الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى الآية [المائدة: 69]، وعن قوله تعالى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ [النساء: 162]؛ فقالت: يا ابن أختي هذا خطأ من الكاتب.
والجواب:
1 -
إن هذه الرواية غير صحيحة عن عائشة، وعلى فرض صحتها فهي رواية آحادية لا يثبت بها قرآن وهي معارضة للقطعي الثابت بالتواتر فهي باطلة ومردودة ولا التفات إلى تصحيح من صحح هذه الرواية وأمثالها فإن من قواعد المحدثين أن مما يدرك به وضع الخبر ما يؤخذ من حال المروي؛ كأن يكون مناقضا لنص القرآن، أو السنة، أو الإجماع القطعي، أو صريح العقل، حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل؛ أو لم يحتمل سقوط شيء منه يزول به المحذور، وهذه الروايات مخالفة للمتواتر القطعي الذي تلقته الأمة بالقبول فهي باطلة لا محالة.
2 -
وأما آية إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فالذي نص عليه أئمة الرسم والقراءة أن هذن لم تكتب في المصحف العثماني بالألف ولا بالياء، وذلك ليحتمل وجوه القراءات المتواترة كلها، وهذا من أسرار الرسم العثماني، فنسبة الخطأ إلى الكاتب غير معقول، وإنما المعقول أن تخطئ السيدة عائشة رضي الله عنها من يقرأ إِنْ بتشديد النون، وهذان بالألف، وأما من يقرأ بتشديد النون في إِنْ والياء في هذين أو بتخفيف النون في إِنْ والألف في هذانِ فلا وجه في تخطئته، وهذا مما يلقي ضوءا على اختلاف هذه الروايات على عائشة وغيرها، وأنها من وضع الملاحدة، كي يشككوا المسلمين في كتابهم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد قرئ هذا الجزء من الآية القرآنية بقراءات سبعة متواترة، وهاك بيانها:
أ- قرأ أبو عمرو: إنّ هذين لسحران بتشديد النون في إِنْ والياء في هذين وهذه القراءة الثابتة قد سلمت من مخالفة المصحف، وجارية
في الإعراب على المهيع المعروف الظاهر، فلا إشكال فيها أصلا.
ب- وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه إِنْ هذانِ بتخفيف النون في إِنْ والألف في هذانِ غير أن ابن كثير يشدد نون هذانِ وهذه القراءة أيضا سلمت من مخالفة الرسم العثماني، ومن مخالفة العربية وتخرّج على أن إِنْ هي المخففة، وهي مهملة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ خبره، واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة ويجوز أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها من المبتدأ والخبر خبرها وقيل إن إِنْ نافية، واللام بمعنى إلا، والتقدير ما هذان إلا ساحران، ويشهد له قراءة أبي إن ذان إلا ساحران وهي قراءة تفسير وتوضيح.
ج- وقرأ الباقون إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتشديد نون إن وبالألف في هذان، وهي موافقة للرسم، ولكنها مشكلة في الإعراب، وهذه القراءة هي التي زعم الزاعمون أنها خطأ ونسبوا ذلك زورا إلى السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، وهذه القراءة لها وجوه صحيحة في العربية، وقد أفاض في بيانها العلماء، وأحسن هذه الوجوه وأجودها (1) أنها جارية على لغة بعض العرب في إلزام المثنى الألف في جميع حالته، وهي لغة لكنانة، ولبني الحارث بن كعب، والخثعم، وزبيد، ومراد وغيرهم، ولذلك شواهد كثيرة من مثل قول الشاعر العربي:
واها لسلمى ثم واها واها
…
يا ليت عيناها لنا وفاها
وموضع الخلخال من رجلاها
…
بثمن نرضي به أباها
إن أباها وأبا أباها
…
قد بلغا في المجد غايتاها
وقد اعتبر العلامة ابن هشام النحوي هذه القراءة أقيس إذ الأصل في
(1) من أراد استيعابا لما قاله العلماء في توجيه هذه القراءة من الآراء وشواهده في العربية فليرجع إلى تفسير القرطبي ج 11 ص 216، وما بعدها، وتفسير الآلوسي ج 16 ص 222 وما بعدها، ومقدمتان في علوم القرآن ص 109 وما بعدها.
المبني أن لا تختلف صيغته، مع أن فيها مناسبة لألف لَساحِرانِ.
3 -
وأما عن آية وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ فلا يصح ذلك عنها، قال الإمام أبو حيان في البحر المحيط ما نصه: وذكر عن عائشة رضي الله عنها، وعن أبان بن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ الكاتب، ولا يصح ذلك عنها، لأنهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت أشهر في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره، وعلى القطع خرج سيبويه ذلك، ولعلك على ذكر مما ذكرته آنفا عن الزمخشري في كشافه، في الرد على من طعن في هذه القراءة المتواترة.
4 -
وأما قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) فله وجوه ومحامل صحيحة في العربية. وأحسن هذه الوجوه أن يكون وَالصَّابِئُونَ مقدم من تأخير، وخبر إن قوله مَنْ آمَنَ إلى إلخ، ويكون خبر وَالصَّابِئُونَ محذوف لدلالة خبر إن عليه، والتقدير: والصابئون والنصارى كذلك، ولعل السر في التقديم، وذكرهم بين طوائف أهل الأديان الدلالة على أن الصابئين مع ظهور ضلالهم وزيغهم عن الأديان كلها تقبل توبتهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح، فغيرهم من أهل الأديان أحرى وأولى ومثل هذا الاستعمال العربي قول الشاعر:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله
…
فإني- وقيار بها (1) - لغريب
أو يكون قوله: وَالصَّابِئُونَ وما عطف عليه استئناف آخر، والخبر من آمن إلخ، وقد أغنى هذا الخبر عن خبر إن، ومثل هذا الاستعمال قول الشاعر العربي:
نحن بما عندنا وأنت بما
…
عندك راض والرأي مختلف
فقد حذف الخبر من الأول لدلالة الثاني عليه، أي نحن بما عندنا راضون.
(1) قيار: اسم حماره.