الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعنوان «القراءة بحسب المعنى» قال فيه: هنالك على الأخص نقطة وقع عليها اتفاق كثيرين، هي أن القرآن ربما قرئ بأوجه كثيرة، ولكن الأساس هو أن يحترم المعنى، وقد أيدت نصوص كثيرة هذه الفكرة فينسب إلى عمر قوله: القرآن كله صواب ما لم تجعل عذابا مغفرة أو مغفرة عذابا، ثم ذكر نصوصا لا تشهد لما ادعاه ثم قال: من هذه الوجوه التفسيرية نشأت فكرة القراءة بحسب المعنى، وهنالك أمثلة ترينا إلى أي حد تبع المؤمنون كلام الله بحرفه
…
ثم يسوق أخبارا يستدل بها على انتشار هذه النظرية في المجتمع الإسلامي فيقول: وقد علم عمر بن عبد العزيز أن رجلا كان يقرأ القرآن فيقلب نظام الآيات فلما قوطع في قراءته ادعى أنه لا ذنب في هذا ولا جريرة ما دام يذكر كل النص، في أي نظام، كما روى أن مسلما آخر استبدل بعض الكلمات بمرادفاتها، ثم ذكر مرجعا له كتاب الأغاني (ج 3 ص 61)، وما هو فيه، ولعله اعتمد فيما نقله على بعض كتب الأدب ككتاب «محاضرات الأدباء» وأمثاله من الكتب (1) التي لا اعتداد بها في باب الرواية عند العلماء المحدثين الأصلاء في النقد، والذين إليهم المرجع في معرفة الغث من السمين والصحيح من الضعيف من الموضوع المختلق على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة رضوان الله عليهم.
الرد على هذه المزاعم
وإليك الرد على هذه المزاعم التي زعمها بلاشير ومتابعه مندور:
1 -
هذه الروايات لا تثبت أمام النقد العلمي النزيه، ومعظمها روايات باطلة المعنى واهية الإسناد، والاعتماد على أمثال هذه الروايات التي ليس لها زمام ولا خطام تجن على العلم وعلى الحقيقة، ولو لم يكن في نقد هذه
(1) رسالة «الشواذ» للدكتور مندور ص 113 وما بعدها نقلا عن كتاب «تاريخ القرآن» ص 86، 87 وقد تعقب الدكتور عبد الصبور شاهين بلاشير وتلميذه مندور في ما زعماه وفند ما ارتأياه، وأبان عن أن منهجهما ليس بمنهج علمي صحيح.
وقد أتيت في الرد على بلاشير وتلميذه مندور بما أتى به الدكتور شاهين وزدت عليه ردودا أخرى.
المرويات إلا أنها مخالفة للمعقول وما صح من المنقول، وما أجمع عليه المسلمون من عهد الصحابة إلى يومنا هذا مما هو منقول نقلا متواترا، لا يتطرق إليه الشك والارتياب، لكفى فما بالك وهي معلولة الأسانيد وصدق ابن الجوزي الناقد حيث قال: ما أحسن قول القائل: كل حديث رأيته تخالفه العقول، وتناقضه الأصول، وتباينه النقول فاعلم أنه موضوع، وقد عرضنا لهذه المرويات آنفا، وبينا أن معظمها لا يصلح للاحتجاج به، وبعضها على تسليم صحته له مخارج صحيحة.
2 -
إن مثل هذه البحوث التي تتعلق بكتاب الله، الذي توفرت له كل وسائل الثبوت واليقين والتحوط البالغ لسلامة النص من التحريف والتبديل والتغيير، لا يجوز ولا يليق بباحث أن يعتمد فيها على روايات تذكر في كتب الأدب أو التاريخ، أو يتندر بها بعض الناس في مجالسهم من غير أن يكون لها أسانيد ثابتة، ولكن المستشرقين وأبواقهم في سبيل تحقيق مزاعمهم يصححون الضعيف، ويعتمدون على المكذوب، على حين نجدهم يضعفون الصحيح من الأحاديث ولا حامل لهم في هذا وذاك إلا الهوى والتشهي والتجني الآثم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن الكريم.
3 -
إن هذه التوسعة في الحروف السبعة لم تكن بالهوى والتشهي وإنما كانت في حدود المنزّل من عند الله بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم عقب سماعه قراءة كل من المختلفين «هكذا أنزلت» ، وقد نبهت على ذلك آنفا فكن على ذكر منه.
4 -
إن البحث العلمي الصحيح الذي يكون القصد منه إصابة الحق والصواب يلزم الباحث النزيه فيما إذا وردت روايات متعارضة أن ينقدها من ناحية السند- النقد الخارجي- ومن ناحية المتن- النقد الداخلي- ولا يزال يمحص الروايات، ويوازن بينها مع ملاحظة ما يوافق البيئة منها، وما لا يوافق، حتى يهتدي إلى الحق والرشاد، أما أن يأخذ ما يشاء على حسب هواه فتلك خيانة للبحث العلمي الصحيح، ثم إن جاز هذا من باحث متعصب ك «بلاشير» فكيف جاز ذلك من باحث مسلم كمصطفى مندور!!
5 -
إن المعوّل عليه في حفظ القرآن الكريم هو التلقي الشفاهي فعن النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه ألوف الصحابة العدول الضابطين، وعن الصحابة تلقاه ألوف الألوف من التابعين ولم يكن المعول عليه في الحفظ الصحف أو المصاحف وإنما كانت الكتابة في الصحف والمصاحف لزيادة التوثق والاطمئنان ولا يزال الاعتماد في حفظ القرآن على الشيوخ الحافظين المتقنين إلى يومنا هذا، وهذا القرآن المكتوب في المصاحف ثبت بحفظ الألوف الذين لا يحصيهم العد وأجمع عليه المسلمون في كل عصر وقطر، فكل ما جاء من روايات مخالفة له مخالفة صريحة أو ضمنية فاضرب بهذه الروايات عرض الحائط، وارم بهما دبر أذنيك فإنها لا تساوي المداد الذي تكتب به، والروايات الآحادية وإن صحت لا تعارض ما ثبت بالتواتر، فما بالك إذا كانت الروايات الآحادية ضعيفة
6 -
في كلام بلاشير ومتابعه (مندور)، تناقض ودعاوى وافتراضات لم يقم عليها دليل فمن ذلك ما ذكر بلاشير من أن مصحف عثمان قد بسط نفوذه
…
فكيف يتفق هذا وقوله: فبالنسبة إلى بعض المؤمنين لم يكن نص القرآن بحرفه هو المهم! ثم كيف ضرب عن الروايات الصحيحة المتكاثرة صفحا وزعم أن نظرية القراءة بالمعنى كانت تكل
تحديد النص إلى (هوى كل إنسان)!
ثم ما قيمة التخمينات والافتراضات في بحث يتصل بكتاب يعتبر عند المنصفين خير الكتب السماوية وأفضلها بله الأرضية ثم أين النصوص الكثيرة التي أيدت فرية «قراءة القرآن بالمعنى» يا دكتور مندور وما ذكرت إلا بضعة نصوص ضعيفة متهالكة متهافتة وقعت عليها في كتب الأدب ونحوها التي لا اعتبار لها في موازين أهل النقد والرواية! ثم من هم الكثيرون الذين زعمت أنهم اتفقوا على جواز القراءة بالمعنى! وصدق القائل:
والدعاوى ما لم تقيموا عليها بيّ
…
نات أبناؤها أدعياء