الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جملة الأقوال في الأحرف السبعة
وقد بلغ بها «السيوطي» - نقلا عن ابن حبان- إلى خمسة وثلاثين قولا ثم قال: قال ابن حبان: فهذه خمسة وثلاثون قولا لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا، وكلها محتملة ويحتمل غيرها.
وقال أبو العباس المرسي: هذه الوجوه أكثرها متداخلة، ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر، مع أنها كلها موجودة في القرآن فلا أدري معنى التخصيص؛ ومنها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة، وأكثرها معارضة حديث عمر وهشام بن حكيم، الذي في الصحيح؛ فإنهما لم يختلفا في تفسيره، ولا أحكامه وإنما اختلفا في قراءة حروفه، وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبع وهو جهل قبيح.
أما ما استشكله من حديث عمر وهشام فقد بينا مفصل الحق فيه بما يزيل الإشكال ويطمئن القلب، وبحسبنا ما ذكرنا من الأقوال في هذا المقام فقد أعرضنا عن القشور، واكتفينا باللباب.
موقف الشيعة من حديث الأحرف السبعة
أما موقف الشيعة من حديث «نزل القرآن على سبعة أحرف» فكانوا على فريقين فمنهم من يرى صحة الحديث، ولم يطعن فيه، وذكر بعض الوجوه في تأويله، ويمثل هذا الفريق الأستاذ الشيخ أبو عبد الله بن الميرزا نصر الله الزنجاني- رحمه الله في كتابه «تاريخ القرآن» فقد ذكر بعض الأحاديث التي رواها البخاري وغيره في هذا الباب، ثم قال: دلت هذه الروايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ القرآن بعض عظماء الصحابة، ويهتم بأن يحفظوه حتى قال لأبي: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك
…
» ودلت أيضا على أن الصحابة كانوا يهتمون بحفظ نصوص الآيات بحيث كان زيادة حرف «واو» ونقصيتها أمرا مهتما به مع أن ذلك لا يغير المعنى كثيرا.
وكذلك عرض لبيان المراد بالأحرف السبعة، ومال إلى ما رآه الإمام
محمد بن جعفر بن جرير الطبري في تفسيره (1) وهو ما رجحناه آنفا.
ويمثل الفريق الثاني- وهم الأكثر- السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي في كتابه «البيان في تفسير القرآن» (2)، فقد عرض لبعض الروايات الثابتة الصحيحة التي ذكرناها في صدر البحث وقد حاول أن يثبت أنها أحاديث مضطربة متناقضة وأنها ضعيفة الأسانيد من غير أن يقيم على ذلك بينة غير أنها واردة من طرق أهل السنة فهي مرفوضة في نظره وهي أيضا مخالفة لصحيحة زرارة بن أعين (3) عن أبي جعفر قال: إن القرآن واحد، نزل من عند واحد، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة، وأن الصادق عليه السلام حكم بكذب الرواية المشهورة بين الناس «نزل القرآن على سبعة أحرف» وقال:«ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد» .
ولا أدري كيف يستسيغ إخواننا الشيعة أن يردوا حديثا متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية واحد وعشرين صحابيّا عدولا ضابطين، بروايات مقطوعة (4) على التابعين ومن بعدهم، وليس مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا موقوفة (5) على الصحابي ومهما بلغ شأن التابعي أو تابع التابعي فلن تبلغ روايته مبلغ الرواية المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا تصلح أن تكون معارضة لها بل لو وردت
(1) تاريخ القرآن للزنجاني من ص 35 - 38.
(2)
البيان ج 1 ص 119 وما بعدها عن «تاريخ القرآن» .
(3)
في لسان الميزان ج 2 ص 473: زرارة بن أعين الكوفي أخو حمران يترفض- يعني أنه كان رافضيّا- فهو شيعي غال- وقد روى عنه العقيلي في الضعفاء حديثا له عن محمد بن علي عن ابن عباس- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي لا يغسلني غيرك» وذكر له الذهبي قصة وفيها أخبار جعفر بن محمد عنه أنه من أهل النار، وقد كان يروي عن أبي جعفر- يعني محمد الباقر- وقد قال السفيانان: إنه ما رأى أبا جعفر ولكنه كان يتتبع حديثه، فهذه الصحيحة المزعومة لا يثبت سندها، وكان له أخوان شيعيان، وأشدهم تشيعا هو حمران، وقد ذكر ابن حزم في الجمهرة أنه رجع عن تشيعه، ولزم المصحف، وقال: لا إمام لي غيره.
