الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى لقد مكث شهرا يدعو على رعل وذكوان وعصية وهي القبائل التي غدرت بهم، وليس أدل على رضائهم بالشهادة مما رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعى القراء قال:«إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم، فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك، ورضيت عنا، فأخبرهم عنهم فأنزل الله فيهم قرآنا كان يتلى: بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا» . ثم نسخ بعد (1).
وحتى بعد الوفاة كان الفضل والتقدمة لحفاظ القرآن، وقرائه، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين والثلاثة من شهداء أحد في قبر واحد، وكان يسأل:«أيهم أكثر أخذا للقرآن» أي: حفظا له فيقدمه في اللحد، رواه البخاري، فمن ثم عني المسلمون عناية فائقة بحفظ القرآن وإجادته، فقد كان وسيلة من الوسائل للدرجات الدينية، والدنيوية، وقد روى الفاروق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» رواه مسلم.
العامل الخامس تفرغ بعض الصحابة ومن بعدهم لحفظ القرآن وضبطه:
وقد تفرغ لحفظ القرآن، والتفقه فيه أناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهم أهل الصفة (2) وهم أضياف الله، وأضياف الإسلام، كانوا يحتطبون بالنهار، ويقومون الليل ويقرءون القرآن ويحفظونه، ويتدارسونه، ويعلمونه غيرهم، ولم يكونوا رضوان الله عليهم كسالى ولا خاملين، ولا ينأون بأنفسهم عن العمل والكدح كما يزعم بعض المتخرصين عليهم، وإنما كانوا إذا وجدوا عملا عند أحد عملوا، وإذا لم يجدوا احتطبوا، وأطعموا إخوانهم، وجعلوا همهم حفظ القرآن، وأعدوا أنفسهم للجهاد، فكان إذا
(1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب سرية الرجيع، وبئر معونة.
(2)
مكان مظلل كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كان يأوي إليه، من لا دار له، ولا أهل، ولا مال فكانوا يبيتون فيه، ويطعمون، ويعانون.
دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد لبوا سراعا وليس هذا قولا حملني عليه حبهم، أو الدفاع عنهم وإنما هو ما جاءت به الروايات الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما، قصدت تجليته للرد على هؤلاء الذين يشنعون بهم، ويتجنون عليهم.
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: .... وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل، ولا مال، ولا إلى أحد، إذا أتته- أي: النبي صلى الله عليه وسلم صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، وأصاب منها، وأشركهم فيها (1)، وكان أبو هريرة منهم.
وفي مرسل يزيد بن عبد الله بن قسيط عند ابن سعد: كان أهل الصفة ناسا فقراء، لا منازل لهم، فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره (2).
وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر؛ أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام ثلاثة فليذهب برابع
…
» الحديث (3).
وفي صحيح البخاري أيضا، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رعلا، وذكوان، وعصيّة، وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة فقتلوهم، وغدروا بهم (4).
وفي رواية ثابت عند مسلم: ويشترون الطعام لأهل الصفة، ويتدارسون
(1) صحيح البخاري- كتاب الرقاق- باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا.
(2)
فتح الباري ج 11 ص 238.
(3)
صحيح البخاري- باب علامات النبوة.
(4)
صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة الرجيع .. وبئر معونة ..
القرآن (1). وفي صحيح البخاري أيضا عن أبي هريرة قال: رأيت سبعين من أصحاب الصفة، ما منهم رجل عليه رداء (2)، إما إزار (3)، وإما كساء قد ربطوا- أي الأكسية- في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته (4).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين، وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصفة أيضا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة، وقد اعتنى بجمع أصحاب الصفة ابن الأعرابي، والسلمي، والحاكم، وأبو نعيم، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر؛ وفي بعض ما ذكروه اعتراض ومناقشة، لكن لا يسع هذا المختصر تفصيل ذلك (5).
وقال في موضع آخر من الفتح: ولم أقف على عددهم- يعني أهل الصفة- إذ ذاك وقد تقدم في أبواب المساجد، في أوائل كتاب الصلاة من طريق أبي حازم عن أبي هريرة: «رأيت سبعين من أصحاب الصفة
…
»
الحديث وفيه إشعار بأنهم كانوا أكثر من ذلك وذكرت أن أبا عبد الرحمن السلمي، وأبا سعيد بن الأعرابي، والحاكم اعتنوا بجمع أسمائهم، فذكر كل منهم من لم يذكر الآخر، وجمع الجميع أبو نعيم في الحلية، وعدتهم تقرب من المائة، لكن الكثير من ذلك لا يثبت وقد بين كثيرا من ذلك أبو نعيم، وقد قال أبو نعيم: كان عدد أهل الصفة يختلف بحسب اختلاف الحال، فربما اجتمعوا فكثروا، وربما تفرقوا إما لغزو، أو سفر، أو استغناء، فقلوا، ووقع في عوارف السهروردي أنهم كانوا أربعمائة (6).
(1) فتح الباري ج 7 ص 309.
(2)
هو ما يستر أعالي البدن.
(3)
ما يشد في الوسط فيستر النصف الأسفل.
(4)
صحيح البخاري- كتاب الصلاة- باب نوم الرجال في المسجد.
(5)
فتح الباري ج 1 ص 424.
(6)
فتح الباري ج 11 ص 241.