الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحافظ ابن حجر في الفتح (1) ولعل السر في نسخ لفظها عدم إحكام معناها، وأن العمل على غير الظاهر من عمومها فقد روى الحاكم عن عمر أنه قال: لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبها فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم، هذا إلى ما في ظاهرها من تجرئة الشباب على الوقوع في الزنا؛ إذ الشأن في الكبير والكبيرة البعد من مواطن الإثم والفجور فاقتضت حكمة الله تنزيه الأسماع عن سماعها، وهذا الجواب الثاني إنما يتم بعد تسليم قرآنيتها، وقد خالف في هذا كثير من العلماء.
الشبهة العاشرة
: ما رواه الإمام أحمد بسنده عن أبي بن كعب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن» قال فقرأ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ قال فقرأ فيها: ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا، ولو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وأن ذات الدين عند الله الحنيفية السمحة غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية، ومن يفعل خيرا فلن يكفره» ورواه الترمذي أيضا وكذلك روي هذا الأثر بزيادات أكثر من هذه (2).
وللجواب على ذلك نقول:
1 -
إن هذا الحديث وأمثاله أحاديث لم تشتهر بين نقلة الحديث، وإنما يرغب فيه من يكتبها طلبا للغريب، وما كان كذلك فليس لأحد أن يعترض به على الكتاب الذي حفظ عن رسول الله بالتواتر، إذ هو على تسليم صحته آحاد فلا يعارض القطعي الثابت بالتواتر ولا يثبت به أيضا قرآن.
2 -
إن هذا الحديث طعن فيه بعض أهل العلم بأنه باطل، ولعل مما يدل على بطلانه أن سورة «لم يكن» بلفظها الذي ورد في المصاحف ثبتت متواترة
(1) ج 12 ص 123.
(2)
مقدمتان في علوم القرآن ص 90.
عن أبي بن كعب وقد قدمنا أن قوله: «لو كان لابن آدم واد من مال
…
إلخ» ليس بقرآن، وإنما هو حديث نبوي أو قدسي، وكذلك ما زيد في هذه السورة من ألفاظ هو بالبيان والتفسير أشبه منه بالقرآن، إذ ليس عليه شيء من نور القرآن، ولا له إعجازه، ولا ينبغي أن يعزب عن بالنا أن بعض الصحابة كان يقرأ بعض آيات القرآن على سبيل التفسير والبيان كما كان بعضهم- كأبي وابن مسعود- يكتب في مصحفه بعض تفسيرات، وتأويلات، وأدعية، ومأثورات فيظن من يسمعها أو يقف عليها أنها من القرآن، والحق خلاف ذلك؛ قال أبو بكر الأنباري بعد أن ذكر ما روي أن عكرمة قرأ على عاصم «لم يكن» ثلاثين آية هذا فيها قال:«هذا باطل عند أهل العلم؛ لأن قراءة ابن كثير وأبي عمرو متصلتان بأبي ابن كعب، لا يقرأ فيها هذا المذكور في «لم يكن» مما هو معروف في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أنه من كلام الرسول عليه السلام لا يحكيه عن رب العالمين في القرآن، وما رواه اثنان معهما الإجماع أثبت مما يحكيه واحد مخالف مذهب الجماعة (1).
وقال بعض العلماء: والذي يؤكد ما قلناه اتصال قراءة أبي جعفر بابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وغيرهم، وهم قرءوا على أبي بن كعب؛ واتصال قراءة ابن كثير بمجاهد وقراءة مجاهد على ابن عباس، وقراءة ابن عباس على أبيّ، واتصال قراءة أبي عمرو بمجاهد وسعيد بن جبير وهما قرءا على ابن عباس وقرأ ابن عباس على أبي، فهؤلاء الأئمة وأعلام الدين الذين رووا عنهم وحفظوا عليهم نبره ومده وتشديده، فلو كان من قراءة أبي ذلك لقرأه عليهم، ولرووا عنه، وحفظوا عليه، لطول تلك الألفاظ (2).
وأيضا فقد اضطرب النقل في هذا الأثر، فمن قائل: إنه آية من سورة لم يكن، ومن قائل: آية من سورة تشبه سورة براءة، والباطل دائما
(1) تفسير القرطبي ج 20 ص 139.
(2)
مقدمتان في علوم القرآن ص 92.