الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان رنكه دائرة بيضاء يشقها شطب أخضر عليه سيف أحمر يمر في البياض الفوقاني إلى البياض التحتاني على الشطب الأخضر. وقال الشعراء فيه، من ذلك قول نجم الدين هاشم الشافعي:
سيوفٌ سقاها من دماء عداته
…
وأقسم عن ورد الردى لا يردها
وأبرزها في أبيضٍ مثل كفه
…
على أخضرٍ مثل المسن يحدها
قال: وكان الرنك في غاية من الظرف، حتى إن النساء الخواطئ وغيرهن كن ينقشنه على معاصمهن. انتهى.
البرنلي، المتغلب على البلاد الشامية
آقوش بن عبد الله العزيزي، الأمير شمس الدين، المعروف بالبرنلي والبرناو - كلاهما لغة من اللغة التركية معناهما: المأنوف -.
كان من أكابر مماليك السلطان الملك العزيز غياث الدين محمد بن السلطان
الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب صاحب حلب.
نشأ في خدمته، ثم في خدمة ولده السلطان الملك الناصر يوسف من بعده. وسار مع الناصر لقتال المعز أيبك التركماني صاحب مصر في سنة ثمانٍ وأربعين وستمائة، فانكسر الملك الناصر، وخامر آقوش البرنلي هذا وجماعة من العزيزية وانضافوا إلى المعز، ثم أرادوا الفتك بالمعز، فعلم بهم وقبض على بعضهم وهرب بعضهم، فكان آقوش البرنلي ممن هرب، وتوجه عائداً إلى الملك الناصر صاحب حلب، فقبض عليه الناصر واعتقله بقلعة عجلون؛ إلى أن توجه الناصر بعساكره مندفعا بين يدي التتار في سنة ثمان وخمسين وستمائة؛ فأخرجه السلطان من حبس عجلون وأكرمه، ودام عنده إلى أن انهزم الناصر من الملك المظفر قطز بقطبا وتفرقت عساكره عنه، دخل البرنلي مع العساكر المصرية إلى القاهرة،
واتصل بالملك المظفر، فأحسن إليه واستنابه بغزة وبالبلاد الساحلية مع جماعة كثيرة من العرب، وأقطعهم إقطاعات هائلة إلى أن قتل الملك المظفر قطز وتسلطن الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وخرج الأمير علم الدين سنجر الحلبي نائب دمشق عن طاعته، وادعى السلطنة لنفسه، واستحلف الأمراء والأعيان وجلس بقلعة دمشق، وتلقب بالملك المجاهد.
طلب الملك الظاهر بيبرس آقوش البرنلي، وأغدق عليه وعلى جماعة من العزيزية والناصرية؛ وأمرهم بالتوجه مع العساكر المصرية؛ لمحاصرة الأمير علم الدين سنجر الحلبي، المتغلب على دمشق، فتوجه إليها صحبة العساكر، وملكوا
دمشق، واستمر بها هو والعزيزية إلى أن جهز الملك الظاهر بيبرس الأمير فخر الدين الحمصي مقدماً على العساكر المصرية في سنة تسع وخمسين وستمائة؛ لتنزيح التتار عن البلاد الحلبية.
استشعر آقوش البرنلي من الملك الظاهر بيبرس بالقبض عليه، فخرج هارباً إلى حلب، وكان تقدمه إلى حلب فخر الدين الحمصي والأمير لاجين العينتابي، فخرج الأمير فخر الدين لتلقيه، ظناً منه أنه جاء نجدةً له، ودخل البرنلي هذا حلب وتغلب عليها، فخافه الحمصي، وعمل الحيلة في خروجه من حلب وعوده إلى الملك الظاهر بدمشق، فتم له ذلك، وقبض البرنلي على حواشي الحمصي وصادرهم، وأبقى على العينتابي، وأمر وأقطع، ووفد عليها زامل بن حديثة، ففرق عليه وعلى أصحابه تسعة آلاف مكوك، مما احتاط عليه من الغلال التي كانت مطمورة بحلب، وفرق في التركمان أربعة آلاف أخرى، وبلغ الملك الظاهر بيبرس ذلك، فولى الحلبي نيابة حلب، وبعث معه عسكراً، عليهم الأمير جمال الدين آقوش
المحمدي. فلما قرب العسكر من حلب خرج منها البرنلي ودخلها الحلبي، وسار آقوش المحمدي يتبع البرنلي حيث توجه، فأدركه في الطريق فركب البرنلي ودخل على المحمدي في مخيمه، وقال: أنا مملوك السلطان وما هربت خوفاً منه، وقد رغبت إليك في أن تستعطفه بحيث يبقى على حران، فإني طردت نواب التتار ووليت فيها، ومتى لم يسمح لي بها لم أجد بداً من التجائي إلى التتار، فتكفل المحمدي بما لتمسه ورحل عائداً، ودخل البرنلي إلى حران، وكان ذلك خديعة منه، ثم تسلم البيرة وقصد حلب، فلما كان بتل باشر، خرج عن طاعة الحلبي أكثر من كان معه ولحق بالبرنلي، وخرج الحلبي من حلب ليلاً. فلما علم البرنلي بذلك بعث إليها الأمير طقصبا الناصري وكيكلدي الحلبي وتسلماها.
ثم لما وردت الأخبار على الملك الظاهر بيبرس بذلك برز بالعساكر
المصرية ومعه الخليفة وأولاد صاحب الموصل إلى بركة الجب وأقام إلى عيد الفطر، فوصل إليه في خلال هذه الأيام آقوش المحمدي، فأنكر عليه الظاهر، ثم استقل بالمسير حتى وصل دمشق يوم الاثنين سابع ذي القعدة من السنة، فجهز الأمير علاء الدين الأيدكي البندقداري إلى نيابة حلب، وبعث معه عسكراً لمحاربة البرنلي وعليهم الأمير بلبان الرشيدي، فخرج الجميع من دمشق في منتصف ذي القعدة. فلما وصلوا إلى حماة خرج البرنلي من حلب وقصد حران، فتبعه الرشيدي، ودخل البندقداري حلب. فلما قارب الرشيدي الفرات رحل البرنلي عن حران وقصد قلعة القرادي، فحاصرها حتى أخذها من التتار عنوة ونهبها، وعاد الرشيدي إلى نحو الديار المصرية، فرجع البرنلي إلى البيرة، وبعث جماعة من أصحابه إلى حلب. وبلغ الخبر البندقداري، ففر من حلب وقصد حماة، وأقام
ببلدها، ودخل البرنلي حلب مظهراً طاعة الملك الظاهر بيبرس، وأقام بها إلى أن كتب إليه الملك الصالح واستنجده؛ فكتب إلى الملك الظاهر يستأذنه في التوجه لنصرته؛ فأجابه، وأمره بالتربص بحران إلى أن يصل إليه العسكر السلطاني بنجدته - صاحب الموصل -، فوصل حران وأقام بها، ثم خاف من العسكر السلطاني أن يقبض عليه؛ فتوجه بمن معه إلى سنجار لنجدته - الملك الصالح -، وكان التتار يحاصرون الصالح بسنجار، فلما بلغهم قدوم البرنلي غرهم كبيرهم صندغون بمن معه على الهرب، واتفق وصول الزين الحافظي إليه من عند هولاكو فقال لهم: إن الجماعة التي مع البرنلي قليلة، وأن المصلحة تقتضي ملاقاته؛ فقوى عزمهم فرجعوا إلى البرنلي والتقوا معه بطائفة التتار، وهم نحو عشرة آلاف وعليهم صندغون، ومع