الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس بعد الحق إلا الضلال فأنى يؤفكون.
الشبهة السابعة
: روى مسلم (1) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن.
وروى بعضهم أنها كانت في صحيفة، وفي رواية في جليد، وأنهم اشتغلوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل الداجن (2) فأكلها، قالوا: والقرآن اليوم ليس فيه ما يدل على خمس رضعات، فتكون الآية الدالة على هذا الحكم قد سقطت من القرآن.
والجواب: أن هذه الرواية مهما صحت فهي آحادية لا يثبت بها قرآن؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، ثم هي أيضا لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر، وهو القرآن الذي بين أيدينا اليوم، وغاية ما تدل عليه هذه الرواية أنها خبر لا قرآن.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3)، في معرض ذكر ما يقوي مذهب الجمهور القائلين بتحريم قليل الرضاع وكثيره: وأيضا فقول عائشة: عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات، فمات النبي صلى الله عليه وسلم، وهن مما يقرأ- لا ينهض للاحتجاج على الأصح من قول الأصوليين، لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآنا، ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه، والله أعلم، ومما يدل على أنه ليس قرآنا، وأنه كان تشريعا ثابتا بالسنة، ثم نسخ بالسنة اختلاف الرواية عنها في القدر المحرم، ففي رواية الموطأ عنها عشر رضعات، وعنها أيضا سبع رضعات، أخرجه ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح
(1) مسلم بشرح النووي ج 10 ص 29 - 30.
(2)
في القاموس (ودجن بالمكان دجونا أقام والحمام والشاة وغيرهما ألفت البيوت وهي داجن).
(3)
ج 9 ص 120.
عنها، وعبد الرزاق أيضا، وجاء عنها أيضا: خمس رضعات، وهي ما يدل عليها رواية مسلم التي معنا، فاختلاف الرواية عنها يدل على أنه كان باجتهاد منها استندت فيه على
ما ظهر لها من السنة، ولو كان قرآنا لما نقل عنها كل هذا الاختلاف (1).
وقال الإمام النووي في شرحه على مسلم (2): واعترض أصحاب مالك على الشافعية- يعني القائلين بأن لا حرمة إلا بالخمس- بأن حديث عائشة هذا لا يحتج به عندكم، وعند محققي الأصوليين؛ لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد، وإذا لم يثبت قرآنا لم يثبت خبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن خبر الواحد إذا توجه إليه قادح يوقف عن العمل به، وهذا إذا لم يجئ إلا بآحاد مع أن العادة مجيئه متواترا توجب ريبة، والله أعلم.
وهكذا يتبين لنا أن الأئمة على أنه ليس بقرآن قط، وأقصى درجاته أن يكون خبرا صحيحا، وأما رواية أكل الداجن فهي مردودة ومتهافتة، وليس أدل على هذا من أن القرآن كان محفوظا في الصدور، فضياع صحيفة منه- فرضا- لا يؤثر في ثبوت قرآنيته ما دامت تحفظه الكثرة الكاثرة من المسلمين، ثم إن القرآن كان مكتوبا في العسب، والرقاع والعظام وصحائف الحجارة، ومثل هذه الأشياء مما لا يتيسر في العادة للداجن أن تأكله، ولا سيما والرواية لم تعين لنا نوع هذا الداجن، أهو شاة أم حمام أم غيرهما.
فإن قال قائل: فكيف يتفق ما ذهب إليه من تأويل وما ثبت في الرواية «كان فيما أنزل من القرآن» .
قلت: المراد كان فيما أنزل من شرح القرآن وبيانه، ولا شك أن السنة شارحة للقرآن ومبينة له قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وأيضا فإن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن، ويكون
(1) المرجع السابق.
(2)
ج 10 ص 30.