الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن شئت أمثلة لما كان يفعله المنافقون ويقولونه، وإظهار الله لحالهم، فاقرأ معي- قول الله- سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة البقرة:
8 -
20]، وقوله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى الآيتين [النساء: 142 - 143].
وقد أنزل الله في شأنهم سورة بتمامها، وهي سورة «المنافقون» كما ذكر الكثير من أحوالهم في سورة «التوبة» . وما زال الله- سبحانه- يقول في هذه السورة، ومنهم
…
ومنهم
…
حتى فضحهم أشد فضيحة، وجعلهم مثلا لسوء الطباع، والأخلاق والنذالة، والدّسّ، والوقيعة- في الأولين والآخرين.
الحكمة الرابعة:
بيان إعجاز القرآن الكريم على أبلغ وجه وآكده؛ لأن القرآن لو نزل جملة واحدة؛ لقالوا: شيء جاءنا مرة واحدة فلا نستطيع أن نعارضه، ولو أنه جاءنا قطعا قطعا لعارضناه فأراد ربك أن يقطع عليهم دابر المعذرة والتعلل؛ فأنزله مفرقا.
وكأن الله- سبحانه- يقول لهم- بعد نزول كل قطعة منه-: إن كنتم ترتابون في أن هذا المنزل على هذا الوضع من عند الله؛ فأتوا أنتم بقطعة مشابهة له.
وقد ذكرنا سابقا: أن الله تحدى الناس كافة بالقرآن على مراتب متعددة؛ كي تقوم عليهم الحجة تلو الحجة، ولو أن القرآن نزل جملة واحدة لما أمكن تكرر التحدي المرة
بعد المرة وثبوت عجزهم المرة تلو المرة.
وهكذا يتبين لنا: أن القرآن بنزوله منجما قد أعطاهم بعد كل نجم فرصة يعارضون فيها؛ فإذا ما عجزوا كان ذلك أدل على الإعجاز، وأقطع للمعذرة.
وأيضا فالقرآن على نزوله مفرقا، وتباعد ما بين أزمان النزول يكوّن سلسلة ذهبية مترابطة الحلقات متآخية الفقرات، منسجمة الشكل؛ لا تنبو كلمة عن كلمة، ولا تنفر آية من آية، بل كله في غاية الفصاحة والبلاغة والإحكام، ولا يسمو بأسلوبه في بعض الآيات وينزل في البعض الآخر، ولا تنبل الغاية والمقصد في بعض الآيات، وتسف في البعض الآخر مما يدل أعظم الدلالة على أنه ليس من عند بشر.
ولو أنك نظرت في مؤلفات أديب من الأدباء، مهما بلغ، فإنك- لا شك- واجد تفاوتا بيّنا بين ما ألفه في أول حياته، وما ألفه في آخر حياته سواء أكان في لفظه ومعانيه، أم في أغراضه ومراميه، أم في أسلوبه وتفكيره.
وإذا كان القرآن لم يأت على غرار ما يصنع البشر، فقد تعين أن يكون من عند الله خالق القوى والقدر.
هذا .. وليست هذه نهاية الحكم، فهناك لمن أحكم النظر، وأجال البصر حكم وحكم.
تتمّة: الذي استقرئ من الأحاديث الصحيحة وغيرها، أن القرآن كان ينزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الحاجة: خمس آيات، وعشر آيات، وأكثر أو أقل.
وقد صح نزول العشر الآيات في قصة «الإفك» جملة، وصح نزول عشر آيات من أول سورة «المؤمنون» جملة، وصح نزول: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وحدها، في قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
…
[سورة النساء: 95] الآية، وكذلك قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة التوبة: 28] نزل بعد أن نزل أول الآية، كما حرره الإمام «السيوطي» في «أسباب النزول» وقد ورد في بعض الآثار نزول بعض السور