الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا عرفنا ترتيب الآيات التي نزلت في شأن تحريم الخمر، وقد ذكرنا ذلك آنفا، ومثل ما إذا عرفنا أن الآيات الداعية إلى أصول العقائد نزلت أولا، وأن الآيات التي نزلت في التشريعات التفصيلية، والأحكام العملية نزلت بعدها، أدركنا أسرار الله في التربية والتشريع، فما لم تعرف الأصول، وتطمئن إليها القلوب، لا يسهل الأخذ بالفروع.
الأولية والآخرية إما مطلقة وإما مقيدة:
ثم إن أولية النزول وآخريته تارة تكون على الإطلاق أي بالنسبة للقرآن كله، وتارة تكون مقيدة؛ إما بالنسبة لموضوع معين، وذلك مثل أول ما نزل في الجهاد، وآخر ما نزل فيه، وإما بالنسبة لمكان خاص مثل أول ما نزل بمكة، وآخر ما نزل بها، وأول ما نزل بالمدينة وآخر ما نزل بها، وإما بالنسبة لسورة ما؛ مثل أول ما نزل من سورة كذا وآخر ما نزل منها.
أما الأولية والآخرية المطلقتان، فسأتناولهما بالتفصيل، وأما المقيدتان فسأكتفي بضرب بعض الأمثلة؛ لأن استيعابها يحتاج إلى مؤلف خاص.
ولنبدأ بأول ما نزل وآخر ما نزل على الإطلاق.
2 - أول ما نزل من القرآن
اختلف العلماء في هذا على أقوال أربعة:
القول الأول:
إن أول ما نزل هو قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5)[العلق 1 - 5]، ويدل لذلك ما يأتي:
أ- روى البخاري ومسلم- واللفظ للبخاري- بسندهما عن عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه- وهو
التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع (1) إلى أهله، ويتزود لذلك (2)، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قلت:«ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني (3) حتى بلغ مني الجهد (4) ثم أرسلني» ، فقال: اقرأ، قلت:«ما أنا بقارئ» ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت:«ما أنا بقارئ» ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5)[العلق: 1 - 5] فرجع بها إلى خديجة يرتجف فؤاده، فقال:«زملوني» (5)، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة- وأخبرها الخبر- «لقد خشيت على نفسي» (6)، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل (7)، وتكسب المعدوم وتقري الضيف
…
» الحديث (8) وقد سقت الحديث بطوله، وشرحته في كتابي «السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة» وعائشة، وإن لم تعاين القصة وتشاهدها، إلا أنه يحتمل أن تكون سمعتها من النبي بعد، أو حدثها بها صحابي سمعها من النبي، وأيّا كان الأمر فهو حديث متصل مرفوع، ولذلك أجمعوا على أن مراسيل الصحابة حجة.
ب- وروى الحاكم في «مستدركه» والبيهقي في «دلائل النبوة» وصححاه عن عائشة أنها قالت: أول سورة نزلت من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ومرادها
(1) يرجع.
(2)
أي يأخذ معه زاده.
(3)
ضمني وعصرني حتى كاد يحبس أنفاسي.
(4)
بفتح الجيم ونصب الدال أي غاية الوسع، وبضم الجيم، ورفع الدال أي المشقة والحرج أي بلغت مني المشقة غايتها.
(5)
لففوني بالثياب وغطوني حتى يذهب عني الخوف والرعب.
(6)
أي المرض أو الهلاك.
(7)
الضعيف.
(8)
صحيح البخاري: باب كيف كان بدء الوحي، وصحيح مسلم.