الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه، فإذا عيناه تذرفان يعني: بالدموع إما فرحا بهذه المنزلة التي تفرد بها: وإما حزنا وأسفا لأنه سيشهد على أمته؛ وفيهم المسيء والعاصي.
وعن الصحابة حفظه الألوف من التابعين ثم ألوف الألوف ممن جاء بعدهم حتى وصل إلينا القرآن كما أنزله الله من غير زيادة، ولا نقصان ولا تغيير ولا تبديل وتحققت كلمة الله إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) صدق الله العظيم وكذلك أمره الله سبحانه أن يقرأه على بعض أصحابه المجيدين لحفظ القرآن كأبي بن كعب رضي الله عنه.
العوامل المساعدة على حفظ القرآن:
إن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أمرا هيأ له الأسباب، وهذا من رحمته بخلقه، فقد أوجب على الأمة الإسلامية حفظ القرآن، وجعل لهم من الدواعي والحوافز ما أعانهم على حفظه، ومداومة قراءته، وتلاوته فمن هذه العوامل:
العامل الأول التعبد بالقرآن الكريم في الصلاة وخارجها:
وقد اتفق الفقهاء قاطبة على أن الصلاة سواء أكانت فرضا أم نفلا جماعة، أو غيرها لا تصح إلا بالقرآن، ولا تصح بالأحاديث القدسية، ولا النبوية، ولا بالأذكار المأثورة، فالقراءة ركن في الصلاة، وهذا محل إجماع، إلا أن منهم من جعل قراءة الفاتحة ركنا لا تصح الصلاة إلا به وهم الأئمة مالك والشافعي، وأحمد في المشهور عنه.
ومنهم من لم يجعل الفاتحة ركنا، فالصلاة تصح بالفاتحة وغيرها، وهو الإمام أبو حنيفة وأصحابه، إلا أن الصلاة عندهم ناقصة الثواب غير كاملة؛ لأنهم جعلوا قراءة الفاتحة واجبا لا ركنا، فمن ترك قراءتها عمدا أساء، وعليه إعادتها، ومن تركها سهوا جبر بسجود السهو، ومن ذلك يتبين أن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحفظ من القرآن ما يصحح به صلاته.
وأيضا فقد كان قيام الليل واجبا في صدر الإسلام على النبي، وقيل عليه وعلى أصحابه وعماد القيام بالصلاة ومن أركانها قراءة القرآن قال تعالى:
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ (1) أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)[المزمل: 1 - 4] وكانوا مخيرين في هذا الوجوب بين الثلث أو النصف، أو الثلثين، وقد مكثوا على هذا عاما أو عامين، وقيل عشر سنين حتى كانت تنتفخ أقدام بعضهم من طول القيام فخفف الله عنهم، وصار مستحبا، ونسخ الفرضية بقوله سبحانه في آخر السورة إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (2) عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (3) عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) [المزمل: 20] وبذلك صار مستحبا مرغوبا فيه ووكل إلى كل ما يستطيعه من ساعاته.
وقد كان النبي والصحابة ملازمين للقيام وقراءة القرآن حتى بعد التخفيف ونسخ الفرضية حتى استحقوا الثناء من الله عز وجل قال سبحانه: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ
(17)
[السجدة: 16 - 17].
وقال سبحانه: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)[الذاريات 17 - 19].
وقد كان هذا القيام لونا من ألوان التربية الإسلامية حتى تصفو نفوسهم
(1) نصفه بدل من الليل أو من قليلا فكان الواجب إما النصف، أو الثلث، أو الثلثان.
(2)
أي: ساعاتهما، ويعلم القدر الذي تقوم منه وأنكم لا يمكنكم المواظبة على هذا، لأن لكم طاقة، كما أنه منكم المرضى، ومنكم من يسعى على رزقه، كما أنه سيفرض عليكم الجهاد فيما بعد، فكان من حكمتي ورحمتي التخفيف عليكم.
(3)
بهذا الجزء من الآية استدل أبو حنيفة وأصحابه على صحة الصلاة بالفاتحة وغيرها.