الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووقع بينهما وقعة يطول الشرح في ذكرها، وآخر الأمر أن هولاكو استولى على ديار بكر، وحاصر ماردين من جمادى سنة ثمان وخمسين إلى أن دخلت سنة تسع وخمسين وستمائة، فتوفى الملك السعيد هذا في سادس عشر صفر، وقيل في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وستمائة بالطاعون، رحمه الله.
حفيد المتقدم ذكره
آيل غازي، الملك السعيد، نجم الدين بن الملك المظفر قرا أرسلان بن الملك السعيد آيل غازي، حفيد المذكور أعلاه.
تولى السلطنة بعد موت أبيه، وحمدت سيرته إلى أن توفى سنة خمس وتسعين وستمائة، وتملك بعده ماردين أخوه المنصور نجم الدين غازي. رحمه الله تعالى.
اليوسفي الأتابك
إينال بن عبد الله اليوسفي اليلبغاوي، الأمير سيف الدين، أتابك العساكر.
أصله من مماليك يلبغا العمري الخاصكي، وترقى بعد موت أستاذه إلى أن صار من جملة أمراء الديار المصرية في دولة الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان، وصار له شهامة في الدولة، وطمع أن يستبد بتدبير مملكة الملل المنصور وحده، فصبر إلى أن سافر الأمير بركة إلى البحيرة، ونزل الأمير برقوق من السلسلة؛ ليسير إلى جهة قبة النصر، ركب من وقته بمن معه بآلة الحرب، وملك باب السلسلة - مكان برقوق - وبلغ برقوق الخبر؛ فعاد وحصل بينهما وقعة هائلة انتصر فيها برقوق، وقبض على إينال المذكور وقرر، فاعترف بأنه لم يركب إلا كرهاً في الأمير بركة لا غير.
وفي هذا المعنى يقول الأديب شهاب الدين بن العطار:
ما بال إينالٍ أتى
…
في مثل هذي الحركه
مع علمه بأنها
…
خالية من بركه
وقال غيره وأجاد:
بغى إينال واعتقد الأماني
…
تساعده فما نال المؤمل
ومد لأخذ برقوقٍ يديه
…
ولم يعلم بأن الخوخ أسفل
وكانت هذه الوقعة في يوم الاثنين رابع عشرين شعبان سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.
ثم حبس إينال المذكور بثغر الإسكندرية مدة إلى أن أفرج عنه برقوق، وولاه نيابة طرابلس، ثم نقله بعد مدة إلى نيابة حلب، عوضاً عن منكلي بغا الشمسي، كل ذلك في مدة يسيرة.
ولما كان نائب حلب ورد عليه مرسوم الملك الصالح حاجي، ومرسوم الأتابك برقوق العثماني على يد يونس النوروزي الدوادار، يتضمن توجه العساكر الحلبية والشامية إلى الأمير خليل بن دلغادر؛ فامتثل بالسمع والطاعة، وتربص حتى قدمت عليه العساكر الشامية وهم: الأمير أشتقمر المارديني نائب دمشق،
والأمير أسنبغا اليلبغاوي نائب طرابلس، والأمير طشتمر القاسمي نائب حماة، والأمير طشتمر العلائي نائب صفد، والجميع بعساكرهم، وذلك في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة؛ فتوجه الجميع إلى مرعش وواقعوا من بها، وأجلوهم عن ديارهم، ونهبوا أموالهم، وأقصوهم عن الممالك الإسلامية، ثم أخذوا في إصلاح الطرق والمسالك، وانتهى بهم السفر إلى مدينة ملطية، ونزلوا على الفرات. كل ذلك وبنو دلغادر يكاتبون الأمير إينال ويسألونه الدخول تحت الطاعة، وهو لا يسمع ذلك، ثم قدم عليهم المرسوم الشريف بعودهم، فعاد الجميع إلى محل كفالتهم، وأقام الأمير إينال في نيابة حلب إلى أن تسلطن الملك الظاهر برقوق، أو قبل سلطنته بقليل، عزل عن نيابة حلب بالأمير يلبغا الناصري، صاحب الوقعة - رفيق منطاش - ورسم له بالتوجه إلى دمشق أتابكاً بها؛ فتوجه إلى دمشق، ودام بها إلى أن خرج الأمير يلبغا الناصري نائب حلب على الملك الظاهر برقوق أرسل إليه الملك الظاهر تشريفاً بنيابة حلب ثانياً، فأظهر إينال المذكور السمع والطاعة، وفي الباطن بخلاف ذلك، ثم إنه أظهر
العصيان، وانضم إلى الناصري، وجرت أمور ووقائع إلى أن تولى نيابة صفد في سلطنة برقوق الثانية في سنة اثنتين وتسعين، وتصافا هو والظاهر برقوق، ثم طلب إلى القاهرة، واستقر أتابك العساكر بها، وعظم عند الظاهر برقوق في هذه النوبة محله وضخم، وصار له كلمة في الدولة.
وكان شرس الخلق وعنده بادرة وحدة.
قيل إن الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب، لما أراد القدوم إلى الديار المصرية تحير برقوق أين يجلس كمشبغا؟ ؛ فإنه كان أكبر مماليك يلبغا، وممن تأمر في أيام أستاذه يلبغا، فكلم الظاهر إينال المذكور في أمر كمشبغا بأن قال: الأمير كمشبغا قادم علينا من حلب، وهو أغتنا كلنا، وأقدمنا، وأنت أتابك العساكر، نريد أن تجلس أنت في الميسرة وتكون أتابك - يعني بالعربي أب أمير - ويكون كمشبغا أمير كبير ويجلس في الميمنة. فأجاب إينال بحدة: إن رسم السلطان، أكون أتابك - يعني أب أمير - فلما سمع برقوق منه ذلك قال: لا، وإنما يستمر كل أحد على وظيفته.
ونزل الأمير إينال إلى داره، ومرض، ولزم الفراش إلى أن مات في رابع جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وسبعمائة، واتهم بأنه سم، والله أعلم.