الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القديم القائم بذاته تعالى أو الكلمات الحكمية الأزلية، أو اللفظ العربي المبين؛ الذي هو صورة ومظهر للكلمات الحكمية القديمة؛ لما علمت من تنزه الصفة القديمة ومتعلّقها- وهو الكلمات الغيبية الأزلية- عن المواد مطلقا؛ لأن الألفاظ أعراض سيالة، تنتهي بمجرد النطق بها، ولا يتأتى منها نزول ولا إنزال.
وعلى هذا يكون المراد بالنزول المعنى المجازي: والمجاز في اللغة العربية باب واسع (فإن أردنا بالقرآن: الصفة القديمة أو متعلقها، فالمراد بالإنزال: الإعلام به بواسطة إثبات الألفاظ والحروف الدالة عليه، من قبيل: إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، وإن أردنا اللفظ العربي الدال على الصفة القديمة) فيكون المراد: نزول حامله به سواء أردنا بالنزول: نزوله إلى سماء الدنيا، أو على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون الكلام من قبيل المجاز بالحذف، وهذا هو ما يتبادر إلى الأذهان عند إطلاق لفظ النزول.
وللقرآن الكريم وجودات ثلاثة:
1 -
وجوده في اللوح المحفوظ.
2 -
وجوده في السماء الدنيا.
3 -
وجوده في الأرض بنزوله على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يقترن لفظ «النزول» إلا بالوجود الثاني والثالث، أما الوجود الأول، فلم يرد لفظ «النزول» مقترنا به قط، وعلى هذا: فلا ينبغي أن نسميه نزولا أو تنزلا.
2 - أين كان القرآن قبل النزول
يقول الله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) [سورة البروج:
21 -
22]، فقد دلت الآية على أن «القرآن» كان قبل نزوله ثابتا موجودا في اللوح المحفوظ وهذا اللوح المحفوظ هو الكتاب المكنون الذي ذكره الله تعالى في قوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80)[سورة الواقعة: 77 - 80]، فالظاهر
والذي عليه جمهور المفسرين: أن الكتاب المكنون: هو اللوح المحفوظ، ومعنى «محفوظ»: أي عن استراق الشياطين، ومحفوظ عن التغيير والتبديل، ومعنى «مكنون»: مصون محفوظ عن الباطل، والمعنيان متقاربان.
واللّوح المحفوظ: هو السجل العام الذي كتب الله فيه في الأزل كل ما كان وكل ما يكون. والواجب علينا: أن نؤمن به وأنه موجود ثابت، أما البحث فيما وراء ذلك، كالبحث في حقيقته وماهيته، وعلى أي حالة يكون وكيف دونت فيه الكائنات وبأي قلم كتب فلا يجب الإيمان علينا به، إذ لم يرد عن المعصوم صلى الله عليه وسلم في ذلك حديث صحيح، وكل ما ورد إنما هي آثار عن بعض الصحابة والتابعين لا تطمئن إليها النفس (1).
وحكمة وجود «القرآن» في اللوح المحفوظ: نرجع إلى الحكمة العامة من وجود اللوح المحفوظ نفسه وإقامته سجلا جامعا لكل ما كان وما يكون من عوالم الإيجاد والتكوين، فهو شاهد ناطق، ومظهر من أروع المظاهر الدالة على عظمة الله وعلمه وإرادته، وواسع سلطانه وقدرته، ولا شك أن الإيمان به يقوي إيمان العبد بربه من هذه النواحي، ويبعث الطمأنينة إلى نفسه، والثقة بكل ما يظهره الله لخلقه من ألوان هدايته وشرائعه وكتبه وسائر أقضيته، كما يحمل الناس على السكون والرضا بسلطان القدر والقضاء، ومن هنا تهون عليهم الحياة بضرائها وسرائها كما قال جل شأنه: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23)[سورة الحديد: 22 - 23].
وللإيمان باللوح والكتابة أثر صالح في استقامة المؤمن على الجهاد في الله وتفانيه في طاعة الله ومراضيه، وبعده عن مساخطه ومعاصيه، لاعتقاده
(1) انظر تفسير «القرطبي» و «ابن كثير» و «الآلوسي» في تفسير آية البروج.