الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هم وتتبدل أخلاقهم، وتقوى عزائمهم وتتربى فيهم ملكات الصبر، والتحمل، وعدم الخضوع لأهواء النفس وشهواتها، ويكونوا على استعداد للتضحية والكفاح في سبيل عقيدتهم ودينهم رضوان الله عليهم، فلا سهر في لهو، ولا في شرب خمر، ولا في متابعة للجواري والحسان ولا في قمار، ولا ميسر إلى غير ذلك من مباذل الجاهلية.
وإنما هو سهر في حب الله، وفي مدارسة كتاب الله، وفي الصلاة، والذكر، والدعاء، خلوات ما أحلاها من خلوات، وسمو بالأرواح إلى معارج القدس الأعلى.
فلا تعجب إذا كانوا كتب الله لهم النصر والعزة على قلتهم، وأن حملوا رسالة نبيهم فبلغوها إلى الدنيا كلها، وأنهم لم يمض عليهم نصف قرن من الزمان حتى دانت لهم فارس، والروم بل لم يمض قرن على الدعوة حتى بلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار.
وما ظنك برجال كان بعضهم يختم القرآن في ركعة يحيى بها ليله كذي النورين عثمان رضي الله عنه وتميم الداري، بل روي عن سليم بن عتر التجيبي أنه كان يقرأ القرآن في الليلة ثلاث مرات! وروي عن الإمام الشافعي أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمة، وروي عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه كان يختم القرآن في الليلة ويومها من رمضان (1) إلى غير ذلك مما ذكر عن بعض السلف، وقد كان الإمام أبو حنيفة ممن يختم القرآن في ليلة، وذلك أنه مر على قوم، فسمعهم يقولون: هذا يختم القرآن في ليلة، فأبت عليه نفسه وأخلاقه إلا أن يكون كما يقولون فواظب على ذلك.
العامل الثاني الترغيب في قراءة القرآن، وحفظه:
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى من الأحاديث في الترغيب في قراءة
(1) كتاب فضائل القرآن لابن كثير ص 81 - 82.
القرآن، وتلاوته كما ينبغي، وحفظه، والوصاية به.
فالقرآن الكريم أصدق الحديث وأحسنه، روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:«أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» رواه مسلم أيضا في صحيحه.
والقرآن أفضل الكلام وأشرفه، روى الحافظ أبو بكر البزار بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» ورواه البيهقي في الأسماء والصفات.
والقرآن أحب إلى الله من كل شيء، روى الدارمي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا:«القرآن أحب إلى الله من السماوات والأرض، ومن فيهن» .
وأهل القرآن: هم أهل الله وخاصته، روى الإمام أحمد بسنده عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله أهلين (1) من الناس» قيل: من هم يا رسول الله قال: «أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته» وبحسبهم شرفا هذه النسبة إلى الله (2).
وأهل القرآن، وحفظته هم عرفاء الجنة؛ ففي الحديث الذي رواه الطبراني «حملة القرآن عرفاء (3) أهل الجنة» .
(1) أي: ناسا من خلقه يرعاهم، ويكرمهم، ويبجلهم كما يرعى ويكرم الملك أهله وخاصته الملتصقين به الملازمين له، فالكلام من قبيل التمثيل والمجاز وليس المراد في هذا وأمثاله الذين يحفظون القرآن من غير علم، عمل به، وإنما المراد الذين جمعوا بين الحفظ والعلم والعمل، وهذا هو الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما الذين كانوا يعرفون بالقراء وهو الذي كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة.
(2)
رواه النسائي، وابن ماجة، والدارمي عن أنس مرفوعا، ورواه الحاكم وصححه، وقال: إنه روى من ثلاثة أوجه عن أنس، وهذا أمثلها. كشف الخفاء ومزيل الإلباس ج 1 ص 293.
(3)
رؤساء.
وتعلم القرآن، وتعليمه يجعل صاحبه خير الناس وأفضلهم، روى الشيخان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» والاشتغال به خير من الاشتغال بصلاة النوافل، روى ابن ماجة في سننه من حديث أبي ذر:«لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة» .
وقارئ القرآن مأجور على قراءته عمل به أو لم يعمل، فهم معناه أم لم يفهم، وإن كان من فهم وعمل أعظم أجرا، وأكثر ثوابا؛ روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن، ويعمل به كالأترجة (1) طعمها طيب، وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، ويعمل به، كالتمرة طعمها طيب، ولا ريح لها، ومثل المنافق (2) الذي يقرأ القرآن، كالريحانة ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث، وريحها مر» وفي رواية أخرى «ولا ريح لها» وهي أصح من جهة المعنى.
والقرآن الكريم حبل ممدود بين السماء والأرض، يصل الإنسان الحافظ له، والعامل به بالله تعالى، روى ابن أبي شيبة من حديث أبي شريح الخزاعي: إن القرآن سبب (3) طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدا.
وروى ابن جرير مرفوعا: «إن هذا القرآن هو حبل الله الممدود من السماء والأرض» .
