الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل ما قيل في تعيين اللغات السبع لم يثبت بطريق صحيح.
وقد اختلف في تعيينها اختلافا كثيرا، ومن أراد معرفة ذلك فليرجع إلى الإتقان (1).
والذي نراه: أنه كان نزل على سبع لغات من لغات العرب المشهورة وأفصحها وليس في البحث عن تحديدها كبير غناء ما دام أن الحرف الباقي وهو حرف قريش أفصحها وأعذبها وأسلسها، وما دامت الأحرف الأخرى قد اندرست، ولم يبق منها شيء.
منزلة اللغة القرشية بين لغات العرب
ولكي تزداد يقينا بأن قريشا أفصح العرب، ولسانهم أفصح الألسنة وأعذبها ننقل لك بعض ما قاله الأئمة في هذا المقام:
قال ابن فارس في فقه اللغة، عن إسماعيل بن أبي عبيد الله، قال (2):
أجمع علماؤنا بكلام العرب والرواة لأشعارهم، والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالّهم أن قريشا أفصح العرب ألسنة، وأصفاهم لغة، وذلك أن الله تعالى اختارهم من جميع العرب، واختار منهم نبي الرحمة محمدا صلى الله عليه وسلم فجعل قريشا قطان حرمه، وولاة بيته، فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش في أمورهم، وكانت قريش تعلمهم مناسكهم، وتحكم بينهم، ولم تزل العرب تعرف لقريش فضلها عليهم وتسميتها أهل الله؛ لأنهم الصريح من ولد إسماعيل- عليه السلام لم تشبهم شائبة، ولم تنقلهم عن مناسبهم ناقلة، فضيلة من الله- جل ثناؤه- لهم وتشريفا، إذ جعلهم رهط بيته الأدنين، وعترته الصالحين.
وكانت قريش مع فصاحتها، وحسن لغاتها، ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم، وأصفى
(1) الإتقان ج 1 ص 47 - 49.
(2)
التبيان ص 52.
كلامهم فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طبعوا عليها، فصاروا بذلك أفصح العرب، ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم، ولا عجرفة قيس ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة (1) ولا الكسر تسمعه من أسد وقيس، مثل «تعلمون» - بكسر التاء- و «ونعلم» - بكسر النون- ومثل «شعير وبعير» - بكسر الأول منهما.
وقال الفراء:
كانت العرب تحضر الموسم في كل عام؛ وتحج البيت في الجاهلية، وقريش يسمعون لغات العرب، فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به، فصاروا أفصح العرب، وخلت لغتهم من مستبشع اللغات ومستقبح الألفاظ.
وقال أبو نصر الفارابي، في أول كتابه المسمى «الألفاظ والحروف»:
كانت قريش أجود العرب انتقاء للأفصح وأسهلها على اللسان عند النطق وأحسنها مسموعا، وأبينها إبانة عما في النفس، والذين عنهم نقلت العربية، وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.
وبالجملة: فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم؛ فإنه لم يؤخذ لا من لخم، ولا من جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وإياد، لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب؛ فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا
(1) عنعنة تميم إبدالهم العين من الهمزة، والعجرفة جفوة في الكلام والكشكشة إبدال الشين من كاف الخطاب للمؤنث كعليش في «عليك» ، والكسكسة إلحاقهم بكاف المؤنث سينا عند الوقوف يقولون في بك «بكس» .