الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.
وأخرج الترمذي، وصححه عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود:
أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل- يريدون النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: اسألوه عن الروح، فسألوه، فأنزل الله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
…
[الإسراء: 85] الآية.
فالأولى تدل على أن السائل اليهود، وأن نزولها بالمدينة، والثانية تدل على أن السائل الكفار، وأنها نزلت بمكة، والأولى أرجح لأمرين:
1 -
أنها من رواية البخاري، وهي أصح من رواية الترمذي.
2 -
أن الراوي في الأولى، وهو ابن مسعود كان حاضر القصة، ومشاهدا لها، أما الثانية فليس فيها أن الراوي لها- وهو ابن عباس- كان مشاهدا لها، ولا شك أن للمشاهدة قوة في التحمل (1).
الحالة الثالثة:
أن تكون كل من الروايتين أو الروايات صحيحة ولا يمكن الترجيح، ولكن يمكن نزول الآية أو الآيات عقب السببين أو الأسباب، لعدم العلم بالتباعد، فيحمل ذلك على تعدد السبب والمنزل واحد.
مثال ذلك ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة، عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء (2) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة، أو حدّ في ظهرك» ، فقال: يا رسول الله إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلا، ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«البينة، أو حد في ظهرك» ، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما
(1) يرى ابن كثير الجمع بينهما بتكرر النزول، وكذا قال ابن حجر، وأما الترجيح: فهو رأي السيوطي في الإتقان، وأسباب النزول، انظر: الإتقان ج 1 ص 33 وأسباب النزول للسيوطي على هامش الجلالين، سورة النور.
(2)
سحماء: بالسين ثم الحاء المهملتين: اسم أمه واسم أبيه: عبدة بن مغيث بن الجعد ابن عجلان البلوي حليف الأنصار (الإصابة ج 2 ص 152) وقد ذكر في الإتقان: ابن سمحاء- بتقديم الميم- وهو خطأ مطبعي لا محالة.
يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل، وأنزل الله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ
…
فقرأ حتى بلغ: إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (1).
وروى مسلم في صحيحه بسنده، عن أنس بن مالك قال:«إن هلال بن أمية، قذف امرأته بشريك بن سحماء، وكان أخا للبراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لا عن في الإسلام .. » الحديث (2).
وهذه الرواية تدل أيضا- لكن لا بطريق التصريح- على أن الآية نزلت بسبب «هلال» .
وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد قال: «جاء (عويمر) إلى عاصم بن عدي فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع به فسأل عاصم رسول الله، فكره رسول الله المسائل، فأخبر عاصم عويمرا، فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتاه فسأله، فقال: «إنه قد أنزل الله فيك، وفي صاحبتك القرآن
…
» الحديث.
فهاتان الروايتان صحيحتان، ولا مرجح لأحدهما، ويمكن الجمع بينهما بأن أول من سأل «هلال بن أمية» ثم سأل «عويمر» أيضا قبل الإجابة، فأنزل الله آيات اللعان، إجابة لهما معا.
وهذا التوفيق بين الروايتين أولى من ردهما، إذ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، أو الأخذ بإحداهما دون الأخرى، لما فيه من الترجيح بلا مرجح وهو غير جائز.
وإلى هذا جنح الإمام النووي، فقال: ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا، فلعلهما سألا في وقتين متقاربين، فنزلت الآية فيهما (3).
(1) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة النور، وكتاب النكاح- أبواب اللعان.
(2)
صحيح مسلم- كتاب اللعان، وانظر شرح مسلم للنووي على هامش شرح القسطلاني للبخاري ج 6 ص 314 - 333.
(3)
شرح النووي على مسلم ج 10 ص 120.