وروى ابن مردويه بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين، وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه» وفي حديث الترمذي الذي رواه
(1) نوع من الفاكهة الجيدة كالتفاح ولكنها أكبر.
(2)
المراد نفاق العمل والخلق لا نفاق العقيدة، وقيل: نفاق العقيدة، وفي بعض الروايات «الفاجر» .
(3)
حبل.
عن الحارث الأعور، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «
…
وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم».
والمشتغل بحفظ القرآن عن الذكر، وسؤال الله يعطيه الله أفضل مما يعطي السائلين: ففي الحديث الذي رواه الترمذي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الرب عز وجل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» .
وقراءة القرآن ومدارسته، تستنزل الملائكة، والسكينة، والرحمة، ففي حديث أسيد بن حضير: أنه قرأ سورة البقرة ذات ليلة، فاضطربت فرسه، فسكت، فسكنت، ثم قرأ فاضطربت، فسكت فسكنت.
فلما فرغ من قراءته رفع رأسه إلى السماء، فإذا هو بمثل الظلة (1) فيها أمثال المصابيح، عرجت إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له:«تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت- أي استمررت في قراءتك- لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم» وفي حديث الصحابي الذي كان يقرأ سورة الكهف فتغشته مثل السحابة، فجعلت تدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فعجب من ذلك، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال:«تلك السكينة (2) تنزلت للقرآن» متفق عليه وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (3).
وقارئ القرآن، وحافظه، العامل به، يغبطه الناس، ويتمنون أن يكونوا مثله؛ روى البخاري وغيره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(1) السحابة.
(2)
السكينة هي الطمأنينة، وراحة القلب والنفس والمراد بها هنا الملائكة التي نزلت بها لسماع القرآن.
(3)
صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء- باب الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر.
وحافظ القرآن، وصاحبه الملازم لقراءته، له بكل آية درجة يرقاها يوم القيامة، فانظر أيها القارئ- كم يرقى من الدرجات
عن أبي سعيد الخدري قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة. اقرأ، وارق، واصعد فيقرأ، ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه» رواه الإمام أحمد في مسنده.
والقرآن أحد الشفعاء الذين تقبل شهادتهم يوم القيامة، روى أبو عبيد، عن أنس مرفوعا:«القرآن شافع مشفع (3)، وماجد مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار» .
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» .
وروى أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان» .
وحافظ القرآن عن ظهر قلب، والعامل بما فيه يشفعه الله في أهله يوم القيامة؛ أخرج الترمذي، وابن ماجة، وأحمد من حديث عليّ: «من قرأ
(1) المراد بالحسد الغبطة، وهي تمني المرء أن يكون له مثل ما للغير من غير أن يتمنى زواله، بخلاف الحسد، ففيه تمني زوال النعمة، وكأنه صلى الله عليه وسلم أطلق الحسد على الغبطة للمشابهة من وجه وللمبالغة في تحصيل الخصلتين كأنه قيل: لو لم يمكنا إلا بالحسد المذموم لترخص فيه، فكيف وتحصيلهما ممكن بالطريق المحمود المشروع.
(2)
ينفقه.
(3)
مشفع- بضم الميم، وفتح الشين، ثم فاء مشددة مفتوحة- أي: مقبول الشفاعة.
القرآن فاستظهره (1) فأحل حلاله، وحرم حرامه أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته، كلهم قد وجبت لهم النار. وحافظ القرآن الذي لا يغلط فيه، ولا يغيب عنه شيء مع السفرة الكرام البررة من الملائكة»؛ روى الشيخان، وغيرهما من حديث عائشة مرفوعا:«الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويتعتع فيه (2)، وهو عليه شاق له أجران» أما الأول فأجره أكثر، وأضعاف مضاعفة.
وما من أحد يقرأ شيئا من القرآن حين يأخذ مضجعه إلا حفظ حتى يصبح، أخرج أحمد في مسنده والترمذي في سننه من حديث شداد بن أوس:«ما من مسلم يأخذ مضجعه، فيقرأ سورة من كتاب الله تعالى إلا وكل الله به ملكا يحفظه، فلا يقربه شيء يؤذيه حتى يهبّ متى هبّ» .
وفي حديث أبي هريرة وقصته مع الشيطان الذي كان يسرق من الزكاة وقوله له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ أية الكرسي، لم يزل معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«صدقك، وهو كذوب (3)، ذاك شيطان» رواه البخاري.
والبيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، ويقل شره، روى البزار من حديث أنس مرفوعا:«البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره» .
والقلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب؛ روى الإمام أحمد والترمذي بسندهما عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» ومن ذا الذي يرضى أن يكون قلبه خرابا.
(1) حفظه عن ظهر قلب.
(2)
أي: يتعثر في قراءته.
(3)
هذا تقرير من النبي لما أخبره به الشيطان، ولعل الشيطان عرف بذلك من الرسول فأخبره أبا هريرة، ومعنى صدقك
…
أنه صدق في هذه وإن كان الشأن في قوله الكذب.