الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقرآن هو الغنى الحقيقي، فمن رزقه رزق الغنى كله، ومن حرمه فلا غنى له وإن كان عنده مال قارون، روى الطبراني بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القرآن غنى لا فقر بعده، ولا غنى دونه» (1).
وقارئ القرآن له بكل حرف حسنة؛ عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» رواه الترمذي وقال:
حديث حسن صحيح.
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في فضل القرآن، وفضل آيات أو سور خاصة كالفاتحة، وخواتيم سورة البقرة، والبقرة، وآل عمران، والكهف والإخلاص، والمعوذتين وغيرها.
فمن ذا الذي يسمع، أو يصل إليه كل هذا الترغيب الحبيب، والوعد الجميل ولا يسارع إلى حفظ القرآن وتفهمه، والعمل به، فلا تعجب إذا كان الصحابة تنافسوا في هذا المضمار الشريف، وكذلك تنافس فيه من جاء بعدهم، حتى حفظ الألوف، بل وألوف الألوف.
العامل الثالث الأمر بتعهد القرآن والتحذير من نسيانه:
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وكل من يجيء من الأمة بعدهم بتعهد القرآن وممارسة قراءته حتى لا يتفلت منهم، وضرب لهم في ذلك المثل النوابغ، والكلم الجوامع الزواجر.
ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعاهدوا القرآن (2) فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها» (3).
(1) أي: لا غنى في غيره.
(2)
تعاهدوا القرآن: أي حافظوا على قراءته، وداوموا على تلاوته.
(3)
التفصي: التخلص والتفلت، عقلها جمع عقال وهو حبل يعقل به البعير أي:
ويزيد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر توضيحا فيقول: «إنما مثل صاحب القرآن (1) كمثل الإبل المعقّلة (2) إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت» رواه الشيخان وفي الأمر بالتعهد والمواظبة عليه تحذير من نسيانه أو ذهابه.
وقد جاء الترهيب من نسيان القرآن أو في شيء منه وذم من يهمل حتى ينساه وذلك في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه منها إلا عدله. وما من رجل تعلم القرآن ثم نسيه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم (3)» ولأبي داود عن سعد بن عبادة مرفوعا (4)«من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم» قال الحافظ وفي إسناده مقال.
وروى أبو عبيد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وروى أبو داود والترمذي وأبو يعلى والبزار وغيرهم من حديث ابن أبي داود، عن ابن جريج، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن، أو آية من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها» ، قال الترمذي: غريب لا
يشد به وسط ذراعه وإنما ضرب المثل بالإبل، لأنها أشد الحيوانات نفورا وشرودا، ويصعب إرجاعها بعد استمكان نفورها.
(1)
أي: الحافظ له، والمتمكن من حفظه والملازم له.
(2)
أي: ربطت بالعقال.
(3)
أي مقطوع اليد كناية عن نقصان الأجر، وارتكاب الإثم وقيل: مقطوع السبب من الخير. وقيل: صفر اليدين من الخير. ومعانيها متقاربة وقيل يحشر هكذا يوم القيامة ليكون علامة عليه.
(4)
أي منسوبا إلى النبي من قوله، أو فعله، أو تقرير، وهذا من قوله.
نعرفه إلا من هذا الوجه، وذاكرت به البخاري فاستغربه.
وقال الحافظ في الفتح: في إسناده ضعف. ولكن إيراده له في الفتح، وإيراد ابن كثير له في كتاب «فضائل القرآن» يدل على أنه ضعف محتمل يحتج به في مثل هذا.
«نسيان القرآن كبيرة» : وقد اعتبر كثير من السلف نسيان القرآن كبيرة من الكبائر لما قدمنا من الأحاديث وغيرها. وقد أخرج أبو عبيد- رحمه الله من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفا قال: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه؛ لأن الله يقول: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ونسيان القرآن من أعظم المصائب.
وروي عن أبي العالية موقوفا، أي: عليه «كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن، ثم ينام عنه حتى ينساه» . قال الحافظ ابن حجر:
وإسناده جيد، ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن، كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا (1).
قال ابن كثير: وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى:
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126) وهذا الذي قاله هذا وإن لم يكن هو المراد جميعه فهو بعضه؛ فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان، وعدم الاعتناء فيه تهاون كبير وتفريط شديد نعوذ بالله منه، ولهذا قال عليه السلام:«تعاهدوا القرآن» ، وفي لفظ «استذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم
…
» أي: أن القرآن أشد تفلتا من الصدور من النعم إذا أرسلت من
(1) انظر فضائل القرآن لابن كثير ص 67 - 70، وفتح الباري ج 9 ص 70 - 71 وكتاب فضائل القرآن في صحيح البخاري وفضائل القرآن في رياض الصالحين وفضائل القرآن في الإتقان ج 2 ص 151 - 153.