الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للقطعي الثابت بالتواتر، فهو مردود لا محالة.
2 -
إن ذكر الواو في الآية هو الذي تقضي به البلاغة الفائقة، لا حذفها، سواء أفسر الفرقان بالتوراة أم فسر بالنصر، وقد روي هذا الثاني عن ابن عباس وغيره، ويشهد له قوله تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فالمراد به يوم بدر؛ وبيان ذلك أما على الأول فيكون المراد بالفرقان والضياء والذكر التوراة، وهي فرقان؛ لأنها تفرق بين الحق والباطل، وضياء لأنها تنير الطريق للسالكين، وهي ذكر لما فيها من التذكير والمواعظ، ومثل هذا الأسلوب يجوز أن يأتي بدون الواو على أنه حال، ويجوز أن يأتي بالواو وكلّ بليغ، ولكن الإتيان بها أبلغ تنزيلا لتغاير الصفة- والحال صفة في المعنى- منزلة تغاير الذوات، ولذلك سر بلاغي؛ وهو الإشارة إلى بلوغها درجة عالية في كونها ضياء، حتى أضحت كأنها جنسا مستقلا برأسه عن سابقه، وهذا السر لا يتم على حذف الواو، ومثل هذا من كلام العرب:
إلى المسلك القرم وابن الهمام
…
وليث الكتيبة في المزدحم
وأما على الثاني وهو تفسير الفرقان بالنصر فتكون الواو لازمة البتة لتغاير المعطوف والمعطوف عليه، ويكون المراد بالضياء التوراة أو الشريعة.
الشبهة السابعة:
قالوا: روي عن ابن عباس في قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ [النور: 35] أنه قال: هي خطأ من الكاتب، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة، إنما هي «مثل نور المؤمن كمشكاة» .
[والجواب]
وللجواب على ذلك نقول:
1 -
إن هذه الرواية معارضة للقطعي الثابت بالتواتر، فهي مردودة وباطلة ولا يثبت بها قرآن قط.
2 -
إن هذه الرواية ضعيفة، وأغلب الظن أنها مختلقة عليه، وليس أدل على هذا من أنه قرأ بهذه القراءة المتواترة المعروفة، ولم ينقل عنه أنه قرأ
«مثل نور المؤمن» ، وأن المأثور عنه في تفسيرها لا يتفق هو وما نقل عنه؛ فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قال: مثل نوره: مثل هداه في قلب المؤمن.
وهذا التفسير لا يتأتى إلا إذا عاد الضمير في نُورِهِ على لفظ الجلالة، وهو أرجح الروايتين عنه في مرجع الضمير، ولو سلمنا ما رواه الحاكم عنه من أن مرجع الضمير هو المؤمن فلا يلزم منه رد القراءة المتواترة؛ بل هو تفسير لمرجع الضمير فيها، وأيّا كان المروي عنه فلا يشهد لهذا الدس والاختلاق ويضعف هذه الرواية التي رواها الحاكم عنه أن رجوع الضمير إلى مذكور في الكلام إذا لم يكن في الكلام ما يدل عليه، أو كان ولكن دلالته عليه خفية خلاف الظاهر جدّا، ولا سيما إذا فات المقصود من الكلام على ذلك (1) وإنما تتم الروعة في التمثيل في الآية لو رجع الضمير إلى المذكور، وهو لفظ الجلالة، على أن يكون المراد بالنور الحق الذي قامت عليه السموات والأرض، وصلح به أمر الناس، أو الهدى الذي غرسه الله في قلب المؤمن، وأما على الوجه الآخر ففيه تفكيك للقرآن وتفويت لروعة التمثيل.
ولو أن هذا الدس نقل عن أبي بن كعب لكان الأمر أهون إذ هو الذي نقل عنه أنه قرأ «مثل نور المؤمن» وفي رواية «مثل نور المؤمنين» وفي رواية «مثل نور من آمن» (2) وهي قراءات شاذة لا يعتد بها ولا يقرأ بها لمخالفتها لرسم المصحف، وعدم تواترها، ولكن شاء الله أن تتم الحبكة في نسج هذه الرواية المكذوبة على ابن عباس، وهكذا الباطل يكون في طيه ما يلقي أضواء على بطلانه.
(1) انظر تفسير الآلوسي ج 18 ص 165، 166.
(2)
في هذا الاختلاف دلالة قوية على أن ما روي، عن أبي أنه قرأ به إنما مراده به التفسير، وإلا فيبعد أن تكون هذه كلها قراءات ثابتة بالتلقي والسماع، وهذه القراءات التفسيرية كثيرا ما ترد عن بعض الصحابة، والتابعين، فيظن من لا يعرف أنها قراءات تلاوة، والحق ما ذكرنا لك.