الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا نرى أن كتابته مفرقا في العهد النبوي ضرورة لا محيص عنها.
جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه
لما تولى أبو بكر الصديق الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان أول عمل قام به محاربة أهل الردة والقضاء على هذه الفتنة، وبذلك أقام عمود الإسلام، وثبّت دعائمه بعد أن كادت تتقوض، ولما وقعت موقعة اليمامة سنة اثنتي عشرة للهجرة استحر (1) القتل في الصحابة، ومات من حفاظ القرآن خلق كثير قيل خمسمائة (2)، وقيل سبعمائة، فخشي الفاروق عمر رضي الله عنه الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه أن يكثر القتل في القراء في بقية المواطن، وربما كان عندهم شيء من القرآن، فيضيع بموتهم، فأشار على أبي بكر أن يجمع القرآن في مكان واحد، وصحف مجموعة بدل وجوده مفرقا في العسب، واللخاف، والرقاع، وغيرها، فتردد أبو بكر أول الأمر، ولكن لم يزل به الفاروق حتى وافق، وثبت عنده أن جمع القرآن ليس من المحدثات، وأن قواعد الدين والشريعة تدعو إليه، فأرسل الصديق إلى زيد بن ثابت، وندبه للقيام بهذا العمل الجليل، فراجعهما، ولم يزالا به حتى ظهر له الحق واستبان له الرشد، وعلم أن الحق فيما أشارا به فجمعه بعد جهد جهيد.
وإليك ما رواه البخاري في صحيحه (3) بسنده عن زيد بن ثابت (4) قال:
(1) أي كثر.
(2)
فضائل القرآن لابن كثير ص 12.
(3)
صحيح البخاري- كتاب فضائل القرآن- باب جمع القرآن.
(4)
هو الصحابي الجليل زيد بن ثابت بن الضحاك ينتهي نسبه إلى مالك بن النجار الأنصاري، الخزرجي، استصغر يوم بدر هو وبعض شباب الصحابة، ثم شهد أحدا وما بعدها، وكان من كتاب الوحي المعدودين لرسول الله صلى الله عليه وسلم والظاهر أنه كان أكثر الكتاب تفرغا للكتابة، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم كتابة اليهود، فتعلمها في خمسة عشرة يوما كما في صحيح البخاري، وكان من علماء الصحابة، وأئمة الفتوى منهم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«أفرضكم زيد» رواه أحمد يعني أكثركم علما بعلم المواريث، قال فيه ابن سعد: كان زيد رأسا بالمدينة في القضاء، والفتوى، والقراءة، والفرائض.
أرسل إليّ أبو بكر مقتل (1) أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني فقال: إن القتل استحر- اشتد- بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن يجمع القرآن فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر:
إنك رجل شاب، عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتتبع القرآن فاجمعه، فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: هو- والله- خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
…
إلى آخر السورة.
فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر في حياته ثم عند حفصة بنت عمر، وفي رواية أخرى مع خزيمة أو أبي خزيمة بالشك والأولى هي المعتمدة (2)، وقد أخرج ابن أبي داود من طريق هشام بن عروة
وروى البغوي بإسناد صحيح عن خارجة بن زيد قال: كان عمر يستخلف زيد بن ثابت إذا سافر، فقلما يرجع إلا أقطعه حديقة من نخل، وكان من الراسخين في العلم ومن خصائصه أنه حضر العرضة الأخيرة للقرآن التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، وهذا من أعظم المؤهلات التي أهلته لهذا العمل الكبير.
جمع القرآن في عهد الصديق، وعهد ذي النورين عثمان وكانت وفاته سنة اثنتين، أو ثلاث، أو خمس وأربعين وقيل غير ذلك فرضي الله عنه وأرضاه.
(1)
اسم زمان، أي زمن قتال أهل اليمامة.
(2)
أبو خزيمة الذي وجدت عنده آخر سورة التوبة غير خزيمة الذي وجدت عنده آية الأحزاب، فالأول هو أبو خزيمة بن أوس بن يزيد بن أصرم من بني النجار شهد بدرا وما بعدها وتوفي في خلافة عثمان، وأما الثاني فهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه ابن