(4)
المقطوع: هو ما روى عن التابعين من أقوالهم وأفعالهم.
(5)
الموقوف: هو ما روى عن الصحابة من أقوالهم وأفعالهم.
رواية عن بعض الصحابة، وورد عن النبي ما يخالفها أخذنا بالرواية المرفوعة ورفضنا الموقوفة، وهذا هو المنهج الصحيح الذي لا ينبغي أن يختلف فيه شيعي أو سني وهذا هو المنهج العلمي الصحيح الذي وضعه أئمة هذا العلم النبوي في كل عصر ومصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا.
وماذا نملك للشيعة ما دام مذهبهم رفض كل المرويات التي رويت في كتب أهل السنة مهما بلغت من الصحة، وثقات رواتها! إذا عارضت ما روي عن أهل البيت.
يقول السيد الخوئي: ولا قيمة للروايات إذا كانت مخالفة لما يصح عنهم (أي عن أهل البيت) ولذلك لا يهمنا أن نتكلم عن أسانيد هذه الروايات، وهذا أول شيء تسقط به الرواية عن الاعتبار والحجية (1) وهذا المبدأ أبعد ما يكون عن المنطق والصواب فأي راو مهما بلغ من العلم أو النسب غير معصوم، وما دام الأمر كذلك فلتوزن هذه الروايات وغيرها بالميزان الذي وضعه أئمة الجرح والتعديل، وليتعرف صحيحها من سقيمها من موضوعها بالقواعد التي وضعها أئمة أصول الحديث، والتي تعتبر ميزان المنقول، كما اعتبر المنطق ميزان المعقول، ولكي تكون على بينة مما ذكره السيد الخوئي ومنزلته من الحق والصواب أذكر لك بعض المثل مما انتقد به المرويات:
يقول: فمن التناقض أن بعض الروايات دل على أن جبريل أقرأ النبي على حرف فاستزاده النبي- فزاده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، وهذا يدل على أن الزيادة كانت بالتدريج، وفي بعضها أن الزيادة كانت مرة واحدة في المرة الثالثة وفي بعضها أن الله أمره في المرة الثالثة أن يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف، وكان الأمر بقراءة سبع في المرة الرابعة.
وفي الحق أن هذا لا يعد تناقضا ولا اضطرابا ترد به الروايات لأن إمكان الجمع بينها سهل يسير لجواز أن لا تكون هذه الأحاديث في قصة واحدة بل
(1) البيان ج 1 ص 123.
تكون في قصص ولقاءات متعددة، ففي بعضها أخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الرابعة، وفي بعضها أخبره في المرة الثالثة، أو بالعكس، أو تكون في قصة واحدة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها في أوقات متعددة ففي وقت اكتفى النبي بالإجمال، وفي وقت آخر سلك مسلك التفصيل فجاء الرواة فرووها كما سمعوها أو أن ذلك يرجع إلى أن بعض الرواة قد يقتصر على بعض المرات، والبعض يستوفي المرات، وقد علق العلماء على الروايات فيما سبق بنحو ذلك على أن هذه الأمور اليسيرة السهلة لا تطعن في صحة الحديث نفسه ما دامت الروايات كلها في النهاية تتفق على ذلك، وكل ما ذكره من تناقض أو اختلاف فهو أهون شأنا من هذا.
أما الطعن في هذا الحديث بأن الزيادة على الحرف الواحد إنما جاءت من الرواة، فلا أدري أنصدقه فيما زعم، ونرفض ما رواه الأئمة العدول الضابطون، وما يكاد تجمع عليه الأمة سلفها وخلفها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا! وفيه الصحابة الأجلاء، والأئمة العلماء الذين حكموا بتواتر هذا الحديث، ومعروف أن الحديث المتواتر يفيد القطع واليقين في نسبته إلى قائله!! والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
ولا أدري كيف نرجح ما جاء في «صحيحة» زرارة بن أعين المنقطعة بقول إمامين كبيرين، وهما سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة على أحاديث مسندة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تفيد بمجموعها التواتر المعنوي!
بل كيف نرجح ما يوجد في كتاب رجل حكم عليه جعفر بن محمد الباقر بأنه من أهل النار أحبّ من علماء الشيعة أن يراجعوا أنفسهم في مثل هذا الكلام الذي لا يشهد له عقل، ولا نقل صحيح، وإنما هي ظنون وتخرصات لا تغني عن الحق شيئا!!.