الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وباعثة للنهضات، ففي القمة- من كل ذلك- «علوم القرآن» .
فالقرآن أحسن الحديث، وأصدقه، وعلومه أشرف العلوم وأوجبها على كل مسلم أيّا كان تخصصه وأيّا كانت حرفته.
6 - تاريخ علوم القرآن
قبل عصر التدوين:
كان «القرآن الكريم» ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم متجمعا على حسب الوقائع والحوادث وحاجات الناس، وقد تكفل الله لنبيه أن يقرئه «القرآن» ويفهمه معناه، قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19)[القيامة: 16 - 19] أي: جمعه في صدرك، وإثبات قراءته على لسانك، وبيان ما يخفى من معانيه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم من القرآن وعلومه ما لا يعرفه أحد، وذلك بسبب الوحي والفيوضات الإلهية التي كانت تلقى في قلبه.
ثم بلّغ الرسول ما أنزل عليه لأصحابه فقرأه على مكث (1)؛ ليحفظوا لفظه ويفهموا معناه، ويقفوا على أسراره، وشرحه لهم بأقواله وأفعاله وتقريراته وأخلاقه- أي بسنته الجامعة لكل ذلك- قال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة النحل: 44] وقال:
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ
…
الآية [سورة النساء: 105].
[علم الصحابة بالقرآن]
وكان الصحابة- رضوان الله عليهم- يحرصون غاية الحرص على حفظ ما ينزل من «القرآن» على حسب ما يتيسر لكل واحد منهم وتفاوتهم في الحفظ قلة وكثرة، كما كانوا يعرفون من معاني «القرآن» وعلومه وأسراره الشيء الكثير، لكونهم عربا خلّصا متمتعين بمزايا هذه العروبة ومن صفاء القلوب، وذكاء العقول، وسيلان الأذهان، وقوة الحافظة ولأنهم شاهدوا الوحي والتنزيل، وعلموا من الظروف والملابسات ما لم يعلمه غيرهم،
(1) تؤدة وتمهل، ومن لوازم ذلك التحقق من اللفظ، وتفهم المعنى.
وسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه غيرهم، ورأوا من أحواله ما لم يره غيرهم، وكان ابن مسعود- رضي الله عنه من أعلم الصحابة بعلوم القرآن ولا سيما علم أسباب النزول، وعلم المكي والمدني، وعلم قراءاته، روى البخاري بسنده عنه أنه قال:«والله الذي لا إله غيره ما من آية من كتاب الله إلا وأعلم أين نزلت وفيم نزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لركبت إليه» .
فإن خفي عليهم من القرآن شيء لم يدركوه بفطرتهم اللغوية، ومعارفهم المكتسبة، رجعوا فيه إلى «النبي» فيعلمهم إياه، فمن ثمّ تجمع لهم من علم «القرآن» شيء كثير.
روى البخاري (1) أنه لما نزل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)[سورة الأنعام: 82] اهتم الصحابة، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالظلم:
الشرك، أخذا من قول الله تعالى: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان: 13].
وروى البخاري: أنه لما نزل قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [سورة البقرة: 187] عمد «عدي ابن حاتم» إلى عقالين، أحدهما: أبيض، والآخر: أسود، ووضعهما تحت وسادة حتى بين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالخيطين بياض النهار وسواد الليل (2)
…
وغير ذلك كثير.
ولم يكن همّ الصحابة حفظ ألفاظ القرآن فحسب؛ بل جمعوا إلى حفظ اللفظ فهم المعنى، وتدبر المراد، والعمل بمقتضى ما تضمنه من الأحكام والآداب.
قال «أبو عبد الرحمن السلمي» (3): حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن،
(1) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة لقمان، باب «إن الشرك لظلم عظيم» .
(2)
صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة البقرة باب «وكلوا واشربوا
…
».
(3)
هو: «عبد الله بن حبيب بن ربيعة» تلميذ أميري المؤمنين «عثمان» و «علي» وأضرابهما
كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات، لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل،
قالوا: «فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا» ، ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة الواحدة، وهذا هو السر فيما روي أن «ابن عمر» أقام على حفظ «البقرة» ثمان سنين ذكره مالك في «الموطأ» ، وما يفسر لنا قول «أنس» رضي الله عنه:«كان الرجل إذا قرأ «البقرة» و «آل عمران» جد في أعيننا» (1) أي: عظم.
وعلى ما كان عليه الصحابة من العروبة الخالصة، والتصرف في فنون القول، وأخذهم بزمام الفصاحة، فقد خفيت عليهم بعض ألفاظ «القرآن» اللغوية، ولم يعرفوا معناها.
أخرج «أبو عبيد» في «الفضائل» عن إبراهيم التيمي: أن أبا بكر- الصديق- سئل عن قوله تعالى: وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31)[سورة عبس: 31] فقال:
«أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم» ، وفي سنده انقطاع لأن إبراهيم التيمي لم يلق الصديق (2).
وأخرج عن «أنس» أن «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه قرأ على المنبر وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) فقال: «هذه الفاكهة قد عرفناها .. فما الأب» ثم رجع إلى نفسه فقال: «إن هذا لهو الكلف يا عمر؛ وما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري: ما الأبّ» .
لأن عدم معرفة معنى كلمة من القرآن لا تضر المسلم ما دام حافظا للقرآن عاملا بكل ما فيه من الأحكام والآداب.
وأخرج أيضا من طريق «مجاهد» عن «ابن عباس» قال: «كنت لا أدري
من علماء الصحابة، كابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب، وكان من خيار التابعين، ومن علمائهم بالقرآن.
(1)
أصول التفسير لابن تيمية ص 6 ط السلفية.
(2)
وأخرجه أيضا ابن جرير وفي سنده انقطاع.