الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال مكي بن أبي طالب: هذه القراءات التي يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الأئمة جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن
…
، ثم قال: وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما (1).
وقال القرطبي في تفسيره (2): قال كثير من علمائنا كالداودي، وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من هذه السبعة، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف، ذكره ابن النحاس وغيره.
ومن هذه النقول يتبين لنا: أن القراءات الثابتة المتواترة ليست منحصرة في السبع المشهورة وأنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون مرادة من الحديث وكيف يمكن أن تكون القراءات السبع المشهورة هي المرادة من الحديث وهي إنما عرف كونها سبعا من قبل أن رواتها المشهورين سبعة، وهذا شيء علم بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة قرون تقريبا، على يد «ابن مجاهد» فغير معقول أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن على حروف لم تعرف، ولم تشتهر إلا بعده بقرون.
وقد علمت: أن حصر القراءات الثابتة في سبع إنما كان أمرا اتفاقيّا فحسب.
القول العاشر
ذهب البعض إلى أن المراد بالأحرف السبعة: سبعة أصناف من الكلام، وقد اختلف القائلون به في تعيين هذه السبعة، فقيل: إنها أمر، ونهي، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال.
واحتجوا بما أخرجه الحاكم، والبيهقي، عن ابن مسعود، عن النبي
(1) فتح الباري ج 9 ص 31.
(2)
ج 1 ص 46.
وهذا الرأي مردود من جهة الرواية والدراية والعقل بما يأتي:
1 -
أن هذا الحديث غير ثابت، فلا يصح الاحتجاج به، قال الإمام أبو عمر بن عبد البر:«هذا حديث لا يثبت؛ لأنه من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن مسعود، ولم يلق ابن مسعود» .
وقال الحافظ في «الفتح» (1): وقد صحح الحديث المذكور (ابن حبان، والحاكم) وفي تصحيحه نظر؛ لانقطاعه بين أبي سلمة وابن مسعود.
ومعروف أن المنقطع من قبيل الضعيف، فلا يحتج به في مثل هذا مما يتعلق بالقرآن الكريم الذي هو أصل الدين، ومنبع الصراط المستقيم.
2 -
لو سلمنا جدلا أن الحديث ثابت، فليس تأويله كما قال هؤلاء، وإنما له تأويلات أخر:
أ- وذلك إما أن يكون قوله في الحديث: زاجر، وأمر
…
إلخ استئناف كلام وليس بيانا للأحرف، قال أبو العلاء الهمداني، وأبو عليّ الأهواني: إن قوله: زاجر وآمر استئناف كلام آخر، أي هو زاجر- القرآن- ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة، وإنما توهم ذلك من توهمه من جهة الاتفاق في العدد.
ويؤيده أنه جاء في بعض طرقه: زاجرا، وآمرا- بالنصب- أي نزل على هذه الصفة من الأبواب السبعة.
ب- وإما أن تكون بيانا للأبواب السبعة لا للأحرف السبعة، قال العلامة
(1) فتح الباري ج 9 ص 24.
أبو شامة: يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف السبعة أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه، وأنزله على هذه الأصناف، لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب.
وعلى هذه التأويلات لا يكون الحديث صالحا للاحتجاج به على ما ذهب إليه هؤلاء.
ج- وقال البيهقي: المراد بالسبعة الأحرف هنا: الأنواع التي نزل عليها والمراد بها في تلك الأحاديث: اللغات التي يقرأ بها، وكذلك قال القاضي أبو بكر الباقلاني، فكأن البيهقي يسلم أنها بيان للأحرف السبعة في هذا الحديث، لكن على معنى آخر مغاير للمعنى الذي أريد من حديث إنزال القرآن على سبعة أحرف، وهي المعاني أي المقاصد.
3 -
هذه الأنواع لا تصلح أن تكون تفسيرا للأحرف السبعة لأن الغرض منها كان التوسعة على الأمة والتيسير بالتعبير في القراءة بأي حرف منها، وما ذكروه من الأنواع لا يتأتى فيه البتة التوسعة والتيسير لأن التوسعة لم تقع في تحليل حرام ولا في تحريم حلال، ولا في إبدال أمر بنهي ولا نهي بأمر ولا محكم بمتشابه ولا عكسه
…
وهكذا.
فكل هذا مما أجمع العلماء قاطبة على أنه لا يجوز، قال ابن عطية (1):
هذا القول ضعيف، لأن هذه لا تسمى أحرفا فالإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.
ولعلك على ذكر من مقالة الإمام الزهري التي ذكرناها في صدر البحث من حديث مسلم.
4 -
هذا القول يلزم منه رد كل الأحاديث الصحيحة التي قدمناها في صدر المبحث والتي تدل على اختلاف الصحابة، ورفع الأمر إلى الرسول، وإقرار كل واحد على قراءته وحرفه، إذ مستحيل أن يقر النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ
(1) مقدمتان في علوم القرآن ص 265.