الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القدر كفاية في هذه المسألة التي يكثر فيها السؤال دائما.
والحق أنه لا خلاف في الدعاء والصدقة لورود الأحاديث الصحيحة الكثيرة فيهما، وكذلك الحج عند الجمهور وأما الصوم ففيه الخلاف وكذا الصلاة.
(حكم الاقتباس وما جرى مجراه)
ومن المسائل المهمة معرفة حكم الاقتباس من القرآن، وإليك خلاصة ما ذكره العلماء في هذا.
قال الإمام السيوطي في الإتقان: الاقتباس تضمين الشعر أو النثر بعض القرآن لا على أنه منه بأن لا يقال فيه: قال الله تعالى ونحوه، فإن ذلك حينئذ لا يكون اقتباسا، وقد اشتهر عن المالكية تحريمه، وتشديد النكير على فاعله، وأما أهل مذهبنا- يريد الشافعية- فلم يتعرض له الأقدمون، ولا أكثر المتأخرين مع شيوع الاقتباس في أعصارهم واستعمال الشعراء قديما وحديثا.
وقد تعرض له جماعة من المتأخرين؛ فسئل عنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام فأجازه واستدل بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها:
«وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين» (1) وقوله:
اللهم فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين، واغنني من الفقر (2).
وفي سياق كلام لأبي بكر الصديق- رضي الله عنه: «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» (3) وفي آخر حديث لابن عمر: قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (4).
(1) هو مقتبس من قوله تعالى: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
…
الآية [الأنعام: 79].
(2)
هو مقتبس من قوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً الآية 96 من سورة الأنعام.
(3)
هو مقتبس من قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا الآية 227 الشعراء.
(4)
هو مقتبس من قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الآية 21 الأحزاب.
وهكذا كله يدل على جوازه في مقام المواعظ، والثناء على الله، والدعاء وفي النثر، ولا دلالة فيه على جوازه في الشعر، وبينهما فرق، فإن القاضي أبا بكر من المالكية صرح بأن تضمينه في الشعر مكروه، وفي النثر جائز.
واستعمله أيضا في النثر الإمام القاضي عياض في مواضع من خطبة كتابه «الشفا» .
وقال الشرف إسماعيل بن المقري اليمني صاحب مختصر الروضة، في شرح بديعته ما كان منه في الخطب، والمواعظ، ومدحه صلى الله عليه وسلم وآله، وصحبه، ولو في النظم فهو مقبول، وغيره مردود.
وينبغي أن يلحق بذلك مدح الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين والسلف الصالحين والعلماء العاملين.
وقال: في شرح «بديعته» : الاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول، ومباح ومردود: فالأول: ما كان في الخطب، والمواعظ، والعهود.
والثاني: ما كان في الغزل، والرسائل، والقصص. والثالث: على ضربين أحدهما، ما نسبه الله إلى نفسه، ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما قيل عن أحد بني مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله فكتب «إن إلينا إيابهم ثم إنا علينا حسابهم» (1) [الغاشية: 25، 26].
والآخر: تضمين آية في معنى هزل ونعوذ بالله من ذلك كقوله أحد الشعراء:
أرخى إلى عشاقه طرفه
…
هيهات، هيهات لما توعدون (2)
وردفه ينطق من خلفه
…
لمثل هذا فليعمل العاملون (3)
(1) أخذ من قوله تعالى في آخر سورة الغاشية الآية 25، 26.
(2)
أخذ هذا من قوله تعالى حكاية لكلام منكري البعث: هَيْهاتَ هَيْهاتَ [المؤمنون: 36].
(3)
أخذ من هذا من قوله تعالى حكاية: لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61) [الصافات:
61].
قال السيوطي وهذا التقسيم حسن جدّا، وبه أقول، وأنا أيضا استحسنه جد الاستحسان، وبه أقول.
وقد ذكر الشيخ تاج الدين بن السبكي في طبقاته في ترجمة الإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي من كبار الشافعية، وأجلائهم أن من شعره قوله:
يا من عدى ثم اعتدى ثم اقترف
…
ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف
أبشر في قول الله في آية
…
إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف (1)
ثم عقب فقال: استعمال مثل الأستاذ أبي منصور مثل هذا الاقتباس في شعره له فائدة فإنه جليل القدر، والناس ينهون عن هذا، وربما أدى بحث بعضهم إلى أنه لا يجوز، وقيل إن ذلك إنما يفعله الشعراء الذين هم في كل واد يهيمون ويثبون على الألفاظ وثبة من لا يبالي، وهذا هو الأستاذ أبو منصور من أئمة الدين، وقد فعل هذا، وأسند عنه هذين البيتين الأستاذ أبو القاسم بن عساكر.
قال الإمام السيوطي معقبا: ليس هذان البيتان من الاقتباس لتصريحه بقوله الله، وقد قدمنا أن ذلك خارج عنه.
وأما أخوه الشيخ بهاء الدين فقال في «عروس الأفراح» : الورع اجتناب ذلك كله، وأن ينزه عن مثله كلام الله ورسوله.
ثم قال السيوطي: رأيت استعمال الاقتباس لأئمة أجلاء منهم الإمام أبو القاسم الرافعي وأنشده في أماليه، ورواه عنه أئمة كبار.
الملك لله الذي عنت الوجو
…
هـ له، وذلت عنده الأرباب
متفرد بالملك والسلطان قد
…
خسر الذين تجاذبوه وخابوا
دعهم وزعم الملك يوم غرورهم
…
فسيعلمون غدا من الكذاب (2)
(1) هو مأخوذ من قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38].
(2)
هو مأخوذ من وقوله تعالى: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)[القمر: 26].