الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا، وأخرج البيهقي عن عمر مثله، والمراد بآية الربا الآية التي ذكرناها.
والحق هو الأول ويجاب عن هذا القول: إما بأنها آخر آية نزلت في شأن الربا وإما بأن المراد أنها من أواخر الآيات نزولا.
ويؤيد هذا الجواب الأخير، وأنها ليست آخر آية على الإطلاق، ما رواه الإمام أحمد، وابن ماجة، عن عمر نفسه قال:«من آخر ما نزل آية الربا» . وما ذكره ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا عمر فقال: «إن من آخر القرآن نزولا آية الربا» .
والظاهر أن هذا هو مراد ابن عباس أيضا في روايته، وهذا التعبير له نظائر في اللغة العربية.
ويرى بعض العلماء (1) أن المراد بقول ابن عباس «آية الربا» أي الآية التي ختمت بها آيات الربا وهي: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ
…
وعلى هذا تكون رواية البخاري مؤيدة لما ذكرناه عن ابن عباس في القول الأول.
القول الثالث:
إن آخر آية نزلت آية الدين، وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ
…
الآية [البقرة: 282] وهي أطول آية في القرآن. أخرج أبو عبيد في كتاب «فضائل القرآن» عن ابن شهاب الزهري قال: «آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا، وآية الدين» وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب، عن سعيد ابن المسيب:«أنه بلغه أن آخر القرآن عهدا بالعرش آية الدين» مرسل، صحيح الإسناد.
ويجاب عن هذا القول: بأن هذه الآية آخر ما نزل في باب «المعاملات» فهي آخرية مقيدة، لا مطلقة كالآية الأولى.
(1) شرح المختار من تيسير الوصول ص 52.
وقد جمع السيوطي بين هذه الأقوال الثلاثة فقال: «ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا، وآية وَاتَّقُوا يَوْماً
…
وآية الدين لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف، ولأنها قصة واحدة، فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر، وذلك صحيح (1). ومقتضى هذا الجمع من الإمام السيوطي أن آية الدين آخر ما نزل من القرآن على الإطلاق.
ولكني أقول: إن في النفس من هذا التوفيق شيئا، وما ذكره غير مسلم له، فقد سمعت آنفا قول الفاروق عمر- رضي الله عنه في أن آية الربا من أواخر الآيات، لا آخرها؛ واستدلال السيوطي بأن الآيات الثلاث في قصة واحدة- غير مسلم فالآية الأولى في ترك ما بقي من الربا عند المدينين بعد نزول آية التحريم، والثانية في التذكير باليوم الآخر، وما فيه من جزاء، والثالثة في أحكام تتعلق بالدين، فكيف يقال إذا إنها في قصة واحدة!!
ومما يضعف هذا الطريق في الجمع أيضا، أن آية الربا نزلت (2) لما أسلمت ثقيف وأرادوا أن يستمروا على رباهم؛ فاشتكى بنو المغيرة- وكانوا مدينين لهم- إلى عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآية آمرة لهم أن يتركوا ما بقي لهم من رباهم قبل التحريم، وإلا فليأذنوا بحرب من الله ورسوله، وثقيف إنما كان إسلامهم في رمضان في السنة التاسعة، والظاهر أن هذه القصة كانت بعد إسلامهم، وأين زمن إسلامهم من زمن اختتام القرآن قبيل وفاة الرسول!
وقد ذهب الحافظ ابن حجر في «الفتح» إلى نحو ما ذكرت، ورجح أن آية وَاتَّقُوا يَوْماً
…
هي الأليق بالختام فقال: طريق الجمع بين القولين:
القول بآية الربا، والقول بآية وَاتَّقُوا يَوْماً
…
أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن، وأما ما سيأتي في آخر سورة النساء من حديث البراء: «آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت: يَسْتَفْتُونَكَ
(1) الإتقان ج 1 ص 27.
(2)
أسباب النزول للسيوطي على هامش تفسير الجلالين ج 1 ص 69.