الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما فوقها في الحجم والمقدار، وثانيهما: فما فوقها أي في الخسة والقدر، يعني فما دونها في الحجم، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب المثل بما دون البعوضة، فقال:«لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء» .
وبهذا انتهينا من هذه المسائل والفوائد التي لا يستغنى مسلم عن معرفتها والتأدب بها.
نسأل الله سبحانه أن يرزقنا الأدب معه ومع كتابه، ومع نبيه.
لا يجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية
كنت قد كتبت هذا العنوان ريثما أكتب تحته ما أريد ثم طبع العنوان ص 366 من غير شيء وها أنا ذا أستدرك ما فات، فأقول وبالله التوفيق:
من المجمع عليه أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير اللغة العربية لا في الصلاة ولا في خارجها؛ لأن الله أنزله قرآنا عربيا قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2]، وقال: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف: 3] وقال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)[الشعراء: 193 - 195] ولم يقل قرآنا أعجميا، وركنا القرآن اللفظ والمعنى معا فإذا قرأ بغير العربية لا يسمى قرآنا.
وما روي عن الإمام الأعظم أبي حنيفة أنه جوز القرآن بالفارسية في الصلاة للعاجزين عن العربية قد نقل بعض المحققين من أتباعه أنه رجع عنه (1) وبذلك صار الأمر إجماعا من الفقهاء والقرآن كما ذكرت في مقدمة الكتاب هو الذي وحد بين المسلمين في اللسان كما وحد بينهم في العقيدة والشريعة، وبفضل القرآن كان المسلمون على اختلاف أجناسهم ولغاتهم يتكلمون اللغة العربية من المحيط إلى المحيط بل من الفرس، والرومان وغيرهم من أجاد اللغة العربية إجادة العرب الخلص لها، ومؤلفاتهم التي لا
(1) حدث الأحداث في الإسلام الإقدام على ترجمة القرآن ص 6 ط الثانية.
يحصيها العد أكبر دليل على هذا وهذا أمر لم يكن لغير القرآن، وهو سر من أسرار الإعجاز والبيان وصدق الله تعالى في قوله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)(1).
وكما لا يجوز قراءة القرآن بغير اللفظ العربي المبين الذي نزل به، لا يجوز بالإجماع كتابته بغير الحروف العربية، لا باللاتينية، ولا بغيرها من اللغات، لأن القرآن عربي في لفظه وعربي في حروفه وكتابته، ورسم القرآن كما رجحنا سابقا توقيفي وسنة متبعة لا تجوز مخالفته، والصحابة رضوان الله عليهم لما كتبوا المصاحف لم يكتبوها إلا بالحروف العربية، وهذا إجماع لا تجوز مخالفته ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما كاتب الملوك والأمراء بعد صلح الحديبية كاتبهم باللغة العربية (2)، حتى فيما ليس بقرآن فإذا كان هذا في غير القرآن فما بالك بالقرآن ونصوص الكتب مدونة في كتب السير والحديث والتاريخ ولم أقف على كتاب منها كتب بغير اللغة العربية، والحروف العربية ومن ادعى خلاف ذلك فعليه البيان.
فالدعوة إلى كتابة القرآن الكريم بالحروف اللاتينية أو بغيرها دعوة آثمة ملحدة هدامة تدعو إلى فصم العروة الوثقى التي تربط بين المسلمين جميعا عربا، وغير عرب، وهي القرآن ولغة القرآن.
وكما أن اللغة العربية شعار الإسلام والمسلمين، فكذلك الحروف العربية شعارهم ومن منذ نصف قرن قام بعض المصريين وغيرهم يدعون إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، ولكن الله قيض لهم من المخلصين من علماء هذه الأمة من قبرها في مهدها، ورد كيد أهلها في نحورهم، وباءوا بغضب من الله والناس.
إننا لو جوزنا هذا في كتابة القرآن الكريم لفتح باب شر مستطير،
(1) سورة القمر وقد تكررت فيها أربعة مرات.
(2)
انظر صورة كتاب رسول الله إلى المقوقس عظيم الروم في كتاب الوسيط في الأدب العربي ص 122 ط أولى.
فسيكتب كل أصحاب لغة من المسلمين القرآن بحروفهم وحينئذ تكون الطامة الكبرى فسيكون وسيلة لتحريف القرآن الكريم ولزوال الوحدة العربية اللسانية الممثلة في لغة القرآن بين المسلمين، وما من دولة إسلامية غير عربية إلا وهي لا تحفظ القرآن إلا بلفظه العربي المبين، ولا تكتبه إلا بحروفه العربية التي أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليها المسلمون، بل بعض هذه الدول الإسلامية جعلت تدريس اللغة العربية في مدارسها، وجامعاتها ومعاهدها أمرا لزاما، بل بعضها يسعى في جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.
إن الدعوة إلى كتابة اللغة العربية أو القرآن بالحروف اللاتينية أو غيرها هي جناية في حق الوطن العربي، بل وفي حق الوطن الإسلامي، فضلا عن كونها جريمة في حق الدين الإسلامي، وقد كانت دسيسة استعمارية أو أثرا من آثار الصليبية، ولكن الله وقى الوطن العربي والإسلامي شرورها، فلله الحمد والمنة.
والحمد لله في البداية كما حمدناه في النهاية، وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه محمد بن محمد أبو شهبه من علماء الأزهر الشريف*****