الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فللإشارة إلى أن الإيتاء ينبغي أن يكون ممدودا موصولا غير منقطع، فيكون فيه تطابق بين اللفظ والمعنى، وفي قوله تعالى: ولقد جاءك من نبإى المرسلين [الأنعام: 34] للإشارة إلى كثرة ما جاء في القرآن من أخبار الأنبياء، وتحملهم الأذى البالغ، والصبر الصابر، حتى جاء نصر الله.
وفي قوله: ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النّهار لعلّك ترضى [طه: 130] للإشارة إلى أنه ينبغي أن يشغل معظم ساعات الليل بالقيام والتسبيح، فجاءت هيئة رسم اللفظ موحية بهذا المعنى، وفي قوله: أو من وراءي حجاب [الشورى: 51]. للإشارة إلى كلام من وراء وراء فهو وراء فسيح ممدود لا حد له.
وهكذا لا يعدم المتأمل في رسم القرآن، بعقل فسيح وقلب مستنير، من أن يجد في الرسم من أسرار القرآن الشيء الكثير، فلله در القرآن ما أعظم بركاته، وما أكثر أسراره معنى ولفظا ورسما.
(5)
إفادة بعض المعاني المختلفة بطريقة لا خفاء فيها؛ وذلك نحو قطع كلمة (أم) في قوله تعالى: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ووصلها في قوله تعالى: أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فقطع الأولى في الكتابة للدلالة على أنها (أم) المنقطعة بمعنى بل، ووصل أم الثانية للدلالة على أنها ليست المنقطعة، وإنما هي المتصلة.
(6)
احتمال الرسم للقراءات المتواترة والصحيحة، وذلك مثل قوله تعالى: وتمّت كلمت ربّك صدقا وعدلا الآية فقد قرئت بالإفراد والجمع، يعني تمت كلمت ربك أو كلمات ربك.
[مذهب الامام الباقلانى وابن خلدون فى ان الرسم اجتهادى]
الرأي الثاني إن رسم المصحف اصطلاحي لا توقيفي، وممن ذهب إلى هذا ابن خلدون في مقدمته (1) والقاضي أبو بكر الباقلاني في «الانتصار» حيث قالا:
(1) المقدمة ص 351 فقد قال: إن الكتابة من الصناعات التي تتبع الحضارة تقدما
إن رسم المصحف كان باصطلاح من الصحابة، لأنهم كانوا حديثي عهد بالكتابة وإليك ما قاله القاضي أبو بكر: وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا، إذ لم يأخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسما بعينه دون غيره أوجبه عليهم وترك ما عداه؛ إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف. وليس في نصوص الكتاب، ولا مفهومه، أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص، وحد محدود لا يجوز تجاوزه، ولا في نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية؛ بل السنة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه، ولم يبين لهم وجها معينا، ولا نهى أحدا عن كتابته؛ ولذلك اختلفت خطوط المصاحف. فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص؛ لعلمه بأن ذلك اصطلاح، وأن الناس لا يخفى عليهم الحال، ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوج الألف، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك.
وإذا كانت خطوط المصاحف وكثير من حروفها مختلفة متغايرة الصورة وأن الناس قد أجازوا ذلك وأجازوا أن يكتب كل واحد منهم بما هو عادته، وما هو أسهل وأشهر وأولى، من غير تأثيم ولا تناكر، علم أنه لم يؤخذ في ذلك على الناس حد محدود مخصوص، كما أخذ عليهم في القراءة والأذان، والسبب في ذلك أن الخطوط إنما هي علامات ورسوم تجري
وتأخرا، فكلما كانت الحضارة قوية كانت الكتابة أحكم وأجود، وكلما كانت البداوة مستحكمة كانت الأمية أغلب وأعم، وإن الصحابة لم يكونوا على درجة من إتقان الخط، فمن ثم خالفت خطوط المصاحف ما هو معروف من القواعد الخطية في بعض الآيات القرآنية، وإن من جاء بعدهم اقتدى برسمهم، اتباعا لهم وتبركا بهم
…
إلى آخر ما قال.
مجرى الإشارات والعقود والرموز، فكل رسم دال على الكلمة مفيد لوجه قراءتها تجب صحته وتصويب الكاتب به، على أي صورة كانت.
وبالجملة فكل من ادعى أنه يجب على الناس رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه، وأنى له ذلك وقد نوقش هذا المذهب بما يأتي:
1 -
بالأدلة التي ساقها جمهور العلماء لتأييد القول بالتوقيف وقد مرت بك عن كثب.
2 -
ما ادعاه من أنه ليس في نصوص السنة الخ مردود بما روي من قوله صلى الله عليه وسلم لمعاوية: «ألق الدواة، وحرف القلم» الحديث وبما ذكرناه من أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الكاتبين على ما كتبوا والتقرير أحد أنواع السنة.
3 -
ما ذكره من قوله: ولذلك اختلفت خطوط المصاحف
…
إلخ، غير مسلم لقيام الإجماع على الرسم العثماني، وعد وجود المخالف وتتابع الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم على ما جاء في هذه المصاحف عن غير نكير له.
4 -
أما ما ذكره ابن خلدون من أن العرب كانوا مغرقين في البداوة.
فنقول: إنهم بعد الإسلام قد خطوا في الحضارة العلمية والكتابية خطوات ملموسة، وذلك لما بينا من أن الإسلام دين العلم والمعرفة، وأنه دعا إلى إزالة الأمية من أول يوم، وأما متابعة من جاء بعد الصحابة لهم في رسم المصحف، تبركا بهم، فلم يكن التبرك هو المعول عليه في هذا العصر، وإنما كان ديدنهم ما وافق الحق والصواب قبلوه، وما خالف الحق والصواب نبذوه، وأما أن الصحابة لم يكونوا على درجة من إتقان الخط فمردود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختار كتاب القرآن من الحذاق بالكتابة، ومنهم من كان يعرفها في الجاهلية، ثم جاء الإسلام، فزاده حذقا ومعرفة بها، وقد مرت مثل مما التزموه في الكتابة يدل دلالة أكيدة على أن هذا أمر كان مقصودا لهم، وأنهم كانوا على درجة من الحذق بالهجاء والكتابة.