الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المشركين بمكة، أو في قوم من اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب: هل يختص بسببه فلم يقل أحد إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال:
إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه ولا يكون فيها بحسب اللفظ، والآية التي لها سبب معين إن كان أمرا أو نهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته.
[ثمرة الخلاف بين الجمهور وغيرهم]
وثمرة هذا الخلاف ترجع إلى أمرين:
1 -
أن الحكم على أفراد غير السبب مدلول عليه بالنص النازل فيه عند الجمهور، وذلك النص قطعي الثبوت اتفاقا، وقد يكون مع هذا قطعي الدلالة أما غير الجمهور فالحكم عندهم على غير أفراد السبب ليس مدلولا عليه بالنص بل بالقياس أو الاستدلال بالكلمة المعروفة عند الأصوليين وكلاهما غير قطعي.
2 -
أن أفراد غير السبب يتناولها الحكم عند الجمهور ما دام اللفظ قد تناولها، أما غير الجمهور فلا يسحبون الحكم إلا على ما استوفى شروط القياس دون سواه إن أخذوا فيه بالقياس.
أدلة الجمهور
استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بأدلة نكتفي منها بما يأتي:
الدليل الأول: احتجاج الصحابة وغيرهم من الأئمة المجتهدين في جميع الأعصار في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة، وهذا أمر شائع ذائع بينهم ولم يعرف عنهم أنهم لجأوا إلى قياس أو استدلال بغير لفظ الآيات، فدل ذلك على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومن ذلك احتجاجهم بآية السرقة في قطع يد كل سارق مع نزولها في حادثة خاصة وهي سرقة المجن أو رداء صفوان واحتجاجهم بآيات حد
القذف على حد كل قاذف مع أنها نزلت بسبب الذين رموا السيدة الحصان عائشة- رضي الله عنها بالإفك؛ وكذلك بآيات اللعان وبآيات الظهار مع نزولها على أسباب خاصة على ما ذكرت لك آنفا وهكذا.
ومما يدل على اعتبار الصحابة ومن بعدهم للعموم ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ أخاص هو أم عام قال: عام.
وروى البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن معقل بن مقرن التابعي الجليل قال: جلست إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد- يعني مسجد الكوفة كما في حديث آخر- فسألته عن الفدية- يعني في قوله تعالى:
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فقال: نزلت فيّ خاصة، وهي لكم عامة (1).
وروى ابن جرير بسنده عن أبي معشر نجيح (2) قال: سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي فقال سعيد: إن في بعض كتب الله: إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدين قال الله تعالى:
أعليّ يجترئون وبي يغترون وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تدع الحليم منهم حيران، فقال محمد بن كعب القرظي: هذا في كتاب الله، فقال سعيد:
وأين هو من كتاب الله قال قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (3)(204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي
الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها
[البقرة: 204 - 205] الآية، فقال سعيد:
(1) صحيح البخاري- كتاب المحصر- باب الإطعام في الفدية نصف صاع،: انظر رقم 4517.
(2)
نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني أبو معشر، وهو مولى بني هاشم مشهور بكنيته، ضعيف، من السادسة، أسن واختلط، مات سنة سبعين ومائة.
(3)
شديد الخصومة والعداوة للمسلمين.