الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جملة واحدة كسورة «الإخلاص» و «الكوثر» و «المرسلات» .
ولا يخالف ما ذكرنا ما رواه البيهقي في «الشّعب» بسنده عن عمر قال:
«تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات؛ فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم خمسا .. خمسا» وما أخرجه ابن عساكر من طريق أبي نضرة قال: كان أبو سعيد الخدري يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة وخمس آيات بالعشيّ» ويخبر أن جبريل نزل بالقرآن خمس آيات، خمس آيات، فإن المراد- إن صح- إلقاؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا القدر حتى يحفظه، ثم يلقي إليه الباقي، لا إنزاله بهذا القدر خاصة.
ويشهد لهذا التفسير ما أخرجه البيهقي عن أبي العالية قال: «تعلموا القرآن خمس آيات، خمس آيات؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من جبريل خمسا خمسا» ، ويصح أن يراد به أن ذلك هو الغالب الكثير فلا ينافي حصول الوحي بأكثر أو بأقل.
وما كان لنا- وقد تكلمنا عن إنزال القرآن- أن نغفل الكلام عن «الوحي» إذ الإنزال متوقف على معرفة معنى «الوحي» وكيفيته، وإمكانه ووقوعه، وهو ما سنتكلم عنه الآن.
11 - الوحي [لغة واستعمالاته]
ما هو الوحي ..
للوحي معنى في اللغة، ومعنى في الاصطلاح، أما في اللغة .. فإليك ما قاله العلماء في هذا:
قال في «الأساس» : «أوحى إليه وأومى إليه بمعنى، ووحيت إليه وأوحيت إذا كلمته بما تخفيه عن غيره، وأوحى الله إلى أنبيائه وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [سورة النحل: 68].
وفي القاموس المحيط: «الوحي: الإشارة والكتابة والمكتوب والرسالة، والإلهام والكلام الخفي، وكل ما ألقيته لغيرك» .
وقال الراغب: «أصل الوحي: الإشارة السريعة، ولتضمن السرعة
قيل: أمر وحى، يعني: سريع، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة، وقد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريا- عليه السلام: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)[سورة مريم: 11]، أي: أشار إليهم ولم يتكلم.
ومنه: الإلهام الغريزي، كالوحي إلى النحل، قال تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [سورة النحل: 68]، وإلهام الخواطر بما يلقيه الله في روع الإنسان السليم الفطرة، الطاهر الروح، كالوحي إلى «أم موسى» ، ومنه ضده (1)، وهو وسوسة الشيطان، قال تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ (121)[سورة الأنعام: 121]، وقال: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام: 112].
فالخلاصة في معنى الوحي اللغوي: أنه الإعلام الخفي السريع، وهو أعم من أن يكون بإشارة أو كتابة أو رسالة، أو إلهام غريزي، أو غير غريزي، وهو بهذا المعنى لا يختص بالأنبياء، ولا بكونه من عند الله سبحانه.
وأما في الشرع: فيطلق ويراد به المعنى المصدري، ويطلق ويراد به المعنى الحاصل بالمصدر، ويطلق ويراد به: الموحى به.
ويعرف من الجهة الأولى: بأنه: «إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب بواسطة أو غير واسطة» فهو أخص من المعنى اللغوي لخصوص مصدره ومورده؛ فقد خص المصدر بالله سبحانه، وخصّ المورد بالأنبياء.
ويعرف من الجهة الثانية: بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من عند الله، سواء أكان الوحي بواسطة أم بغير واسطة.
ويعرف من الجهة الثالثة: بأنه ما أنزله الله على أنبيائه، وعرّفهم به من أنباء
(1) الوحي المحمدي، ص 27.