المتوسط راجعا لما بعده غير مطرد، وظن بعض الأجلة رجوعه إلى ما قبله وما بعده، فقال: يفهم من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام قادرا على التلاوة والخط بعد إنزال الكتاب ولولا هذا الاعتبار لكان الكلام خلوا عن الفائدة: وأنت تعلم أنه لو سلم ما ذكره من الرجوع لا يتم أمر الإفادة، إلا إذا قيل بحجية المفهوم، والظان ممن لا يقول بحجيته، ثم قال الآلوسي في تفنيد هذه الردود ما نصه: ولا يخفى أن قوله عليه الصلاة والسلام «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» ليس نصا في استمرار نفي الكتابة عنه عليه الصلاة والسلام، ولعل ذلك باعتبار أنه بعث عليه الصلاة والسلام وهو وأكثر من بعث إليهم، وهو بين ظهرانيهم من العرب أميون، لا يكتبون ولا يحسبون، فلا يضر عدم بقاء وصف الأمية في الأكثر بعد، وأما ما ذكر من تأويل «كتب» بأمر بالكتابة فخلاف الظاهر، وفي شرح صحيح مسلم للنووي عليه الرحمة نقلا عن القاضي عياض. أن قوله في الرواية التي ذكرناها «ولا يحسن يكتب فكتب» كالنص في أنه صلى الله عليه وسلم كتب بنفسه فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه، ثم قال: وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة، وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا فالله تعالى أعلم (1) والذي يترجح عندي أنه صلى الله عليه وسلم تعلم الكتابة بعد أن لم يكن يعلمها وكفى في هذا دليلا حديث البخاري، ومستبعد جدّا
(1) تفسير الآلوسي ج 21 ص 4، 5 ط منير، وفتح الباري ج 7 ص 405، 406.