الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به إلى نبي من الأنبياء، فيثبته في قلبه، فيتكلم به ويكتبه وهو كلام الله، ومنه ما لا يتكلم به، ولا يكتبه لأحد، ولا يأمر بكتابته، ولكنه يحدث به الناس حديثا ويبين لهم أن الله أمره أن يبينه للناس ويبلغهم إياه.
«وحي السنة» : أما وحي السنة فمنه ما يكون عن طريق أمين الوحي جبريل، وفي إطار الحالة الأولى، وهي الحالة الملائكية. وذلك كما في قصة يعلى بن أمية؛ روى البخاري في صحيحه بسنده عن يعلى قال: قلت لعمر- رضي الله عنه أرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه، قال فبينما النبي في الجعرانة جاءه رجل فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة، وهو متضمخ بطيب، فسكت النبي ساعة، فجاءه الوحي، فأشار عمر- رضي الله عنه إلى يعلى، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظلّ به، فأدخل رأسه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمّر الوجه، وهو يغط، ثم سري عنه، فقال:«أين السائل عن العمرة» فأتي بالرجل. فقال: «اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات؛ وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك» .
وبعضه في إطار الحالة الثانية كما في حديث جبريل، وبعضه بالمكالمة كما حدث ليلة الإسراء والمعراج، وبعضه بالإلهام والمنام، وبعضه بالقذف في القلب، وسواء أكانت السنة بوحي جلي أو خفي فلفظها من عند النبي صلى الله عليه وسلم.
10 - حكم نزول القرآن منجما مفرقا
لنزول القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا حكم كثيرة، وأسرار عديدة نجملها فيما يأتي:
الحكمة الأولى:
تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتطمين قلبه وخاطره وهي ما أشار إليها الحق- تبارك وتعالى في رده على المشركين أو اليهود حيث قال: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا [سورة الفرقان: 32]، وهذه الحكمة من أجلّ
الحكم وأعظمها، ولذا ذكرها الله أول ما ذكر في الرد على هؤلاء.
ويندرج تحت هذه الحكمة: 1 - تثبيت فؤاد النبي، وتقوية قلبه، وإلهاب حماسه، وتسليته، وذلك بسبب تكرر نزول الوحي، وتوالي آياته وما اشتملت عليه الآيات من أن رسالته حق لا شك فيها، وأن العاقبة للمتقين، والنصر إنما هو للأنبياء وأتباعهم، وأن الله مؤيده وناصره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتحسر ويحزن، لعدم إيمان قومه، كما قال تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)(1)[سورة الكهف: 6]. فكانت تنزل عليه الآيات مسلية له، فتارة تنهاه أن يذهب نفسه عليهم حسرات، كما قال تعالى: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8)[سورة فاطر: 8].
وتارة يبين له: أن هدايتهم إنما هي على الله، وإنما عليك البلاغ كما قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [سورة البقرة:
272]، إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [سورة القصص: 56] وقال: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [سورة الرعد: 40].
وكان كلما آذاه قومه ونالوا منه، وسفهوا عليه، نزلت الآيات داعية له إلى التحمل والصبر والثبات عليه، وأن العاقبة للصابرين، كما قال تعالى:
فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [سورة الأحقاف: 35]، وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) [سورة النحل: 127]، وقال: وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)[سورة هود: 115].
وتارة تنزل الآيات قاصّة على النبي أخبار «الأنبياء» مع أممهم وما لاقوه منهم من عنت ومشقة، وكيف كان تحملهم من أقوامهم وما آل إليه أمرهم من الفوز والنصر على الأعداء والمكذبين وذلك مثل قصص «نوح» و «إبراهيم» و «ولوط» و «هود» و «صالح» و «موسى» وما لاقاه من بني
(1) باخع نفسك: قاتلها غمّا وحزنا.
إسرائيل. وقد ذكر الله هذا في قوله: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ [سورة هود: 120].
وحينا آخر- تنزل الآيات بوعيد المكذبين للأنبياء والمناهضين لدعوتهم كما قال تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)[سورة الأعراف: 97 - 98]. وقال فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13)[سورة فصلت: 13]، قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) [سورة الأنفال: 38].
وآونة .. كانت تنزل الآيات بالحجج والبراهين مبطلة لعقائدهم الزائفة، ورادة عليهم ما يتمسكون به من شبه واهية؛ كالآيات الواردة في إثبات الله وصفاته وتوحيده، واستحقاقه للعبادة، وإثبات البعث والحشر، وأحوال اليوم الآخر، وإثبات رسالة الرسل وحاجة البشر إليهم. وكان من ثمرة هذا التثبيت: أن أبدى النبي غاية الثبات والشجاعة، والوثوق بالله تعالى في أحرج المواقف وأشدها هولا؛ ألا ترى إلى قوله للصديق في الغار: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا وإلى ثباته يوم «أحد» و «حنين» يدعو إلى الله وقد فرّ عنه الكثيرون فما زاده إلا إيمانا وثباتا!
2 -
تيسير حفظه وفهمه على النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان حريصا على ذلك غاية الحرص، ولقد بلغ من حرصه أنه كان لا ينتظر حتى يفرغ «جبريل» من قراءته، بل كان يتعجل القراءة، فأنزل الله عليه: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [سورة طه: 114]، وقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19)[سورة القيامة: 16 - 19] فضمن الله لنبيه الحفظ والفهم.
وطبعيّ أن نزول القرآن مفرقا أدعى إلى سهولة حفظه وفهمه، وأيسر وأوفق بالفطرة البشرية.