الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحافظات من النساء: ولم يكن حفظ القرآن خاصا بالرجال، بل قد شارك فيه النساء؛ منهن من كانت تحفظ بعضه، ومنهن من كانت تحفظه كله وذلك مثل عائشة وحفصة، وأم سلمة وأم ورقة، قال الإمام السيوطي: ظفرت بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن لم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك، فأخرج ابن سعد في «الطبقات» قال: أنبأنا الفضل بن دكين، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع، قال حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله ابن الحارث- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، ويسميها الشهيدة،
وكانت قد جمعت القرآن-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدرا قالت له: «أتأذن لي، فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم، لعل الله يهدي لي شهادة، قال: «إن الله مهد لك شهادة» وكان رسول الله أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن فغمها غلام لها وجارية كانت قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر رضي الله عنه، فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول:«انطلقوا بنا نزور الشهيدة» (1) فأكرم بها من مسلمة حافظة.
جمع القرآن بمعنى كتابته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن وإقرائه لأصحابه وحفظهم له، بل جمع إلى ذلك كتابته وتقييده في السطور، وكان للنبي كتّاب يكتبون الوحي؛ منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبان وخالد ابنا سعيد وخالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب وغيرهم، فكان إذا نزل على النبي من الوحي شيء دعا بعض من يكتب فيأمره بكتابة ما نزل، وإرشاده إلى موضعه، وكيفية كتابته على حسب ما كان يرشده إليه أمين الوحي جبريل، روي عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال: «ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا» وروى أحمد وأصحاب السنن
(1) المرجع السابق ص 72.
الثلاثة وصححه ابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس عن عثمان بن عفان قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: «ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا» .
وعن زيد بن ثابت قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع» قال البيهقي: يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم تكن أدوات الكتابة ميسرة في ذلك الوقت، فلذلك كانوا يكتبونه على حسب ما تيسر لهم في الرقاع والعسب والأكتاف واللخاف والأقتاب (1) ونحوها، وقد كان القرآن كله مكتوبا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان مفرقا، وكانت كتابته بالأحرف السبعة التي نزل بها.
وأما الصحابة فقد كان بعضهم لا يكتب القرآن، اعتمادا على الحفظ وسيلان الأذهان، كما هو شأن العرب في حفظ شعرها ونثرها وأنسابها، وبعضهم كان يكتب ولكن كان مفرقا؛ وكان بعض الصحابة لا يقتصرون فيما يكتبونه على ما ثبت بالتواتر، بل كانوا يكتبون المنسوخ تلاوة وبعض تفسيرات وتأويلات لمعانيه، وذلك كما فعل ابن مسعود وأبي وغيرهما.
وخلاصة القول أن القرآن كله كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مفرقا، وكذلك كتب بعض الصحابة القرآن أو ما تيسر لهم منه، وإن لم تبلغ كتابتهم في الوثوق مبلغ ما كتب بين يدي النبي، وقد أذن النبي لأصحابه في كتابة القرآن دون السنة، ففي صحيح مسلم:«لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» وطبعي أن المكتوب في هذا العهد لم يكن مرتب
(1) الرقاع جمع رقعة وقد تكون من جلد أو قماش أو ورق، العسب: جمع عسيب طرف الجريد العريض كانوا يكشطون الخوص ويكتبون فيه، والأكتاف جمع كتف وهي العظام العريضة من أكتاف الحيوان كالإبل والبقر والغنم، واللخاف بكسر اللام:
جمع لخفة بفتح فسكون، وهي الحجارة الرقيقة، والأقتاب: جمع قتب وهي الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
السور والآيات ضرورة التفريق في العسب والأكتاف والرقاع (1) ونحوها، وليس معنى هذا أنهم كانوا يقرءونه غير مرتب الآيات- وحاشا- وإنما كانوا يقرءونه مرتب الآيات على حسب ما أوقفهم عليه الرسول، بإرشاد جبريل، عن رب العالمين وعلى ما هو عليه اليوم، والسبب الباعث على كتابته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
1 -
معاضدة المكتوب للمحفوظ لتتوفر للقرآن كل عوامل الحفظ والبقاء، ولذا كان المعول عليه عند الجمع الحفظ والكتابة.
2 -
تبليغ الوحي على الوجه الأكمل؛ لأن الاعتماد على حفظ الصحابة فحسب غير كاف؛ لأنهم عرضة للنسيان أو الموت، أما الكتابة فباقية لا تزول، وإنما لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في مكان واحد لما يأتي:
1 -
ما كان يترقبه النبي من تتابع نزول الوحي ونزول بعض آيات ناسخة لبعض أحكامه وألفاظه.
2 -
ترتيب آيات القرآن وسوره لم يكن على حسب النزول بل كان حسب تناسب الآي وترابطها وقد تنزل الآية أو السورة بعد الآية أو السورة وتكون في ترتيب الكتابة قبلها، وذلك مثل آية الاعتداد بأربعة أشهر وعشر فإنها ناسخة لآية الاعتداد بحول، مع أن الأولى مكتوبة في المصاحف قبلها، وهي متأخرة في النزول عنها قطعا لوجوب تأخر الناسخ عن المنسوخ.
فلو كتب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كله في مكان واحد- والشأن كما ذكرنا- لكان عرضة للتغيير والإزالة والكشط والمحو، وقد تكون كتابته في موضع واحد متعذرة إن لم تكن مستحيلة في كتاب نزل منجما في بضع وعشرين سنة، فلما انقضى الوحي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأمن النسخ، وعرف الترتيب ألهم الله سبحانه الخلفاء الراشدين، فقاموا بجمع القرآن في الصحف، كما حدث في عهد الصديق رضي الله عنه، وفي المصاحف كما حدث في عهد عثمان رضي الله عنه.
(1) أما ما كان مكتوبا في القطعة الواحدة فقد كان مرتب الآيات ولا ريب.